
مسارات دراسة الدين من منظور جندري اتبعتها النسويات ورأوها كحل ممكن:
1- ترك الأديان ومحاربتها وإعلان الإلحاد والبقاء على حال اللادينية: وهو الموقف الأكثر شيوعًا في الأوساط النسوية.
2- العمل على إعادة بناء الأديان وصورة الإله فيها: وهذا الاتجاه قد بدأ في الغرب منذ الستينات من القرن العشرين، وتتوّج بنشأة ما يعرف باللاهوت النسوي، وهو تيار يعمل على إعادة بناء المسيحية من منطلق جندري، وتمضي روزماري رادفورد روثر (إحدى أهم رائدات ومؤسسات هذا الاتجاه) في شرح تفصيلي لأهداف هذا التيار ومقوماته؛ تهدف باحثات العلوم الدينية النسويات إلى ترشيد وإعادة بناء الرموز الدينية الأساسية عن الله/الخالق، وقصة الخلق، والبشرية بنوعيها الذكر والأنثى، والخطيئة، والخلاص والكنيسة.. إلخ. من أجل إعادة تعريفها من جديد تعريفًا يأخذ في الاعتبار الجنسين وضمهما معا في منظومة مساوية.
وتؤكد كريستين أوفرول أن: العديد من الفلاسفة واللاهوتيين التقدميين -والذين بالنسبة إليهم قضية الإنسانية المتساوية للمرأة مع الرجل هي قضية غير قابلة للنزاع- قد تفاعلوا مع النقد النسوي القوي للأدوار القهرية للدين مع فكرة الإله البطريركي، عبر محاولة إعادة بناء صورة الإله.
3- تأسيس أديان نسوية خاصة: وفيه النسويات اللاتي انطوين ضمن حالة الوثنية الجديدة وحالة الروحانية خارج الأديان التقليدية والتي تعمل على خلق أديان وآلهة نسوية -إله أنثى في الغالب- فكما تذكر باميلا يونغ: بعض أشكال الوثنية الجديدة في الغرب قد حاولت موازنة الآلهة والإلهات في الهياكل الأسطورية والشعائرية الخاصة بها. والبعض يتّكلون فقط على تراث وصور الإلهات. وهذا الموقف الأخير في الغالب يقوم على فرضية أن الناس -خاصة النساء- يحتاجون الإلهة لمقاومة تأثير الرؤى الدينية التقليدية البطريركية..،
وفي الغالب ما تعنيه النسويات بالأديان لا يتضمن بالضرورة فكرة النبوة والاعتقاد الحقيقي بوجود إله خالق للكون، ولكنه بشكل أكبر يحيل إلى الجانب الروحاني من الوجود البشري المتضمن داخل تجارب الأفراد، وبذلك يكون الحديث عن إعادة بناء الأديان أو تأسيس أديان خاصة متعارضًا بشكل كامل مع المعنى المعروف للأديان والنبوة.
وهي إحدى المآزق التي تقع فيها حالة النسوية الإسلامية حين تحاول تطبيق مفهوم الجندر في فهم الدين، ليصبح كل حديث أو آية يتعارض مع المساواة المطلقة أو ينسب صفة معينة للنساء في مقابل الرجال أو العكس متشكلا تاريخيا أو وافد من الأديان السابقة للإسلام وهو ما يعني في أسوأ الأحوال أن الدين تشكل تاريخيًا وفي أفضل الأحوال أنه تشوّه وتم تحريفه مذ لحظته الأولى، فإما التعامل مع الدين بوصفه وحيًا إلهيًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعليه تجاوز فكرة المساواة المطلقة المتجذرة في مفهوم الجندر، أو الاتساق في استعمال مفهوم الجندر والإقرار بأن التأكيد تشكل تاريخيّ لا يصدق عليه مفهوم الوحي الإلهي النازل من الخالق الحكيم عز وجل، إضافة للتركيز الشديد على قضية التجربة الدينية الشخصية للمرأة كأساس لبناء المساواة في تأويل الآيات والأحاديث، أي تجاوز النقاش والمناهج الموضوعية للعلوم الشرعية واستبدالها بحالة سائلة نسبية من التجارب البشرية كأساس لفهم القرآن والسنة، وهو ما سيوقعهم في إشكالات كثيرة في التعامل مع النبوة والوحي كحقائق موضوعية نزلت من الله عز وجل للبشر
المصدر:
مجلة أوج العدد العاشر، مقال النسوية والإسلام: الجندر بوصفه مدخلًا عقديًا للإلحاد واللادينية، للكاتب الحارث عبد الله بابكر