مصدر تفسير القرآن

مصدر تفسير القرآن | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

77 مشاهدة

تم النشر منذ 3 أشهر

ومِن اللهِ إنزالُه، وعليه بيانُه؛ فليس لأحدٍ أن يَجتهِدَ فيه برأيِهِ وهواه؛ قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]؛ وهذا البيانُ مِن الله، لا مِن غيرِه؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٨ - ١٩]، ولكنَّ البيانَ نُسِبَ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- باعتبارِ بلاغِهِ له؛ وإلَّا فإنَّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مأمورٌ بالاتباعِ لأمرِ الله؛ كما قال الله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود: ١١٢].

ومَن صَحَّ لسانُهُ العَرَبيُّ، وفَهِمَ لغاتِ العرَب، لم يَحتَجْ إلى تكلُّفٍ وتنطُّعٍ في تأويلِ القرآن؛ فالأصلُ فيه: أنْ يَفهَمَهُ العرَبيُّ عند نزولِه، ولكنْ لمَّا بَعُدَ الزمانُ، وضَعُفَ اللسانُ، احتاج الناسُ إلى الرجوعِ إلى تأويلِ السلَفِ مِن الصحابةِ والتابِعِينَ؛ حتى لا يَحمِلُوا القرآنَ على غيرِ مرادِ الله.

وقد عصَمَ الله نبيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-؛ فكان مفسّرًا للقرآنِ بقولِهِ وفعلِه، ومترجِمًا لمعانِيهِ بحياتِه، وقد كان يتخلَّقُ به، ويقومُ بما أمَرَ الله فيه؛ وقد قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ"، وقد أمَرَهُ الله بتلاوةِ كلامِهِ وبتعليمِهِ للناسِ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: ١٦٤]، والحكمةُ هي سُنَّتُهُ؛ فإنَّها لا تتعارَضُ مع القرآنِ لعصمتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هي مبيِّنةٌ مفسِّرةٌ له.

وكلُّ ما استقَرَّ عليه فهمُ الصَّدْرِ الأوَّلِ مِن القرآنِ، فهو مرادُ الله فيه؛ لأنَّ اللهَ أنزَلَهُ بلسانِهِمْ لِيَفْهَمُوهُ، ولا يسكُتُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- معنًى باطلٍ استقَرَّ في نفوسِهم؛ فهذا يُخالِفُ مقتضَى الرسالة، واللهُ مُطَّلِعٌ على ما في نفوسِهم مِن فَهْم.

ولو عَلِمَ الله أنَّ عامَّتَهم أو أكثَرَهم فَهِموا القرآنَ على غيرِ مرادِ الله، لَأَنْزَلَ اللهُ البيانَ في ذلك؛ لأنَّ هذا مقتضى حفظِ دِينِهِ وتمامِهِ وكمالِه؛ فكمالُ القرآنِ وتمامُ الدِّينِ هو للمعاني كما هو للحروفِ؛ قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣].

ويجبُ الإيمانُ بكلِّ ما جاء في كلامِ الله وكلامِ رسولِه؛ فكلُّ ذلك وحيٌ مِن الله، وقد قرَنَ الله طاعتَهُ بطاعةِ نبيِّه، ومعصيتَهُ بمعصيتِه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- الآمِرُ بأمرِ الله، الناهي بنهيِه، ولا يخرُجُ عن ذلك؛ فمَن أحبَّ الله، ولم يُطِعْ نبيَّه، فدعواهُ كاذبةٌ؛ كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١].

ومَن جَهِلَ شيئًا مِن كلامِ الله، وجَبَ عليه السؤالُ عن مرادِ اللهِ عند مَن يَعلَمُهُ مِن الصحابة والتابِعِينَ ومَن سار على نَهْجِهم مِن أهلِ العلمِ؛ وقد قال ابنُ أبي زَيْدٍ في "الجامع": "وَنُصَدِّقُ بِمَا جَاءَنَا عَنِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- في كِتَابِهْ، وَمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَخْبَارِهْ: يُوجِبُ العَمَلَ بِمُحْكَمِهْ، وَنُقِرُّ بِنَصِّ مُشْكِلِهِ وَمُتَشَابِهِهْ، وَنَكِلُ مَا غَابَ عَنَّا مِنْ حَقِيقَةِ تَفْسِيرِهْ، إِلَى الله سُبْحَانَهْ، والله يَعْلَمُ تَأْوِيلَ المُتَشَابِهِ مِنْ كِتَابِهْ، وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧].

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَ مُشكِلَهُ، وَلَكِنَّ الأَوَّلَ قَوْلُ أَهْلِ المَدِينَةِ؛ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الكِتَابُ" (١)


المصدر:
عبد العزيز الطريفي، المغربية في شرح العقيدة القيروانية

الإشارات المرجعية:
(١) "الجامع" (ص ١١٤ - ١١٥).

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تفسير-القرآن
اقرأ أيضا
قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج2 | مرابط
فكر مقالات

قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج2


نيران سانت المو: هى الوهج الذى يلازم التفريغ الكهربى البطىء من الجو إلى الأرض وهذا التفريع المطابق لتفريغ الفرشاة المعروف فى تجارب معامل الطبيعة يظهر عادة فى صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة التى على غرار برج الكنيسة وصارى السفينة أو حتى نتوءات الأراضى المنبسطة وتصحبها عادة ضوضاء طقطقة وأزيز

بقلم: محمد الغزالي
511
فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة


إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار والمثال السابق يشبه تماما ما لو قال قائل: أعطونا مثالا واحدا على أن أحد الصحابة قال: هذا فاعل وهذا مفعول به وهذا مفعول للتمييز وهذا للحال.. إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة

بقلم: الألباني
193
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3 | مرابط
تفريغات

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3


لقد عزمنا على أن نقوم بعمل يقاوم جهود المنصرين واسترشدنا بمشورتكم وبآرائكم وباقتراحاتكم الكثيرة وتوصلنا إلى هذا المشروع وهذه هي فكرته ببساطه: هي أنه لا بد من عمل ما ونحن لا نستطيع أن نفتح مستشفيات أو مطارات أو جامعات لا نستطيع إلا في حدود ما أعطانا الله وهو أن ننشر العلم الصحيح والعقيدة الصحيحة ونرد شبه هؤلاء بالرد العلمي الذي هو مجالنا وبضاعتنا الوحيدة

بقلم: سفر الحوالي
384
إقناع العقل وإمتاع العاطفة | مرابط
تعزيز اليقين

إقناع العقل وإمتاع العاطفة


وفي النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير وقوة وجدان وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها فأما إحداهما فتنقب عن الحق لمعرفته وعن الخير للعمل به وأما الأخرى فتسجل إحساسها بما في الأشياء من لذة وألم والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين ويطير إلى نفسك بهذين الجناحين فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معا

بقلم: محمد عبد الله دراز
333
الديمقراطية في ميزان الإسلام | مرابط
فكر مقالات الديمقراطية

الديمقراطية في ميزان الإسلام


الديمقراطية هي في الأصل كلمة لاتينية مكونة من شقين وهما demos وتعني الحكم أو السلطة و kratos وتعني الشعب وبذلك فإن الديمقراطية هي حكم أو سلطة الشعب ويقصد بها حكم الشعب بواسطة الشعب أو من خلال اختيار الشعب لمن ينوب عنه في الحكم ويمكن القول بأن تداول كلمة الديمقراطية في أوروبا ازداد منذ القرن السابع عشر وخاصة في القرن الثامن عشر وذلك من خلال ازدهار الليبرالية السياسية أما بالنسبة للعرب فلم تدخل كلمة الديمقراطية اللغة العربية إلا من خلال الغرب في أواخر القرن التاسع عشر

بقلم: مجموعة كتاب
475
الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط
الجندرية

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي


شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرا متكلفا فما الدافع ترى لهذا التزييف أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدمي مقبول أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار

بقلم: نزار محمد عثمان
2689