معركة الحجاب الجزء الأول

معركة الحجاب الجزء الأول | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

2302 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الخطبة الأولى

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 
أما بعد:

 

أهمية الحجاب:

 

فقد قال في كتابه العزيز: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (الأحزاب: 36)، وإن مما قضى به الله  ورسوله هذا الحجاب الذي فرضه -تعالى- على نساء المؤمنين، وخاطبهن باسم الإيمان دليلًا على ارتباطه به، "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" (النور: 31)، وقال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ" (الأحزاب: 59)، فهذا الارتباط بين الإيمان وبين إدناء الجلباب، وعدم إبداء الزينة، وهذا الحجاب طهارة كما قال -تعالى-: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" (الأحزاب: 53)، حجاب اللباس، وحجاب الجدار، حجاب يحجبها إذا ما أراد أن يخاطبها بالمعروف.
 
عباد الله: إنه عفاف للمرأة، والله يحب العفاف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف.
 
جعل الله الحور العين مقصورات في الخيام، غير متبرجات حتى في الجنة، "وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ" (ص: 52) "حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ" (الرحمن: 72)، بل إن لها حجابًا ولو أن خمارها خرج إلى الدنيا لأضاء ما بين المشرق والمغرب، وكذلك فإن الله -تعالى- قال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ" (الأحزاب: 59)، أي: ليعرف الحجاب بالكامل، والإدناء من أعلى إلى أسفل كما هو في لغة العرب، ليعرف أنهن عفائف، فلا يؤذين من قبل الفساق، بأي قول أو فعل..

لأن المرأة إذا بالغت في التستر والتحجب لم يطمع فيها الفساق، أما إذا خرجت بشعر مكشوف، ووجه مزين، وعباءة مخصرة، وألوان، وزينة، وطيب، وفتحات في هذه الثياب طمع فيها الفساق؛ لأنها تبرجت أمامهم، تزينت أمامهم، أخرجت زينتها أمامهم، فما معنى ذلك عند الفساق؟ أنه يطمع فيها، فلذلك يسيرون وراءها، ويحاولون الاتصال بها، وهكذا ترمى الأرقام لهذه المجموعة من النساء المتصفات بهذه الصفة من التهتك والتبرج والسفور، بينما لو كانت مغطاة كاملة التغطية كما قال -تعالى-: يُدْنِينَ، الإدناء من أعلى شيء إلى الأسفل، لم يظهر منها شيء، فإن الفساق لا يطمعون بها، هذا في الغالب والعادة، ولذلك قال: "ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ"، بأنهن عفائف، "فلا يؤذين"، بأي قول أو فعل من الفساق.
 
وقد ذكر الله -تعالى- الرخصة للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينه، لكن ما هو الأفضل؟ قال: "وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ" (النور: 60)، ما معنى يستعففن؟ أي: تبقي عليها جلبابها وحجابها، فإذًا سمى الحجاب عفاف، ما قال: وإن يتجلببن، أو أن يحتجبن، قال: وإن يستعففن، فارتباط بين الحجاب وبين العفاف، إنه أمر واضح.
 
 إنه ستر، والله -تعالى- حيي ستير يحب الحياء والستر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه يعلى ابن شداد ابن أوس.
 
وقال عز وجل مبينًا منته على عباده: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ" (الأعراف: 26)، "يواري سَوْآتِكُمْ": إذًا هذا اللباس يغطي العورات، وعورة الرجل مناسبه له، وعورة المرأة في الشريعة كل منهما له عورة تناسبه أمام الآخرين، وكذلك فإن الحجاب حارس الحياء، ألم تسمع إلى قول عائشة -رضي الله عنها- وهي تقول: "كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، ولما دفن عمر ما دخلته إلا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر"، وليس هذا على سبيل الوجوب، ولكن الحياء الذي تتصف به المرأة المسلمة كان هذا لعائشة حتى في هذه الحال بعد موت عمر، ما كان في شيء إلا زانه.
 
قال -تعالى- في صفة البنت الصالحة بتربية الرجل الصالح: "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ" (القصص: 25)، قال المفسرون: مستترة، ليست بِسَلْفَع، لا خراجة ولاجة، وإنما جاءت تضع درعها على وجهها استحياء، "تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ".
 
وإن الغيرة على نساء المؤمنين اقتضت من عمر أن يتمنى ويسأل الله أن ينزل الحجاب، قلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر و الفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله الحجاب.

 

نزع الحجاب سنة شيطانية:

 

إن الحجاب إذًا يا عباد الله! مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية الأخلاق في هذا الدين، وصادر مصدرًا وثيقًا من رب العالمين، والوحي المنزل من السماء، ومرتبط ارتباطًا أساسيًا بالإيمان، وكذلك فإن الشيطان يريد أن ينزع الحجاب، ويريد أن ينزع اللباس، ويريد أن تظهر العورات، "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ۝ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا" (طه: 117 - 121).
 
لو كان العري يا عباد الله جمالًا لجعله الله في الجنة، لو كان العري زينة لجعلة الله في الجنة، لكن قال لآدم: "إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى"، إذًا العري شيء سيء، وكذلك الجوع يعذب النفس، وكان لآدم وزوجه لباس في الجنة مع أنها زوجته، لكن لها لباس، ولما أكلا من الشجرة المعصية تسببت في هتك الستر وسقوط اللباس، "وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ" (الأعراف: 21)، وحلف لهما بالله، وما أكذب إبليس حتى وهو يحلف، "فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا" (الأعراف: 22)، بدت السوءات عند ارتكاب المعصية، فسارع إلى ستر العورة، "وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ" (الأعراف: 22).
 
وهكذا امتن الله على آدم، "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا" (الأعراف: 26-27)، فإذًا نزع اللباس والتعري خطة شيطانية أرادها الشيطان، وأراد التوصل إليها بإيقاع آدم وحواء بهذه المعصية، ولذلك فإن هذا التعري الذي يريدونه اليوم من خطة خبيثة في بعض الأماكن، وبالصراحة الوقحة في أماكن أخرى، أن ينحسر شيئًا فشيئًا نقاب بفتحتين واسعتين، ثم نصف الوجه يكشف وتضع لثامًا، ثم يزال اللثام وتكشف الوجه، ثم ينحسر الحجاب عن مقدمة شعر الرأس، ثم إلى نصف الرأس، ثم يزال الشعر، وينحسر عن اليدين، وينشمر عن القدمين والساقين، وهكذا ليتوصلوا في النهاية إلى شارع العراة، وأندية العراة، وحفلات العراة، وأفلام العراة، وأغاني العراة، وكذلك يفعلون، هذه خطة إبليس التي بدأها منذ زمن بعيد، منذ بداية هذه البشرية، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما.

 


 

المصدر:

  1. https://almunajjid.com/speeches/lessons/670
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#قضية-الحجاب #المرأة
اقرأ أيضا
العلاج النفسي موضة العصر | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

العلاج النفسي موضة العصر


إن موضة الاضطرابات النفسية أصبحت متقلبة مثل شعبية نجوم الغناء والمطاعم ورحلات السفر ويحكي فرانسيس: خلال عملي في مجال علم النفس لمدة 35 عاما لم أجد متخصصا واحدا يسعى إلى تقليل عدد مرضاه فالطفل الأكثر حركة في الفصل لم يعد مجرد طفل نشيط بل أصبح مريضا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ويحتاج إلى تناول عقار والحزن على وفاة أحد أقاربك لم يعد مجرد حزن بل هو اكتئاب حاد يجب أن تخضع للعلاج النفسي من أجل التغلب عليه

بقلم: إسماعيل عرفة
436
إياك نعبد وإياك نستعين | مرابط
تفريغات

إياك نعبد وإياك نستعين


العبودية في قوله: إياك نعبد الفاتحة:5 العبودية هي التذلل والخضوع ولهذا تقول العرب: طريق معبد أي: مذلل إذا ذلل الناس الطريق بشيء من توطينه وتهيئته للسير يقول: طريق معبد كذلك العبد يسمى عبدا إذا كان متذللا بين يدي سيده. وهنا قال: إياك نعبد الفاتحة:5 لا نتذلل إلا لك سبحانك وتعاليت في هذا التذلل إلا لله جل وعلا والعبادة في ذلك مختلفة: ظاهرة وباطنة فالباطنة هي أعمال القلب من المحبة والخوف والرجاء والتوكل على الله سبحانه وتعالى والاستعانة والخشية وغير ذلك من أمور العبادة.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
663
شبهات حول الحجاب: الحجاب تزمت بغيض | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب تزمت بغيض


يقول بعض المعترضين: الحجاب تزمت وتعصب وتكلف في اللباس وتضييق على النفس وإمعان في السير في مضايق الحرج والإعنات هكذا لسان من يعادون الحجاب وينصبون له لواء البغض فهل لكلامهم رصيد من صواب وهل يستحق شيئا من الاعتداد بين يديكم الإجابة على هذه الفرية

بقلم: سامي عامري
958
فضل اللغة العربية | مرابط
تفريغات لسانيات

فضل اللغة العربية


ولما دخل الإسلام جزيرة العرب ألبس اللغة الثوب الجديد ثم بعد ذلك فتح الله الأمصار على يد المهاجرين والأنصار الذين رفعهم الله بتمسكهم بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فحدث الجهاد مع الأعاجم ثم حصل السبي للعبيد والإماء فلما دخل الأعاجم بلاد الإسلام أصبحت اللغة العربية يحدث فيها الغلط واللحن فلما ظهر اللحن ابتدأ جهابذة اللغة والسنة والكتاب وقالوا: لا بد من حفظ كتاب ربنا وسنة نبينا ولا يكون ذلك إلا بالضوابط والقواعد النحوية

بقلم: محمد حسن عبد الغفار
425
لا تستعجل النتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تستعجل النتائج


إن القرآن يوجه القلوب والعقول ألا تستعجل النتائج فهي لا بد آتية حسب السنة الماضية التي لا تتبدل وأعمار الأفراد ليست هي المقياس والجولة العارضة ليست هي الجولة الأخيرة قد ينتصر الباطل فترة من الوقت ويزدهر ويتمكن ويعلو في الأرض ولكن هذا ليس نهاية القول ولا نهاية المطاف إنه جزء من سنة الله المتشعبة الجوانب

بقلم: محمد قطب
752
من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1 | مرابط
فكر مقالات المرأة

من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1


يعتبر الاختلاط بين الجنسين من أكثر المناطق الشائكة التي يصطدم فيها المنهج الإسلامي مع المنهج العلماني بين القبول والرفض بين الإباحة والمنع ونحن في هذا المقال نقف على عدد من التساؤلات والنقاط هل لفظ الاختلاط دخيل على الإسلام هل صحيح أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تعرف مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء وهل فعلا المجتمع الغربي لا يعرف فكرة الفصل بين الجنسين وما هي ملامح أزمة الاختلاط في واقعنا المعاصر وغير ذلك من النقاط الهامة

بقلم: إبراهيم السكران
1248