
من أهم المعارك الإنسانية الداخلية معركة النسيان والتذكر! .. ولذلك فإن القرآن يحدثنا كثيرًا عنهما، ويقابل بينهما في مواضع كثيرة أيضًا، كقوله تعالى: "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ"، وقوله جل وعلا: "وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"، وقوله سبحانه: "وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ"، وقوله تعالى: "فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ" ..
وداء النسيان هذا هو الذي قد يجعل الإنسان إذا نزل به البلاء انهمك في أسباب الدنيا وغفل عن الفرار إلى الله سبحانه وشكاية البث والحزن إليه!
ومن ذلك أننا نؤمن بالجنة والنار، لكن من آمن بذلك حق الإيمان كأنه رأي عين = لم يعص الله سبحانه، لكننا نعصي، وذلك لأننا ننسى، كما اشتكى حنظلة للنبي صلى الله عليه وسلم: "عافَسْنا الأزْواجَ والأوْلادَ والضَّيْعاتِ، ونَسِينا كَثِيرًا" ..
فينبغي للمؤمن إذا نزل به البلاء أن يجتهد في التذكر، "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ"، حتى التقي قد يصيبه مس من الشيطان، المهم أن يتذكر فيبصر!
والأهم من ذلك أن يكون الإنسان دائم التذكير لنفسه في حال اليُسر لكيلا تخونه في حال العسر، وهذا من معاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، ومن معرفته لك في الشدة أنه يذكّرك، كما وقع ليوسف عليه السلام، "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ"، فذكّره وبصّره وصرف عنه السوء والفحشاء لما كان عليه من حال الإخلاص ومقتضيات الاستخلاص!
ولذلك فإن من أعظم وظائف المسلم أوراده الحيّة النابضة في الحضر والسفر والرخاء والشدة، فإنها عصمة من النسيان، ولُب ذلك وأصله والمجزئ منه = الصلاة وما فيها من قرآن وذكر، ولُبها الفاتحة، ولذلك كانت لزامًا في الرخاء والشدة واليسر والعسر، ومن استزاد زاده الله، والدواء بقدر الداء والحاجة، وما أحوجنا والله! وما أعظم الأدواء وأكثرها!
والله المستعان!
اللهم غفرًا وسلامة!