البحث في مميزات تشريع الإسلام في التوحيد وقضاياه من أهم ما ينبغي لطلبة العلم الحرص عليه؛ ﻷن هذا المبحث يعد من أهم الموضوعات التي تبين محاسن الإسلام وتفوقه على كل الأديان، وتثبت بأنه دين منزل من عند الله تعالى لا تعبث فيه أيدي البشر كما هو في سائر الأديان، فضلا عن أن إدراك تلك المميزات من أهم ما يزيد من تقوية إيمان المسلمين بتوحيدهم لربهم وتمسكهم بدينهم.
والمميزات التي يمكن أن ترصد للتوحيد في الإسلام متعددة، من أهمها:
الوضوح
الميزة الأولى: الوضوح، فمفهوم التوحيد يتصف بالوضوح الشديد في التشريع الإسلامي، فلا غموض فيه ولا إشكال، ولا تقارب بين حقيقة الخالق وخواصه وصفاته وحقوقه ويين حقيقة المخلوق وخواصه وصفاته وحقوقه، فالتوحيد في التشريع الإسلامي التفي والإثبات، وهو من أقوى مسالك تأكيد التوحيد ونفي الشرك، ويقوم على تأكيد أن الناس كلهم سواء فى الله ولا فضل لأحد منهم إلا بالتقوى، ولا توجد بين الله تعالى وبين أحد من المخلوقات علاقة خاصة، لا علاقة نسب ولا شراكة ولا غيرها.
ومن وضوح التوحيد في التشريع الإسلامي أن كل إنسان يمكنه أن يصل إلى ربه ومولاه ويتعبد له بنفسه بما شرعه له من أحكام من غير حاجة إلى واسطة أحد من المخلوقين، وأما الأنبياء فهم مجرد مبلغين عن الله تعالى دينه وما يريده من الناس، ليسوا وسطاء في العبادة، قالناس إذا عرفوا الأحكام من خلالهم فهم يتصلون بالله تعالى من غير واسطة.
ومن وضوح التوحيد في التشريع الإسلامي أن صفات الله تعالى وكمالاته واضحة للعابدين، فالناس ليسوا في حاجة إلى غير ما جاء في الوحي الكريم من بيان صفات معبودهم، وذلك الوصف يبين أن الله تعالى لا يمكن أن يماثل أحدا من المخلوقين، ولا يمكن لأحد من البشر أن يصل إلى كيفيته الخاصة به سبحانه، ولأجل هذا خلت مساجد المسلمين من الصور التي تصور فيها الآلهة المعبودة عند أصحاب الأديان المحرفة، فإن معابد الأديان المنحرفة لا تكاد تخلو من الصور والتماثيل التي فيها تصوير لمعبوداتهم الباطلة.
وقد أقر بهذه الميزة عدد من دارسي الأديان، فأكدوا على أن العقائد التي يقيمها الإسلام عن الإله والخالف تختلف عن العقائد التي تقيمها الأديان الأخرى المنحرفة، كاليهودية والنصرانية وغيرها.
الشمول
الميزة الثائية: الشمول، ومعنى ذلك أن التوحيد في التشريع الإسلامي ليس مجرد عبادة مفردة يقوم بها المسلم في وقت محدود من اليوم، وإنما هي عبادة شاملة لكل الأعمال والأفعال وكل جوانب الحياة، فحياة الإنسان كلها لا بد أن تكون مشمولة بتوحيد الله تعالى، فالتوحيد روح تسري في حياة المسلم وكيانه وتسير على كل تصرفاته وأفعاله.
ويدل على هذه الخاصية في التشريع الإسلامي قوله تعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، فهذه الآية تكشف عن نظرة الإسلام إلى التوحيد، وتدل على ميزة من أهم مميزاته، فهو عبادة شاملة لكل حياة الإنسان بكل تصرفاته، فلا شيء في حياة الإنسان إلا وهو لله تعالى لا أحد غيره.
البرهنة
الميزة الثالثة: البرهنة، ومعنى هذه الميزة أن الإسلام لم يجعل التوحيد مجرد تشريع طلبي، وإنما أقام من الحجج والبراهين ما يثبت صحته في ذاته، ويقوي عمقه في نفوس المسلمين، ولم يترك الإسلام للناس إقامة البراهين على التوحيد، وإنما حشد من الأدلة أقواها، ومن البراهين أتقنها، فدلل على أصول التوحيد الكبرى، وأقام أركانها بما لا يدع مجالا للشك فيها أو التردد أو الضعف، كما سبق بيانه فيما مضى.
المركزية
الميزة الرابعة: المركزية، ومعنى هذه الميزة أن عبادة التوحيد هي القاعدة التي تقوم عليها كل العبادة، فلا تصح عبادة بدونه ولا يدخل أحد الجنة بدونه، ولا يخرج من النار بعد عقوبته بدونه، فالتوحيد جوهر الإسلام، وأساس قواعده، ومنطلق تشريعاته، فكل شيء في الكون موحد لله، والتوجه إليه سبحانه هو قبلة كل ما في الكون، يقول سيد قطب: "اعتبر الإسلام قضية التوحيد هي قضيته الأولى وقضيته الكبرى، توحيد الألوهية وإفرادها بخصائصها والاعتراف بها لله وحده، وشمول العبودية لكل شيء ولكل حي، وتجريدها من خصائص الألوهية جميعا، فالتوحيد على هذا المستوى وفي هذا الشمول هو مقوّم الإسلام الأول.
الكثافة
الميزة الخامسة: الكثافة، ومعنى هذه الميزة أن الإسلام كثف الحديث عن التوحيد، وأكتر من تنبيه الناس عليه في كل مناسبة، فتارة يذكر حقيقته، وتارة يذكر فضله، وتارة أخرى يذكر براهينه، وتارات أخرى يذكر خبر أهله وما حصل لهم في الدنيا وسيحصل لهم فى الآخرة، وسبق فيما مضى تصوير ابن القيم لهذه الكثافة، وأنه ما من آية في كتاب الله إلا وفيها حديث عن التوحيد إما بطريق مباشر أو غير مباشر.
وهذه الكثافة في الحديث عن التوحيد لا تجدها في غير نصوص الإسلام، فالحديث عن التوحيد في الأديان الأخرى لا يناسب منزلته ومحوريته.
الحماية
الميزة السادسة: الحماية، ومعنى هذه الميزة أن الشريعة الإسلامية لم تكتف في تشريع التوحيد بالجانب البنائي فقط، وإنما حرصت كل الحرص على حماية حماه من كل ما يتتاقض مع أصله أو كماله، فكثير من التشريعات إنما جاءت لسد الطرق التي يمكن أن تؤدي إلى إحداث الخلل في كيان التوحيد الشريف، وسيأتي في أثناء الشرح ذكر عدد من صور الحماية الإسلامية للتوحيد.
المصدر:
سلطان العميري، المسلك الرشيد في شرح كتاب التوحيد