من الغافل؟

من الغافل؟ | مرابط

الكاتب: سفر الحوالي

392 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا أحد أحب إليه العذر من الله) ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب، وأقام الحجة على الخلق فلله الحجة البالغة على الخلق جميعًا، وإنما هي الغفلة.. وإنما هي الغباوة، كما جاء في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وكل شيء يذكر الله تبارك وتعالى) فالسماوات والأرض والجبال والطير والأنهار، وكل ما في الوجود يذكر الله وأعظمهم ذكرًا الملائكة، وما استثنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طائفتين لا تذكران الله تبارك وتعالى قال: (إلا المردة من الشياطين والأغبياء من بني آدم) فالمردة هم شياطين الجن، وهم شر محض لا إيمان ولا خير فيهم، وهؤلاء لا يذكرون الله تبارك وتعالى.

 

وكل يوم تطلع فيه الشمس عليك صدقة -كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكل يوم محسوب عليك، وأقرب مثال نراه نحن -الآن- في حياتنا هو هذا التقويم الذي يعلق في البيوت وفي المساجد، إذا أخذت كل يوم منه ورقة تفاجأ وإذا به قد انتهى وهكذا العمر كل يوم تأخذ منه ورقة، وإذا بالعمر فجأة ينتهي، فهذا فيه عبرة لمن اعتبر.

 

ومن العجب أن بني آدم أحرص شيء على هذه الدنيا، ولو تفكر ابن آدم لوجد أنه من أقل مخلوقات الله عمرًا، سبحان الله! فبعض الطيور يعيش 300 سنة أو 400 سنة، والأشجار تجد الشجرة عند البيت من عهد جدك ومن قبله ولا تزال موجودة، ويموت الابن وابن الابن والشجرة موجودة، أما الجبال والبحار فهي أكثر بكثير، ولكن الإنسان يظن أنه الوحيد المخلد الذي يمتلك هذه الدنيا، ولذلك لو تأمل العقلاء ما اختلفوا وما اقتتلوا، وما بغى بعضهم على بعض من أجل قطعة أرض، أو من أجل بئر، هذه الدنيا طوت قبلنا أممًا عظيمة وقرونًا طويلة، وسوف نطوينا بعد كذلك.

 

إن كل ما نرى في هذه الحياة الدنيا مما يتقاتل عليه الناس، ويبغي بعضهم على بعض بسببه، وما يشغلهم عن ذكر الله من أراضٍ أو دور أو عقار ما هو إلا عارية عندهم ينتقل من بعضهم إلى بعض، وكلما انتقل إلى شخص قال: هذا بيتي.. هذه أرضي.. هذا ملكي، ولو تأمل في حاله فسيرى أنه ما وجد إلا أيامًا قليلة بالنسبة لعمر هذه القصور التي كانت قبل ثلاثين أو أربعين سنة تعد أفخم وأعظم وأفخر القصور، والتي لو تهدى إلى بعض الناس اليوم هدية والله ما يقبلها، وإنما يقال: انتبه لا تذهب إليه هذا خرابة، وفيه جن -مثلًا- أو كذا -سبحان الله!- أليس هذا من الدلائل الواضحات؛ على أن هذه الدنيا لا تستحق أن نتنافس من أجلها، ولا أن نتدابر أو نتقاطع أو نتهاجر ونتحاسد من أجلها.

 

وإنما الواجب أن نعمر أوقاتنا ونستغل حياتنا في ذكر الله، وفي عبادته، وفي طاعته، وفي العمل بما يرضيه، ولا يعني ذلك أن نتركها، وألا نقتني البيت الحسن، أو المرأة الصالحة، أو المركب المهيأ، ما قال أحد بذلك لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن المشكلة هي الغفلة عن الآخرة بالكلية وأن نتعلق بهذه الدنيا، ورحم الله من قال:

والله لو كانت الدنيا بأجمعها       تُبقي علينا ويأتي رزقها رغـدا

ما كان من حق حرٍ أن يذل لها      فكيف وهي متاع يضمحل غدا

 

يقول: لو كانت الدنيا هذه باقية، وأننا مخلدون فيها ومتاعها يأتينا رغدًا، ونحن إن شئنا بقينا فيها، وإن شئنا قلنا يا رب نعمل صالحًا وتنقلنا إلى الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفكروا في هذه المعادلة لو قيل لك كذلك: أنت مخير بين هذه الدنيا فتدوم دوامًا أبديًا لا نهاية له ولا موت فيه، ونعيمها دائم وهو نعيم دنيوي، أو أن تعمل فيها وتجتهد لطاعة الله وتقول: يا رب انقلني إلى الجنة التي فيها هذا النعيم الذي ليس في الدنيا منه إلا الأسماء، ماذا يختار العاقل؟ العاقل يقول: لا أختار الدنيا على الآخرة، فهو متاع قليل زهيد لا يساوي شيئًا، بل أختار أن أجتهد، وأن أعبد الله وأقول: يا رب اجعلني من أهل الآخرة، وانقلني إليها حتى أنال هذا النعيم، فهذا لو كانت الدنيا دائمة، ونعيمها يأتي رغدًا، فكيف وهي مضمحلة زائلة، وتخرج منها مضطرًا من غير خيار؟!

 


 

المصدر:

محاضرة قيمة العمر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الغفلة
اقرأ أيضا
ستبقى أمريكا تعاني من التفرقة | مرابط
فكر

ستبقى أمريكا تعاني من التفرقة


ستبقى أميريكا تعاني من التفرقة بين البيض والسود ما دامت العقيدة التي يدرسها الأطفال في المدارس عقيدة داروينية تعارض شعارات المساواة المعلنة لديهم وما دام داروين يعظم على أنه مكتشف الحقيقة عن أصل الإنسان والكائنات مقال موجز للدكتور إياد قنيبي حول العنصرية في أمريكا

بقلم: د إياد قنيبي
2383
اللغة وتفكك العالم العربي | مرابط
اقتباسات وقطوف لسانيات

اللغة وتفكك العالم العربي


إن الحرب التي تتعرض لها اللغة العربية ومحاولات طمسها وتحويلها إلى العامية ما هي إلا أقنعة تخفي وراءها الكثير من الأهداف السياسية والاستعمارية والثقافية والفكرية سواء علم القائمون عليها ذلك أم جهلوه وهذا مقتطف من محمود شاكر في كتاب أباطيل وأسمار

بقلم: محمود شاكر
2143
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج3 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج3


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1443
شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها


يقول بعض المنكرين والرافضين للحجاب: إن الحجاب هو عدو حرية المرأة وانطلاقها لتعبر عن نفسها إنه يجعل المرأة كخيمة متنقلة ويأسر جمالها ويمنعه من أن يعبر عن حيوية هذا الإنسان المبدع والحقيقة أن هذه شبهة حادثة في عصرنا وإليكم الرد عليها والجواب الكافي المبين لما تنطوي عليه من أباطيل وأخطاء

بقلم: سامي عامري
901
تغير الفطرة من موانع فهم الشريعة | مرابط
اقتباسات وقطوف

تغير الفطرة من موانع فهم الشريعة


وإذا تغيرت الفطرة التي طبع عليها الإنسان فلن يفهم الأوامر الشرعية التي أمره الله بها حتى تعدل الفطرة عن انتكاستها لتستوعب كالإناء المقلوب لا بد من تعديله حتى يستوعب ما يوضع فيه لهذا شدد الله في أمر الفطرة وحذر من تغييرها لأنها تؤثر على استيعاب أوامره ونواهيه

بقلم: عبد العزيز الطريفي
606
مشاركة المرأة في الاحتفالات العامة | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

مشاركة المرأة في الاحتفالات العامة


لقد أخطأ المؤلف حينما استخدم مصطلحات معاصرة وأسقطها على أحداث السيرة فالاحتفالات مصطلح معاصر له مدلول يفهمه العامي والمتعلم بمجرد سماعه فتسمية أحداث السيرة بمثل هذه المصطلحات تحريف لها واستدلال في غير محله

بقلم: د عادل بن حسن الحمد
526