من الغافل؟

من الغافل؟ | مرابط

الكاتب: سفر الحوالي

476 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا أحد أحب إليه العذر من الله) ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب، وأقام الحجة على الخلق فلله الحجة البالغة على الخلق جميعًا، وإنما هي الغفلة.. وإنما هي الغباوة، كما جاء في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وكل شيء يذكر الله تبارك وتعالى) فالسماوات والأرض والجبال والطير والأنهار، وكل ما في الوجود يذكر الله وأعظمهم ذكرًا الملائكة، وما استثنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طائفتين لا تذكران الله تبارك وتعالى قال: (إلا المردة من الشياطين والأغبياء من بني آدم) فالمردة هم شياطين الجن، وهم شر محض لا إيمان ولا خير فيهم، وهؤلاء لا يذكرون الله تبارك وتعالى.

 

وكل يوم تطلع فيه الشمس عليك صدقة -كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكل يوم محسوب عليك، وأقرب مثال نراه نحن -الآن- في حياتنا هو هذا التقويم الذي يعلق في البيوت وفي المساجد، إذا أخذت كل يوم منه ورقة تفاجأ وإذا به قد انتهى وهكذا العمر كل يوم تأخذ منه ورقة، وإذا بالعمر فجأة ينتهي، فهذا فيه عبرة لمن اعتبر.

 

ومن العجب أن بني آدم أحرص شيء على هذه الدنيا، ولو تفكر ابن آدم لوجد أنه من أقل مخلوقات الله عمرًا، سبحان الله! فبعض الطيور يعيش 300 سنة أو 400 سنة، والأشجار تجد الشجرة عند البيت من عهد جدك ومن قبله ولا تزال موجودة، ويموت الابن وابن الابن والشجرة موجودة، أما الجبال والبحار فهي أكثر بكثير، ولكن الإنسان يظن أنه الوحيد المخلد الذي يمتلك هذه الدنيا، ولذلك لو تأمل العقلاء ما اختلفوا وما اقتتلوا، وما بغى بعضهم على بعض من أجل قطعة أرض، أو من أجل بئر، هذه الدنيا طوت قبلنا أممًا عظيمة وقرونًا طويلة، وسوف نطوينا بعد كذلك.

 

إن كل ما نرى في هذه الحياة الدنيا مما يتقاتل عليه الناس، ويبغي بعضهم على بعض بسببه، وما يشغلهم عن ذكر الله من أراضٍ أو دور أو عقار ما هو إلا عارية عندهم ينتقل من بعضهم إلى بعض، وكلما انتقل إلى شخص قال: هذا بيتي.. هذه أرضي.. هذا ملكي، ولو تأمل في حاله فسيرى أنه ما وجد إلا أيامًا قليلة بالنسبة لعمر هذه القصور التي كانت قبل ثلاثين أو أربعين سنة تعد أفخم وأعظم وأفخر القصور، والتي لو تهدى إلى بعض الناس اليوم هدية والله ما يقبلها، وإنما يقال: انتبه لا تذهب إليه هذا خرابة، وفيه جن -مثلًا- أو كذا -سبحان الله!- أليس هذا من الدلائل الواضحات؛ على أن هذه الدنيا لا تستحق أن نتنافس من أجلها، ولا أن نتدابر أو نتقاطع أو نتهاجر ونتحاسد من أجلها.

 

وإنما الواجب أن نعمر أوقاتنا ونستغل حياتنا في ذكر الله، وفي عبادته، وفي طاعته، وفي العمل بما يرضيه، ولا يعني ذلك أن نتركها، وألا نقتني البيت الحسن، أو المرأة الصالحة، أو المركب المهيأ، ما قال أحد بذلك لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن المشكلة هي الغفلة عن الآخرة بالكلية وأن نتعلق بهذه الدنيا، ورحم الله من قال:

والله لو كانت الدنيا بأجمعها       تُبقي علينا ويأتي رزقها رغـدا

ما كان من حق حرٍ أن يذل لها      فكيف وهي متاع يضمحل غدا

 

يقول: لو كانت الدنيا هذه باقية، وأننا مخلدون فيها ومتاعها يأتينا رغدًا، ونحن إن شئنا بقينا فيها، وإن شئنا قلنا يا رب نعمل صالحًا وتنقلنا إلى الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفكروا في هذه المعادلة لو قيل لك كذلك: أنت مخير بين هذه الدنيا فتدوم دوامًا أبديًا لا نهاية له ولا موت فيه، ونعيمها دائم وهو نعيم دنيوي، أو أن تعمل فيها وتجتهد لطاعة الله وتقول: يا رب انقلني إلى الجنة التي فيها هذا النعيم الذي ليس في الدنيا منه إلا الأسماء، ماذا يختار العاقل؟ العاقل يقول: لا أختار الدنيا على الآخرة، فهو متاع قليل زهيد لا يساوي شيئًا، بل أختار أن أجتهد، وأن أعبد الله وأقول: يا رب اجعلني من أهل الآخرة، وانقلني إليها حتى أنال هذا النعيم، فهذا لو كانت الدنيا دائمة، ونعيمها يأتي رغدًا، فكيف وهي مضمحلة زائلة، وتخرج منها مضطرًا من غير خيار؟!

 


 

المصدر:

محاضرة قيمة العمر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الغفلة
اقرأ أيضا
تعلق القلوب | مرابط
اقتباسات وقطوف

تعلق القلوب


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث فيه عن تعلق القلوب بغير الله وكيف يفضي هذا في النهاية إلى حالة من حالات الأسر تفوق أسر البدن فالقلب هو الملك وهو المتحكم في حال الإنسان بينما الجسد تابع فلو أسر الأخير والقلب مستريح لم يضر صاحبه شيئا

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2364
التوجه الأخلاقي في علم الحديث | مرابط
تعزيز اليقين

التوجه الأخلاقي في علم الحديث


لا يستطيع من يدرس علم الحديث ألا يلحظ بوضوح التوجه الأخلاقي في بنية هذا العلم ليس مرتكزا يدور حول الصفات الشخصية للمتعلم والدارس والباحث فقط كما هو العصر الحاضر أي متعلق بالأمانة والصدق ونحو ذلك إنما مرتكزا للنشاط العلمي أيضا..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
493
التقدمية والرجعية | مرابط
فكر مقالات

التقدمية والرجعية


وإذا كان في هذا العصر تقدم العلم وازدهار الحضارة فإن فيه الحروب المدمرة والقنابل المبيدة والتهتك والفساد وفي هذا العصر تركنا اليهود يسلبوننا قطعة من قلب بلادنا ويستأثرون بها دوننا ويشردون أبناءها حتى يتفرقوا فوق كل أرض وتحت كل نجم وقبل ألف سنة كان أسلافنا يركبون الإبل لا يعرفون السيارات ولا الطيارات ويعيشون على السرج ومصابيح الزيت ولكنهم كانوا سادة الدنيا وكانوا أعز الأمم

بقلم: علي الطنطاوي
1503
الشعور بالذنب في زمن الحداثة | مرابط
فكر

الشعور بالذنب في زمن الحداثة


التفسير الأول يرى أن الشعور الطبيعي العميق بالذنب ينجم ضمن عملية تفرد الإنسان في الحداثة وهذه العملية الضرورية للتطور والنمو تستوجب على الفرد أن يضع نفسه في مواجهة الطبيعة أو الكون وهذه الوضعية تشعر الفرد بالضعة الهائلة أمام الكون وتملؤه بإحساس الضآلة والصغر والهامشية وانعدام القيمة ومن ثم يتولد الشعور بالذنب.

بقلم: عبد الله الوهيبي
534
خصائص أدلة القرآن | مرابط
اقتباسات وقطوف

خصائص أدلة القرآن


كلام هام لابن القيم رحمه الله يشير فيه إلى خصائص أدلة القرآن الكريم مثل السهولة واليسر والمباشرة والقرب من فطرة الإنسان وعقله واعتماد أيسر الطرق وأقصرها وأقلها تكلفا وأكثرها نفعا ويمكننا أن نقارن بين هذه الصفات وبين الطرق المعوجة التي سلكها أهل الكلام في الاستدلال

بقلم: ابن قيم الجوزية
2016
عصر انتكاس الفطر | مرابط
النسوية الجندرية

عصر انتكاس الفطر


تخيل لو حقق قوم لوط تقدما تكنولوجيا كبيرا وحازوا العلوم الدنيوية كلها هل كان ذلك يشفع لهم عند الله؟ هل يمكن أن يوصفوا بأن حضارتهم أفضل وأكثر تقدما؟ قطعا لا! لن يمكنك أن تصفهم بهذا الوصف بعد أن غرقوا في ظلمات اللوطية وبعد أن انتكست فطرتهم وانقلبت رأسا على عقب فارتضوا اللواط..

بقلم: محمود خطاب
764