موقف شحرور من وجود الله

موقف شحرور من وجود الله | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

2530 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

"الإيمان بالله لا يمكن البرهنة عليه علميًّا"

يقول شحرور: الإيمان بالله عندي تسليم، وأنا مسلّم بوجود الله واليوم الآخر، وهذه مسلّمة، والمسلّمة هي أمر لا يمكن البرهان عليه علميًّا، كما لا يمكن دحضه علميًّا، ولهذا لا يجوز للملحد المنكر لوجود الله أن يقول: أنا ملحد لأن الإلحاد موقف علمي، ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي، وعندي أن الإلحاد أو الإيمان خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه. (1)

فيُقال: إن عنى بالبرهنة علميًّا بالتجربة المباشرة فهذا ما تفتقده كُتبه، فعليه يكون قد أقر على نفسه بأنها غير علمية، وأنه لا يملك دليلا ولا برهانا في سطر مما سطره في كتبه، وهذه معضلة الفكر الوضعي بشكل عام أن يرفض ما لا يقبل التجربة، ثم يكون نفس ضابطه فلسفيًا لا علميًا، فيعود على أصله بالإبطال.

وإن عنى بقوله "علميًا" ما هو أوسع من هذا بما يشمل حجج العقول فهذا الموقف الذي يقوله شحرور مجرد متابعة منه لإيمانويل كانط، إذ إن "كانط لما كان يرفع البحث في الله فوق القدرة العقلية ليسلم له اللاهوت من أي نقد سدّ على نفسه باب الاستدلال العقلي عليه من جهة أخرى، فالتزم كلامه إلى آخر نتائجه، وسلم بأن إثبات الله عن طريق العقل المحض مستحيل، فكانت طريقته له وعليه، فمن جهة قام بتقزيم دور العقل حتى لا يطال الإله بالنقد لكونه لا يمكن أن يقع عليه الحس، ومن جهة أخرى، فقد منع عن العقل المحض الاستدلال على إثبات الله"(2)

حجج المؤمن والملحد تتكافأ

ومعنى هذا أن حجج المؤمن والملحد تتكافأ، ولا يمكن معرفة الصحيح منها من الباطل، وبالتالي يضحي الموقف متساويا من حيث العلمية، سواء كان إيمانا أو إلحادًا. وما قاله كانط غير صحيح، فللعقل قدرة على معرفة الحق من الباطل، والأصل الذي انطلق منه كانط غير مسلّم، إذ إنه انطلق من أن الإله موضوع غير قابل للحس بتاتا، وليس هذا محل بيان زيف هذا الكلام، إلا أنه ورث هذا من اللاهوت الكنسي، وأقام فلسفته لينقذ اللاهوت من النقد، فامتنع عليه الاستدلال عليه، إلا أن هذا يُظهر أن شحرورًا يسلّم بالإيمان عاريًا عن أدلة، في موقف يقابل الإلحاد، فيتساويان وفي هذا، وانظر إلى قوله "ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي" (3)

فهل هذا يعني أن شحرورا يتحدث في موضوع غير علمي؟ يقول عما يكتبه في الدين "المنهج الذي اعتمدناه يُبنى على أسس علمية" (4) فمنهجه علمي ولكن إثبات وجود الله غير علمي، مع أن شحرورًا يتكلم في القرآن الذي هو فرع على إثبات وجود الله، فهل هذا الرجل يعني ما يخطّه؟

ويمتد الأمر معه ليقول "ويجب على المسلم أن يكون عنده ذرة شك في وجود الله، والملحد عنده ذرة شك في الإلحاد"(5)

الشك في ميزان الإسلام

فإن كان وجود الله عنده حقيقة، وأن له وجودًا موضوعيا خارج الذهن، وأنّ من نفاه كابر الحق فلم إذن يقول لمن اعتقد بهذه الحقيقة عليك الشك بها، وعلى من أنكرها وكابر أن يشك أيضًا؟ فهل يطالب معتقد الحقيقة بالشك فيها حتى يطالب منكرها بالشك بإنكاره؟ أم إن شحرورًا لا يعتقد أصلا أن وجود الله حقيقة، وأنه قد قامت عليها دلائل العقل، واستقرت في فطر الناس، ولذا يطالبهم بالشك في هذا؟ أليس من شروط الإيمان "اليقين المنافي للشك"(6)؟ فأين هو من قوله تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا"

فإن قيل: إن الشك خطوة في البحث عن الحقيقة، فيل له: فإن كنت تسلّم بأن وجود الله حقيقة فمن اعتقد بوجوده فقد وصل إلى المطلوب، فمتى كان الشك وسيلة إلى هذه الغاية، فهو قد وصل إلى الغاية فلم يهدم الغاية ليحقق الوسيلة، وهي ليست مطلوبة لذاتها؟

فإن "الشك والحيرة ليس محمودًا في نفسه باتفاق المسلمين، وغاية ما في الباب أن من لم يكن عنده علم بالنفي ولا الإثبات يسكت، فأما من علم الحق بدليله الموافق لبيان رسوله فليس للواقف الشاك الحائر أن ينكر على هذا العالم الجازم المستبصر المتبع للرسول العالم بالمنقول والمعقول" (7) فكيف يقال: على الإثنين أن يشكا؟

"الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي"

ويبرز هنا سؤال: إيمان شحرور دون دليل بالله كيف يجعله يتصور وجود الله؟ وهو القائل "الله في ذاته كينونة فقط، أي أنه وجود قائم بذاته" (8)

يوضح شحرور نظرته إلى الوجود الإلهي بشكل صريح، فيقول "الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي" (9)

فالوجود الموضوعي خارج الذهن هو الوجود الإلهي عنده، وهذا يعني أن كل الوجود خارج الذهن هو الله! فالله ليس موجودًا وجودًا موضوعيًا خارج الذهن، بل ما هو موجود خارج الذهن عنده هو الوجود الإلهي!

وعلى هذا، فالقاذورات والنجاسات والشياطين والكفار وكل ما في الوجود حقه وباطله، هو الوجود الإلهي عند شحرور، وهذا يفوق كلام النصارى، بل إنهم ينكرون على قائله، فيسألون إنكارًا: هل يُحصى الصانع مع مصنوعاته؟ وكيف يبدو وكأنه أحد المصنوعات التي صنعها هو نفسه؟ (10)

وهذا ليس إلزاما له حتى يقول: لا ألتزمه ولازم المذهب ليس بمذهب، بل يوضحه موقفه من كلام الله.


الإشارات المرجعية:

  1. الإسلام الأصل والصورة، محمد شحرور، طوى للنشر والثقافة والإعلام، ص5
  2. موقف ابن تيمية من المعرفة القبلية وشيء من آثاره الفلسفية، يوسف سمرين، ص18
  3. الإسلام الأصل والصورة، ص5
  4. الإسلام والإنسان من نتائج القراءة المعاصرة، محمد شحرور، ص205
  5. دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، ص60
  6. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، ص91
  7. القاعدة المراكشية، ابن تيمية، تحقيق ناصر بن سعد الرشيد-رضا بن نعسان معطي، ص55
  8. نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص37
  9. الكتاب والقرآن، ص72
  10. شرح الإيمان المسيحي، 31/1

المصدر:
يوسف سمرين، بؤس التلفيق: نقد الأسس التي قام عليها طرح محمد شحرور، ص41

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-شحرور #وجود-الله
اقرأ أيضا
من أخلاق الكبار: زين العابدين | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: زين العابدين


إن جاءك إنسان وشتمك وكنت في مجلس مناسبة أو في صالة أفراح فتسلط عليك إنسان وأسمعك قبيح القول فما موقفك من هذا الإنسان إن كنت من أصحاب النفوس الكبيرة فستتجاوز النفس ولهذا كان بعضهم يقول لمن يشتمه ويبالغ في شتمه: يا هذا لا تفرط في شتمنا وأبق للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

بقلم: خالد السبت
284
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثاني ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثاني ج2


ما حال أمتنا في العلوم الحياتية ما حال أمتنا في علوم الطب والهندسة لا شك أن أمتنا تعاني حالة من التردي في العلوم الحياتية وليس هذا كلاما عاطفيا إنما هناك ظواهر ومشاهدات واستقراءات نريد أن نتحدث عنها اليوم فأي مشكلة لها حل وأول وسائل الحل أن تعرف الواقع ليست هذه دعوة للإحباط ولا دعوة للتشاؤم فعندما يأتي إلينا مريض يعالج من مرض كذا أو كذا لابد أن تعرف واقع المريض: هل عنده أمراض أخرى عمره كم سنة ما هي ظروفه هل عمل عمليات قبل ذلك أم لا أخذ أدوية أو لم يأخذ

بقلم: د راغب السرجاني
656
هل كان أبو هريرة يدلس | مرابط
أباطيل وشبهات

هل كان أبو هريرة يدلس


تعرض الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه لكثير من الطعن وافترى عليه المشككون والجاهلون ووجهوا سهام النقد إليه ولم يكن ذلك لشيء إلا لأنه من أكثر الصحابة رواية للحديث فقد عرف هذا الصحابي بكثرة مروياته ومن هنا أصبح هدفا لكثير من المستشرقين والعلمانيين ومنكري السنة وبين يدينا شبهة ينقلها أحد الرافضة ويقول فيها أن أبا هريرة كان يدلس والمقال فيه رد ومناقشة لهذه الشبهة ولما استدل به هذا المشكك

بقلم: أبو عمر الباحث
1651
مشكلة إطلاق البصر | مرابط
مقالات

مشكلة إطلاق البصر


كم من امرأة أطلقت نظرها وقلبها وخيالها على رجال فأفسدت حياتها مع زوجها وإن لم تكن متزوجة فهو ضرر عظيم أيضا حيث يشغل تفكيرها بما لا ينفع ويشتت عقلها وربما أدخلها في مشاهدة الحرام ويجعلها تطلب صورة مثالية متخيلة لزوج المستقبل تفسد عليها اختيارها لمن يتقدم لها وهذا حصل كثيرا

بقلم: حسين عبد الرازق
227
ما الحداثة | مرابط
فكر

ما الحداثة


نحن الآن أمام مصطلح موهم غاية الإيهام فبينما نحسب أنه يحمل معنى أصيلا وفكرا ذاتيا إذا به عند التحقيق نجده فكرا مستعارا مستوردا ليس لدعاته في بلادنا إلا النقل من لغته إلى العربية وبينما نحسبه قضية ذات شأن عظيم إذا به فكر شائه وغثاء فارغ بل وخطر داهم الحداثة يحيط بمعناها غشاء كثيف يحجب الرؤية ويشتت الذهن فإذا ما بدا من معناه شيء شعر المرء بالغثيان والصدود وهكذا الباطل ظلمات بعضها فوق بعض بينما الحق نور يتلألأ

بقلم: د أحمد محمد زايد
1340
آثار العالمانية في الغرب: موت العالم والنفع المادي | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: موت العالم والنفع المادي


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
2466