وضوح عقيدة الإسلام في الخالق

وضوح عقيدة الإسلام في الخالق | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

1236 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

لا يوجد تراث لأمة من الأمم المتدينة فيه تعظيم للإله الخالق سبحانه وتنزيه له عن النقائص وعما لا ينبغي أن يكون عليه، كما يوجد في القرآن الكريم وفيما صح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الأحاديث.

ولذلك فإن الإسلام قد تميز على سائر الديانات بوضوح العقيدة في (الإله) من جهة الكمالات المتعلقة به، ولذا فإن العقل لا يجد تكلفا في قبول الاعتقاد الإسلامي في الله سبحانه، بخلاف الخرافات والأساطير الموجودة في تصورات كثير من البشر تجاه الإله، وهذه القضية من أظهر القضايا في دين الإسلام، والاستدلال عليها لا يحتاج إلى كبير عناء، فالقرآن من أوله إلى آخره تمجيد وتعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى، والسورة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم سورة في القرآن هي السورة التي تبدأ بحمد الله والاعتراف بأنه رب العالمين، وأنه مالك يوم الدين، وتبين العلاقة بين المخلوق وبين الخالق بالتعظيم الذي ينبغي للخالق، بأنه لا يعبد إلا هو، ولا يستعان إلا به، فهذه أعظم سورة.

وكذلك أعظم آية في القرآن، كلها متعلقة بالإله من أولها إلى آخرها، وهي آية الكرسي، ولا يوجد عند أمة من الأمم المتدينة تعظيم للإله بمثل ما في آية الكرسي.. ثم إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن في القرآن سورة

تعدل ثلث القرآن، وهي سورة الإخلاص، وإذا تأملت فيها وجدت أن جميع السورة إنما هي تعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى. بينما إذا نظرت فيما جاء عن الخالق في سائر الأديان فلن تحتاج إلى كبير جهد لتدرك الفارق بين الإسلام وبين غيره، بل إن المقارنة بين الإسلام وغيره في هذا الباب ظالمة.

فإذا كانت اليهودية والنصرانية –التي هي أحظى الديانات بتراث الأنبياء بعد الإسلام- قد وصفت الإله ونسبت إليه ما لا يليق به فالنقص في غيرها أولى وأحرى.

ففي تراث اليهود إخبار عن الله بندمه على بعض الأفعال، وبصراعه مع يعقوب عليه السلام –تعالى الله- وبعجزه عن معرفة مكان آدم عليه السلام بعد أن أكل من الشجرة ثم اختبأ.

وبالنسبة للنصارى فإن غموض فكرة الإله والتكلف الموجود فيها يحتاج إلى عناء شديد ليدرك ويتصور، فضلا عن تأليههم المسيح عليه السلام مع اعترافهم بأنه نشأ في رحم أمه عليها السلام وادعائهم أنه صلب، ومهما كانت المبررات؛ فكيف يليق بالإله العظيم أن يصلب على عمود ويستنجد بأصحابه كما يقولون!

وفي الديانات غير الإبراهيمية: إذا نظرت مثلا إلى البوذية والهندوسية والزرادشتية والكونفوشيوسية وغيرها من الديانات، ستجد البون الشاسع الهائل بين التصور الإسلامي النظيف المعظم للإله وبين تصورات الوثنية في تعدد الآلهة أو الغموض في فكرة الإله.
وكما قال محمد مزروعة: “إذا أردت أن تعرف صلاحية الدين عند قوم فانظر أولا إلى عقيدتهم في الله”(1).

ومن جمال وكمال وعظمة التصور الإسلامي عن الله سبحانه وتعالى أنه لا يقتصر على مجرد الوصف الكامل، بل هذا الوصف يقتضي التعبد والخضوع والذل لله سبحانه وتعالى. وفي ذلك يقول فريد الأنصاري رحمه الله: “فالربوبية إذن -لمن عرفها حقا وصدقا- جالبة للمحبة؛ لأنه إذا كانت الإلهية -وهي عقيدة المحبة وما تفرع عنها خوفا ورجاء كما أصلنا- مبنية على الربوبية فمعنى ذلك أن الربوبية ذات خواص تجلب إليها القلوب فتألهها!”(2).

إذن فهذا الاعتقاد الإسلامي العظيم في الله سبحانه وتعالى -على وضوحه وجلاله وجماله- فإنه يزداد جمالا على ذلك باقتضائه التعبد لهذا الإله سبحانه وتعالى.
ومن المعلوم عند علماء الاعتقاد الإسلامي أن من أهم الأدلة القرآنية في الرد على المشركين الاستدلال بتوحيد الربوبية وبصفات الله سبحانه وتعالى وكماله على توحيد الإلهية واستحقاق الله له.

ونتيجة لما سبق من جمال هذه العقيدة الإسلامية فإن هذا الأمر ولد عند المسلمين ارتياحا كبيرا في تصورهم عن الله سبحانه وتعالى، فهم لا يواجهون التحديات في أصل اعتقادهم، ولذلك أيضا نجد أن مثيري الشبهات والإشكالات في الغالب يوجهون سهامهم إلى أحكام عملية فرعية في الشريعة الإسلامية، ولا يتوجهون إلى أصل تصور المسلمين واعتقادهم في الله تعالى؛ لأنه تصور لا مدخل للطعن ولا للتشكيك فيه، وهو تصور موافق للعقل ولمقتضيات الفطرة والنفس الإنسانية، وإذا اتضحت العقيدة في الله سبحانه وتعالى فإن ما وراء ذلك من أمور الاعتقاد سهل واضح بين يسير، بخلاف ما لو كان الأصل غير واضح، فإن تفاصيل الاعتقاد الأخرى سيكون فيها إشكال.

فمثلا الإيمان بالمعجزات هو فرع عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى القدير العليم الحكيم مسبب الأسباب وخالق الكون وقوانين الكون، وكذلك الإيمان بأصل النبوة هو فرع عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى الكامل العظيم العليم الحكيم.

 فالإيمان بالله أصل الأصول، وهو على عظمته وخطورته ومركزيته فإن بيانه في الإسلام واضح قريب سهل جميل، والحمد لله الذي هدانا لهذا.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. الدين وحاجة الإنسان إليه ، محمد مزروعة (345).
  2. جمالية الدين، معارج القلب إلى حياة الروح، لفريد الأنصاري (45).

 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص31

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
كم من نعمة لله في عرق ساكن | مرابط
مقالات

كم من نعمة لله في عرق ساكن


كان من دعاء أحد الأعراب: الحمد لله على نوم الليل وهدوء العروق وسكون الجوارح وكف الأذى والغنى عن الناس. ألا ما أعمق هذا الدعاء على وجازته! فنعمة هدوء العروق وسكون الجوارح من الأملاك الخفية التي لا تعرف قيمتها إلا حين فقدها ومن جميل حكم أبي الدرداء قوله: كم من نعمة لله في عرق ساكن

بقلم: طلال الحسان
303
آراء المذاهب الفقهية في اختلاط الرجال بالنساء | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك المرأة

آراء المذاهب الفقهية في اختلاط الرجال بالنساء


اهتمت المذاهب الفقهية بشكل بالغ بمسألة الاختلاط بين الرجال والنساء ويبدو أن معالجة الموضوع تكررت وترددت في مختلف الكتب المعتمدة في المذاهب وبين يديكم نضع بعض النقولات من المذاهب الفقهية فيما يخص موضوع الاختلاط ونعرضه في شكل إنفوجراف تيسيرا على القراء

بقلم: إبراهيم السكران
1420
نصيحة للنساء | مرابط
المرأة

نصيحة للنساء


الله سبحانه وتعالى كرم المرأة ودلها إلى الصراط المستقيم وجعل لها قدوات صالحات بين لها أحكام البيت وأحكام الشريعة وبين لها مكائد النفوس ومكائد أهل الأهواء والشبهات والشهوات في إضلالها وأعظم مكيدة في زماننا تراد في المجتمعات هي المكيدة بالمرأة المكيدة الموجه إليها وذلك لعقيدتها وعفافها وفطرتها وحجابها وسترها كل هذه الأشياء المتنوعة تغزى بها المرأة لتنحرف عن طريقها ومنهجها

بقلم: عبد العزيز الطريفي
355
أصول أربعة عند الصحابة | مرابط
فكر

أصول أربعة عند الصحابة


وهذه الأربعة هي أخص ما ينبغي أن يحيا في شباب أمة الإسلام فأكثرهم غرته الحياة الدنيا وألهته وشغلته عن طلب العلم بدينه والاستقامة عليه وإرادة الله والدار الآخرة. وكثير منهم لا يطلب الهدى في دينه وعمله من القرآن والسنة أصلا وإذا بلغه حكم عنهما اعترض وجادل فيه وألقى الشبهات والإشكالات عليه فلا يسلم له ولا يحكمه على نفسه.

بقلم: حسين عبد الرازق
486
كيف استفاد أصحاب رؤوس الأموال من الموجة النسوية | مرابط
فكر تفريغات النسوية

كيف استفاد أصحاب رؤوس الأموال من الموجة النسوية


عمل المرأة لتثبت نفسها وتحقق استقلالها يعني تحصيل ضرائب عن نصف المجتمع الذي كان يعمل في البيوت عملا لا ضرائب عليه وستشكل عمالة أرخص من الرجال ولا زال التفريق في الأجور والترقيات قائما حتى اليوم ثم هذه المرأة التي ستخرج للأجواء المختلطة أصبحت تصرف مالها على التجميليات والمباهاة المادية وهذا بدوره يصب في صالح المادية الرأسمالية

بقلم: د إياد قنيبي
724
أحد عشر سؤالا عن العشر الأواخر وليلة القدر | مرابط
فكر

أحد عشر سؤالا عن العشر الأواخر وليلة القدر


ماذا غير استجابة الدعاء؟ هذه ليلة عظيمة لها فضائل عظيمة وكل كلمة من الطاعة وكل فعل فيها له أجر عظيم مضاعف لا يخطر ببالك. قراءة القرآن والصلاة والصدقة وذكر الله بالثناء عليه والطلب منه بالدعاء والتذلل له والإلحاح عليه وإظهار الفقر والحاجة لله تبارك وتعالى.

بقلم: خالد بهاء الدين
782