وضوح عقيدة الإسلام في الخالق

وضوح عقيدة الإسلام في الخالق | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

1159 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

لا يوجد تراث لأمة من الأمم المتدينة فيه تعظيم للإله الخالق سبحانه وتنزيه له عن النقائص وعما لا ينبغي أن يكون عليه، كما يوجد في القرآن الكريم وفيما صح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الأحاديث.

ولذلك فإن الإسلام قد تميز على سائر الديانات بوضوح العقيدة في (الإله) من جهة الكمالات المتعلقة به، ولذا فإن العقل لا يجد تكلفا في قبول الاعتقاد الإسلامي في الله سبحانه، بخلاف الخرافات والأساطير الموجودة في تصورات كثير من البشر تجاه الإله، وهذه القضية من أظهر القضايا في دين الإسلام، والاستدلال عليها لا يحتاج إلى كبير عناء، فالقرآن من أوله إلى آخره تمجيد وتعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى، والسورة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم سورة في القرآن هي السورة التي تبدأ بحمد الله والاعتراف بأنه رب العالمين، وأنه مالك يوم الدين، وتبين العلاقة بين المخلوق وبين الخالق بالتعظيم الذي ينبغي للخالق، بأنه لا يعبد إلا هو، ولا يستعان إلا به، فهذه أعظم سورة.

وكذلك أعظم آية في القرآن، كلها متعلقة بالإله من أولها إلى آخرها، وهي آية الكرسي، ولا يوجد عند أمة من الأمم المتدينة تعظيم للإله بمثل ما في آية الكرسي.. ثم إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن في القرآن سورة

تعدل ثلث القرآن، وهي سورة الإخلاص، وإذا تأملت فيها وجدت أن جميع السورة إنما هي تعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى. بينما إذا نظرت فيما جاء عن الخالق في سائر الأديان فلن تحتاج إلى كبير جهد لتدرك الفارق بين الإسلام وبين غيره، بل إن المقارنة بين الإسلام وغيره في هذا الباب ظالمة.

فإذا كانت اليهودية والنصرانية –التي هي أحظى الديانات بتراث الأنبياء بعد الإسلام- قد وصفت الإله ونسبت إليه ما لا يليق به فالنقص في غيرها أولى وأحرى.

ففي تراث اليهود إخبار عن الله بندمه على بعض الأفعال، وبصراعه مع يعقوب عليه السلام –تعالى الله- وبعجزه عن معرفة مكان آدم عليه السلام بعد أن أكل من الشجرة ثم اختبأ.

وبالنسبة للنصارى فإن غموض فكرة الإله والتكلف الموجود فيها يحتاج إلى عناء شديد ليدرك ويتصور، فضلا عن تأليههم المسيح عليه السلام مع اعترافهم بأنه نشأ في رحم أمه عليها السلام وادعائهم أنه صلب، ومهما كانت المبررات؛ فكيف يليق بالإله العظيم أن يصلب على عمود ويستنجد بأصحابه كما يقولون!

وفي الديانات غير الإبراهيمية: إذا نظرت مثلا إلى البوذية والهندوسية والزرادشتية والكونفوشيوسية وغيرها من الديانات، ستجد البون الشاسع الهائل بين التصور الإسلامي النظيف المعظم للإله وبين تصورات الوثنية في تعدد الآلهة أو الغموض في فكرة الإله.
وكما قال محمد مزروعة: “إذا أردت أن تعرف صلاحية الدين عند قوم فانظر أولا إلى عقيدتهم في الله”(1).

ومن جمال وكمال وعظمة التصور الإسلامي عن الله سبحانه وتعالى أنه لا يقتصر على مجرد الوصف الكامل، بل هذا الوصف يقتضي التعبد والخضوع والذل لله سبحانه وتعالى. وفي ذلك يقول فريد الأنصاري رحمه الله: “فالربوبية إذن -لمن عرفها حقا وصدقا- جالبة للمحبة؛ لأنه إذا كانت الإلهية -وهي عقيدة المحبة وما تفرع عنها خوفا ورجاء كما أصلنا- مبنية على الربوبية فمعنى ذلك أن الربوبية ذات خواص تجلب إليها القلوب فتألهها!”(2).

إذن فهذا الاعتقاد الإسلامي العظيم في الله سبحانه وتعالى -على وضوحه وجلاله وجماله- فإنه يزداد جمالا على ذلك باقتضائه التعبد لهذا الإله سبحانه وتعالى.
ومن المعلوم عند علماء الاعتقاد الإسلامي أن من أهم الأدلة القرآنية في الرد على المشركين الاستدلال بتوحيد الربوبية وبصفات الله سبحانه وتعالى وكماله على توحيد الإلهية واستحقاق الله له.

ونتيجة لما سبق من جمال هذه العقيدة الإسلامية فإن هذا الأمر ولد عند المسلمين ارتياحا كبيرا في تصورهم عن الله سبحانه وتعالى، فهم لا يواجهون التحديات في أصل اعتقادهم، ولذلك أيضا نجد أن مثيري الشبهات والإشكالات في الغالب يوجهون سهامهم إلى أحكام عملية فرعية في الشريعة الإسلامية، ولا يتوجهون إلى أصل تصور المسلمين واعتقادهم في الله تعالى؛ لأنه تصور لا مدخل للطعن ولا للتشكيك فيه، وهو تصور موافق للعقل ولمقتضيات الفطرة والنفس الإنسانية، وإذا اتضحت العقيدة في الله سبحانه وتعالى فإن ما وراء ذلك من أمور الاعتقاد سهل واضح بين يسير، بخلاف ما لو كان الأصل غير واضح، فإن تفاصيل الاعتقاد الأخرى سيكون فيها إشكال.

فمثلا الإيمان بالمعجزات هو فرع عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى القدير العليم الحكيم مسبب الأسباب وخالق الكون وقوانين الكون، وكذلك الإيمان بأصل النبوة هو فرع عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى الكامل العظيم العليم الحكيم.

 فالإيمان بالله أصل الأصول، وهو على عظمته وخطورته ومركزيته فإن بيانه في الإسلام واضح قريب سهل جميل، والحمد لله الذي هدانا لهذا.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. الدين وحاجة الإنسان إليه ، محمد مزروعة (345).
  2. جمالية الدين، معارج القلب إلى حياة الروح، لفريد الأنصاري (45).

 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص31

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول


إن القرآن روح الإسلام ومادته وفي آياته المحكمة شرع دستوره وبسطت دعوته وقد تكفل الله بحفظه فصينت به حقيقة الدين وكتب لها الخلود أبد الآبدين والرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالاته كان قرآنا حيا يسعى بين الناس كان مثالا لما صوره القرآن من إيمان وإخبات وسعي وجهاد وحق وقوة وفقه وبيان فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه ونواحي حياته كلها تعد ركنا في الدين وشريعة للمؤمنين إن الله اختاره ليتحدث باسمه ويبلغ عنه فمن أولى منه بفهم مراد الله فيما قال ومن أولى منه بتحديد المسلك الذي...

بقلم: محمد الغزالي
1496
الموقف من العلوم العقلية | مرابط
فكر مقالات

الموقف من العلوم العقلية


إن الموقف الشرعي من تلك العلوم العقلية -وخاصة علم الفلسفة والكلام- هو الذم والقبيح والتحريم لأنها علوم متضمنة لمناقضة الشريعة أو مخالفة في كثير من موادها إما في الأدلة أو في المسائل. ولأجل هذا فإنه لا يجوز شرعا أن يحكم عليها بمدح مطلق ولا بدعوة مطلقة لدراستها ولا تنشر الكتب المؤلفة فيها ولا تروج موادها بمسالك مطلقة وإنما يوصى بها في حالات مخصوصة تغلب فيها جانب المصلحة على جانب المفسدة

بقلم: د. سلطان العميري
217
عن الخطرات | مرابط
مقالات

عن الخطرات


وأما الخطرات: فشأنها أصعب فإنها مبدأ الخير والشر ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة

بقلم: ابن القيم
385
المرأة المسلمة ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة ج2


كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على رغم صغر سنها يوم دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وهى بنت تسع سنين كما في الصحيح وتوفى عنها وعمرها 18 سنة ومع ذلك فقد كانت أنموذجا للحفظ والضبط والعلم حتى إنها حفظت للأمة خيرا كثيرا وقال أبو موسى -رضي الله عنه وأرضاه-: ما سألنا عائشة رضي الله عنها عن شيء إلا وجدنا عندها منه علما فهي معلمة الرجال

بقلم: سلمان العودة
531
العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة ج2 | مرابط
تفريغات

العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة ج2


قبيل البعثة النبوية المحمدية لم يبق في فجاج الأرض من نور الوحي إلا شموع قاتمة وباهتة لا يكاد الناس يعرفون في ضوئها معالم الطريق ولا تصلح لهدايتهم إلى الحق الخالص من الشوائب وكان العالم كله كذلك ولا سيما الجزيرة العربية التي انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان وكانت العرب تعبدها لتقربهم إلى الله زلفى فجاء رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنور المبين والصراط المستقيم والحق الأبلج وفتح الله به العيون العمياء والآذان الصماء وأنار به القلوب وأظهر الله به الحق

بقلم: عمر الأشقر
837
شبهة: هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها | مرابط
أباطيل وشبهات الإلحاد

شبهة: هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها


من الشبهات السخيفة التي يروجها بعض الملاحدة يقولون: هل يستطيع الله أن يخلق صخرة ضخمة لا يستطيع حملها والهدف من السؤال هو الإيقاع بالمسلم بين شقي الرحى فإن قال نعم يستطيع كان ذلك من نواقض كمال الله تعالى وإن قال لا يستطيع كان ذلك من النواقض أيضا ولكن الإجابة السليمة على هذا السؤال سنعرفها في المقال لنقف على الإشكاليات والأخطاء الموجودة في السؤال نفسه وما الرد عليها

بقلم: مجموعة كتاب
4358