أعمال الاستعمار

أعمال الاستعمار | مرابط

الكاتب: منقذ السقار

504 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وخلال تاريخ الحركة الاستعمارية الغربية للعالم الإسلامي وبقية المستعمرات أظهر المستعمر الغربي صورًا قاتمة كالحة ملؤها الظلم والقهر والاستغلال.فعلى الصعيد الإنساني ارتكب المستعمرون مجازر بحق الشعوب التي قامت تدافع عن دينها وخيراتها، فقد بلغت أعداد قتلى المسلمين في الهند حتى عام 1880م مليون مسلم سقطوا على يد الإنجليز، ومثله كانت الجزائر بلد المليون شهيد.

وكان البرتغاليون قد أحدثوا مجازر عند سيطرتهم على الشواطئ الهندية، ويسجل القائد البرتغالي البوكيرك بفخر بعضًا منه وهو يخاطب ملك البرتغال مهنئًا إياه بالسيطرة على مقاطعة جوا الهندية فيقول: " وبعد ذلك أحرقت المدينة، وأعملت السيف في كل الرقاب، وأخذت دماء الناس تراق أيامًا عدة.... وحيثما وجدنا المسلمين لم نوقر معهم نفسًا، فكنا نملأ بهم مساجدهم، ونشعل فيها النار، حتى أحصينا ستة آلاف روح هلكت، وقد كان ذلك يا سيدي عملًا عظيمًا رائعًا أجدنا بدايته وأحسنا نهايته ". وفي مدغشقر قتلت القوات الفرنسية ثمانين ألف في ضربة واحدة للثائرين من سكان الجزيرة، فيما أعمل الإنجليز القتل في قبائل ماو ماو الأفريقية، ثم ادعوا أن وحوشًا مفترسة ظهرت في المنطقة وتخطفت الآلاف إلى مصارعهم.

 

نموذج الجزائر

وفي الجزائر يقول الجنرال الفرنسي شان: " إن رجاله وجدوا التسلية في جز رقاب المواطنين من رجال القبائل الثائرة في بلدتي الحواش وبورقيبه ". ويخط الماريشال سانت أرنو إلى زوجته بعض ما صنعه وجنوده في الجزائر فيقول: " إن بلاد بني منصر بديعة، وهي من أجمل ما رأيت في أفريقيا، فقُراها متقاربة، وأهلها متحابون، لقد أحرقنا فيها كل شيء، ودمرنا كل شيء... أكتب إليك يحيط بي أفق من النيران والدخان، لقد تركتني عند قبيلة البزار فأحرقتهم جميعًا، ونشرت حولهم الخراب، وأنا الآن عند السنجاد أعيد فيهم الشيء نفسه ولكن على نطاق أوسع ".

ويقول مونتياك في كتابه " رسائل جندي " وهو يصف إحدى المذابح التي حضرها: "لقد كانت مذبحة شنيعة حقًا، كانت المساكن والخيام في الميادين والشوارع والأفنية التي انتشرت عليها الجثث في كل مكان، وقد أحصينا في جو هادئ بعد الاستيلاء على المدينة عدد القتلى من النساء والأطفال فألفيناهم ألفين وثلاثمائة، وأما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب هو أننا لم نترك جرحاهم على قيد الحياة ".

وقد بلغ عدد القتلى في مدينة سطيف في مايو 1945م ما يقرب الأربعين ألفًا. ويشنع الكونت هيريسيون على هذه القبائح التي لا مبرر لها فيقول: " فظائع لا مثيل لها، أوامر الشنق تصدر من نفوس كالصخر يقوم بتنفيذها جلادون قلوبهم كالحجر... في أناس مساكين جُلُّ ذنبهم أنهم لايستطيعون إرشادنا إلى ما نطلب إليهم أن يرشدونا إليه ". وقد تفنن المستعمرون في طرق إبادة هذه الشعوب، ومما أبدعوه في هذا الباب طريقة يسمونها "جهنم" حيث يتبع الجنود الهاربين من النساء والأطفال والرجال إلى الكهوف فيشعلون عند باب الكهف نارًا عظيمة، فيموت من بداخله حرقًا أو خنقًا ". (1)

 

جنوب إفريقيا

وفي جنوب أفريقيا سيطر الاستعمار ففرض القوانين الجائرة والضرائب، ومنح البيض في عام 1913م 88% من أراضي جنوب أفريقيا وفرض على السود دون البيض مصروفات الدراسة، وأمر بأن يدفع كل أسود بين سنة 12 - 65 سنة ضريبة عن نفسه وأخرى عن كوخه. وقد أضر المستعمرون بمصالح المزارعين حين أمروهم بزراعة بعض المحاصيل دون بعض، ثم شروها منهم بأبخس الأثمان. ففي عام 1951م باع فلاحو الجزائر قنطار الزيتون بـ 2000 فرنك في حين كانوا يبيعونه قبل دخول فرنسا بـ 5000 فرنك فرنسي.

وأجبر الفرنسيون السكان في أفريقيا الاستوائية على زراعة القطن عام 1955م، ثم باعوه لأربع شركات استعمارية بما ثمنه 72 - 60 فرنكًا للكيلو، فيما باعه المستعمرون بسعر 245 - 285 فرنكًا في مرفأ التصدير. وقد كان كيلو القطن المستورد في فرنسا يماثل - في مراكش - أربعة مرات كيلو القطن المصدر، وذلك في عام 1938م، ثم ارتفع إلى ست مرات في عام 1949م ومثله يقال في القطن التونسي. وفي نيجيريا يباع الخشب أكثر من سعره بـ 30 - 40 %، وباعت بلجيكا كيلو زيت النخل في مستعمراتها بـ 110 فرنكًا بدلًا من 75 فرنكا. (2)

 

حال البلاد المستعمرة

وتعترف إحدى مجلات الاستعمار بهذا الاستغلال فتقول: " المستهلكون في البلاد المستعمرة كانوا يتلقون عام 1953م ما يبلغ 80% من مستورداتهم بأسعار أكثر أرتفاعًا بـ 20 - 50% وأحيانًا أكثر أيضًا من الأسعار التي كانوا يحصلون عليها لو أتيح لهم أن يستوردوا بضائهم من بلد آخر غير فرنسا. (3) وفي مظهر آخر للاستعمار وظف المستعمر أبناء جلدته في مؤسسات الدول المستعمرَة، وأبعد أهل البلاد الأصليين، ومن ذلك أن فرنسا وظفت في الجزائر في الدوائر العقارية 200 موظف منهم ثمانية فقط من الجزائريين، فيما لم يبلغ عدد المغاربة في وزارة الشئون الإجتماعية في المغرب سوى أربعة من الحُجَّاب فيما قارب الفرنسيون المائتين والخمسين. (4) وأجبر السكان الأصليون تحت مظلة المستعمر على العمل بأبخس الأجور، ففي حين كانت الأسعار في الجزائر مقاربة للأسعار في فرنسا كان العامل الجزائري يحصل على 40 - 70 فرنكًا لقاء عمله اليومي، في حين أن العامل الفرنسي يحصل على أكثر من ضعف المبلغ في فرنسا، وقد كان سعر كيلو الخبز يومذاك في الجزائر 48 فرنكًا وكيلو السكر 94، واللبن 25 فرنكًا فيما كان اللحم الردئ يباع الكيلو منه بـ 400 - 500 فرنك فرنسي.

وكتب النائب الأسقفي في داكار عاصمة السنغال يشكو الظلم الذي يقع على العمال الذين يسميهم بالمؤقتين والذين يحصلون على أجر شهري يتراوح بين 800 - 1200 فرنكًا في حين أن أحقر كوخ كان يؤجر بـ 3500 فرنك شهريًا إضافة إلى ما يدفعه من ضرائب تصل إلى 1800 فرنك سنويًا.(5) وقد كان العمال في صفاقص من عمال شركة الفوسفات الفرنسية يسكنون بمعدل 10 عمال في كل كوخ، فيما تحدثت الصحف الفرنسية عن مدينة التنك (مراكش) حيث يسكن 200000 من العمال وعوائلهم في بيوت أو أكواخ من التنك أو الخشب الذي يلتقطونه من مخلفات الشحن، وقد تحدثت إحدى الصحف الفرنسية عن القسوة البالغة التي يعيشها العمال المغاربة وعائلاتهم في هذه البيوت من غير توفر أي إجراءات تضمن صحتهم وسلامتهم. (6) ونتيجة لضعف رواتب العمال في مراكش وانتشار الفقر بأبشع صوره كتب أحد أطباء وادي الداد في جنوب مراكش: " إن الأطفال في هذه البلاد يأكلون التراب. لماذا؟ أذلك من الفقر أو الجوع أم أنها عادة مجهولة المنشأ؟ لا أستطيع أن أقول شيئًا، ولكن هذا الواقع ماثل هنا. إن الأطفال يأكلون التراب ويصابون بالأمراض الخطيرة: فقر الدم وتضخم الطحال.... ". (7)

وقد اقتصر غذاء الأسرة المراكشية في الغالب على عدة أقراص من الشوفان، فيما ذكرت إحصائيات فرنسية في عام 1945م أنه " من أصل المليون والثلاثمائة عائلة جزائرية تعيش من الزراعة وتربية المواشي ثمة 800 ألف إلى مليون يجب أن تعتبر عائلات محتاجة ومعوزة ". (8) وأما المشاريع التي أقامها الاستعمار في البلاد المستعمرة فإنما أقامها لحماية مصالحه " فالجهود المبذولة لكهربة المراكز الثانوية والريفية يجب أن يكون مفهومًا أن التجهيزات المنتظرة إنما يجب أن تقتصر فقط على المشروعات ذات الدخل المضمون.

 

برنامج النقليات

أما برنامج النقليات فعليه أن يقتصر في الدرجة الأولى على إنشاء وسائل النقل وطرق المواصلات المرتبطة مباشرة بأهداف الانتاج المعينة في المشروع والتي تؤلف على كل حال أحد العوامل الجوهرية لنجاحه ". (9) ورغم الاستغلال الواسع للموارد الطبيعية والقوى البشرية فإن المستعمر لم يقدم أبسط الخدمات الإنسانية وهي الصحة والتعليم ففي الجزائر التي اعتبرتها فرنسا جزءً منها لم يستطع سوى 12% من أطفال الجزائر ممارسة عملية التعلم، وانخفضت النسبة في مراكش إلى 10%، وفي أفريقيا الغربية إلى 7.6 %، وفي تشاد إلى 4.7%، فيما ارتفعت في أفريقيا السوداء إلى 18% من أطفال تلك البلاد.

 

التعليم والصحة

ويخلص هنري كلود إلى أن نسبة التعليم في المستعمرات الفرنسية جملة لا يتجاوز 9 % من أطفال المستعمرات الفرنسية. (10) وأما الخدمات الصحية فجرى تأمينها في المناطق التي ينتشر فيها الفرنسيون فيما كان لكل 10000 جزائري طبيب واحد، وتصل هذه النسبة في الأقاليم الجنوبية للجزائر إلى 30000/ 1، وفي مراكش 45000/ 1 فيما لكل 50000 شخص في غينيا طبيب واحد. ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الوفيات بين الأطفال في المستعمرات عنها في البلاد المستعمِرة أو بين المستعمِرين، ففي حين يموت من أطفال الأوربيين في الجزائر ما نسبته 5.4 % يموت من أطفال الجزائر 18%، وفي تونس يموت للأوربيين من أطفالهم ما نسبته 5.9% فيما يموت للتونسيين ما نسبته 19.3% فيما تصل النسبة في بعض مناطق أفريقيا الريفية إلى 60%، وكتب الدكتور بريسو مقرر ميزانية الصحة عام 1954م في الجزائر أن من بين 120 مريضًا يراجعون عيادة السل في مستشفى مدينة الجزائر لا يلقى العناية منهم سوى 30. أما الباقون فأسلموا إلى الموت. (11) وننبه أخيرًا إلى أن كل ما سمعناه عن الاستعمار الفرنسي مما سطره لنا هنري كلود ورفاقه ينطبق تمامًا على الاستعمار البريطاني والإيطالي والبرتغالي وسوى ذلك من جنسيات الاستعمار الأخرى.

 


 

المصدر:

منقذ السقار، الاستعمار في العصر الحديث ودوافعه الدينية، ص10

 

المراجع:

  1. انظر هذه الفظائع وغيرها: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص (175)، الاستعمار. أحقاد وأطماع، محمد الغزالي، ص (34، 46 - 49، 56، 302).
  2. انظر: الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، هنري كلود، وآخرون، ص (34، 135 - 138).
  3. انظر المصدر السابق، ص (17 - 19).
  4. انظر: التبشير والاستشراق، محمد عزت الطهطاوي، ص (90).
  5. انظر: الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، هنري كلود، وآخرون، ص (39 - 45).
  6. انظر: المصدر السابق، ص (24).
  7. انظر: المصدر السابق، ص (51).
  8. انظر: المصدر السابق، ص (41، 49).
  9. انظر: المصدر السابق، ص (7 - 8).
  10. انظر: المصدر السابق، ص (20 - 21).
  11. انظر: المصدر السابق، ص (22 - 23).
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاستعمار
اقرأ أيضا
من الأمور التي أحبها الله لنا | مرابط
تفريغات

من الأمور التي أحبها الله لنا


فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى الله لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تنصحوا لولاة أموركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال

بقلم: عمر الأشقر
1123
مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج1 | مرابط
مناقشات

مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج1


تعتبر مقالات محمد الخضر حسين من أهم ما قدم في الرد على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي وهذه المقالات تفند جميع مزاعمه وترد عليها وتبين الخطأ أو ربما الأخطاء والمغالطات التي انطوت عليها نظريته التي قدمها فيما يخص الشعر الجاهلي وكيف أن هذه الأخطاء تفضي إلى ما بعدها وبين يديكم أحد أهم مقالاته في الرد على كتاب طه حسين حول موضوع الحياة الجاهلية وهل نلتمس ملامحها من القرآن أم من الشعر

بقلم: محمد الخضر حسين
644
آراء المذاهب الفقهية في اختلاط الرجال بالنساء | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك المرأة

آراء المذاهب الفقهية في اختلاط الرجال بالنساء


اهتمت المذاهب الفقهية بشكل بالغ بمسألة الاختلاط بين الرجال والنساء ويبدو أن معالجة الموضوع تكررت وترددت في مختلف الكتب المعتمدة في المذاهب وبين يديكم نضع بعض النقولات من المذاهب الفقهية فيما يخص موضوع الاختلاط ونعرضه في شكل إنفوجراف تيسيرا على القراء

بقلم: إبراهيم السكران
1268
الهجرة النبوية نقطة تحول في التاريخ الإنسان ج3 | مرابط
تاريخ تعزيز اليقين

الهجرة النبوية نقطة تحول في التاريخ الإنسان ج3


إن التأمل والتدبر في تفاصيل الهجرة النبوية المباركة يجعلنا نتيقن وبما لا يدع مجالا للشك أن الهجرة النبوية كانت حدثا حاسما في الدعوة المحمدية أرست الأسس والنواة الصلبة لدولة الإسلامية الناشئة كما حملت لنا عبرا ودروسا وافرة نستفيد منها ونستجلي منها قيما وأخلاقا حميدة وبين يديكم مجموعة من الفوائد والدروس والمآثر من وحي السيرة

بقلم: علي الصلابي
716
علمانية الحكم الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات العالمانية

علمانية الحكم الجزء الأول


امتدت العلمانية إلى كل مجالات الحياة تقريبا بداية من الحكم مرورا بالاقتصاد وصولا إلى الأخلاق والشعور بل وحتى عالم الفن والأدب والكتابة اجتاحته العلمانية كذلك وفي هذا المقال يفصل لنا الكاتب سفر الحوالي علمانية الحكم وبداياتها في القرون الوسطى في ظل تمتع الكنيسة بسلطاتها الكبيرة رغم ذلك كان الحكم علمانيا حتى لو كان ظاهريا تحت مظلة الكنيسة

بقلم: د سفر عبد الرحمن الحوالي
1964
اكتساب الهمة | مرابط
ثقافة

اكتساب الهمة


لا شك أن قابلية اكتساب الهمة والعزم كبيرة فالله جل وعلا كلف العباد جميعا - إلا من استثنى الله منهم - بتكاليف متساوية في الجملة وكل هذه التكاليف تفتقر إلى الهمة وصدق العزم كالصلاة والصيام والإنفاق والحج وترك الشهوات المحرمة والمنكرات الفاحشة وإذا كانت الهمة غير مكتسبة ومستطاعة التحصيل لكانت التكليفات ظلما لطائفة من العباد تعالى الله عن ذلك. والحياة تدفع لنا كل يوم صورا عظيمة لأناس هزموا اليأس وتغلبوا على أنفسهم وصاروا من أصحاب الهمم العالية كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة.

بقلم: كريم حلمي
298