حدثنا زيد بن الحباب، من كتابه حدثنا عبد الرحمن بن شريح، سمعت شراحيل بن يزيد المعافري، أنه سمع محمد بن هدية الصدفي، قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاصي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر منافقي أمتي قراؤها » (1)
وفي هذا دليل على أنه في آخر الزمن سيكثر حفظة القرآن، ويقل فيه الفقهاء، فهم يحفظون القرآن ويجري على لسانه دون فقه له ولا التزام حدوده، ونحو هذا قول «عبد الله بن مسعود لإنسان: إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه. قليل من يسأل. كثير من يعطي. يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة. يبدون أعمالهم قبل أهوائهم. وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي. يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة. يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم» (2)
قال ابن عبد البر: «وفيه من الفقه مدح زمانه لكثرة الفقهاء فيه وقلة القراء وزمانه هذا هو القرن الممدوح على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه دليل على أن كثرة القراء للقرآن دليل على تغير الزمان وذمه لذلك» (3)
وهذا هو الحاصل في زماننا، فنرى كثيرًا من القراء يظهرون مع الفسقة والمغينن وينشرون مقاطعهم السفيهة، وكثير من النساء القارئات يخرجن على الرجال يقرأن عليهم القرآن! وهذا خلل كبير يوافق الحديث، فالعبرة ليست بكثرة الحفظة، بل بحفظ حدوده، كما قال ابن عبد البر: «وفيه دليل أن تضييع حروف القرآن ليس به بأس لأنه قد مدح الزمان الذي تضيع فيه حروفه وذم الزمان الذي يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده» (4)
فالقرآن مع كثرة حفاظه ضاعت حدوده بين قراء لا يأمرون بمعروف ولا ينكرون منكرا، وبين قارئات لهن قنوات على مواقع التواصل يتغنين به على مسامع الرجال..
فيصدق القول علينا في هذا الزمن، ويصدق قوله ﷺ في آخر الزمن أن الناس ترفع قارئ القرآن أكثر ممن يفقهه، فقد قال: «ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل بين أيديهم ليس بأفقههم لا يقدمونه إلا ليغنيهم به غناء» (5)
فالحديث الصحيح وأن كثرة حفظة القرآن لا يعني الخير، بل الخير في حفظه مع فقهه وحفظ حدوده. قال مالك رحمه الله: «قد يقرأ القرآن من لا خير فيه، والعيان في أهل هذا الزمان على صحة هذا الحديث كالبرهان» (6)
نسأل الله السلامة.
الإشارات المرجعية:
- [مسند أحمد (11/ 210 ط الرسالة)]. وهذا إسناد حسن من أجل شرحبيل بن يزيد المعافري.
- [موطأ مالك - رواية يحيى (2/ 242 ت الأعظمي)].
- [الاستذكار (2/ 363)].
- [الاستذكار (2/ 363)].
- [المعجم الكبير للطبراني (18/ 34)].
- [المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 227)].