مطالعة في كتاب إسلام السوق لباتريك هايني

مطالعة في كتاب إسلام السوق لباتريك هايني | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2101 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

إسلام الفلاسفة والإسلام الأمريكاني

 

تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحد حالات إعادة تفسير الإسلام تحت ضغط ثقافة خارجية وسماه "إسلام الفلاسفة"، حيث يقول رحمه الله:

 

(رد أهل البدع على الكفار بما فيه بدعة؛ فإنهم وإن ضلوا من هذا الوجه، فهم خير من أولئك الكفار، لكن من أراد أن يسلك إلى الله على ما جاء به الرسول يضره هؤلاء، ومن كان حائراً نفعه هؤلاء، بل كلام أبي حامد ينفع المتفلسف ويصير أحسن؛ فإن المتفلسف يسلم به "إسلام الفلاسفة")[ابن تيمية، النبوات، ت الرومي وزميله، مؤسسة الرسالة، ص16]

 

وهذا التركيب الذي سبكه شيخ الإسلام "إسلام الفلاسفة" يجسد به شيئًا من حالة التلفيق الثقافي في عصره.

 

وقبل زهاء ستين عامًا كتب الأستاذ سيد قطب –رحمه الله- مقالًا في مجلة الرسالة (عدد 991 بتاريخ 30/6/1952م) بعنوان "إسلام أمريكاني"، يقول في هذه المقالة

 

(الأمريكان وحلفاؤهم يريدون للشرق الأوسط إسلامًا أمريكانيًا..، إن الإسلام يجوز أن يستفتي في منع الحمل، ويجوز أن يستفتي في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتي أبداً في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية).

 

ثم أعاد سيد قطب نشر مقالته هذه فصلاً في كتابه "دراسات إسلامية" بنفس العنوان "إسلام أمريكاني". [دار الشروق، ص119]. واستمر هذا المعنى حاضرًا في خطاب فقهاء الإسلام ومفكريه المعاصرين. ففي عام 1410هـ وحين كان الشيخ الألباني يرد في لقاء علمي له على المناوئين لدعوة الكتاب والسنة ومنهج السلف قال الشيخ الألباني -رحمه الله- عنهم:

 

(لا أعتقد إلا أنهم يريدون خلاف ما يظهرون، يريدون القضاء على دعوة الإسلام الصحيحة، وإقامة إسلام: إما أن يكون إسلاماً أوروبيّاً، أو إسلاماً أمريكيّاً، أو إسلاماً خَلَفياً)[الألباني، رحلة النور، الشريط 33، الوجه ب، الدقيقة: 17].

 

وفي عام 1978م نشر الدكتور عبد الله النفيسي كتابًا كان سببًا لفصله من عمله كرئيس لقسم العلوم السياسية في جامعة الكويت، ومما جاء في هذا الكتاب استناداً لنص قطب قول الدكتور النفيسي: (فهل يريد هؤلاء للكويت إسلاماً أمريكانيًا؟)[د.النفيسي، الكويت: الرأي الآخر، ص183]. ونظائر هذا المعنى كثيرة جداً في خطاب فقهاء الإسلام ومفكريه.

 

والرائج في دراسات الباحثين الغربيين عن الاتجاهات الإسلامية أنهم يدرسون اتجاهين: إما الحركات الإسلامية التي لديها مشروع سياسي والتي يسمونها "الإسلام السياسي"، وإما الحركات الجهادية والقتالية والتي يسمونها أحيانًا "الإسلام الراديكالي".
 

منظومة إسلام السوق


وفي عام 2005م نشر الباحث السويسري باتريك هايني رصداً لنمط جديد من التدين -بحسب رؤية الباحث- وذكر أن البحوث الغربية الحديثة لم تسلط الضوء عليه، هذا النمط الجديد من التدين ذكر الباحث أن له منظومة عناصر، وهي: مركزية الفردانية وبحث المتدين الجديد عن مشروعات شخصية، وتمجيد التجارة والاستثمار والبزنس، والاستغراق في أدبيات الفكر الإداري الأمريكي كالتنمية البشرية وتحقيق الذات وعلم النجاح والاستمتاع بالحياة ونحوها، وغلبة النزعة الاستهلاكية والرفاه والاهتمام بالماركات في الزي ونحوه، ومن ذلك تفريغ الحجاب من مضمونه الاحتشامي إلى كونه أداة موضة، وتفريغ النشيد الإسلامي من مضمونه النضالي وشحنه بمضامين رومانسية وإدخال الآلات عليه، واقتباس أساليب الوعاظ الإنجيليين، والنفور من السياسة، والتخلي عن الغايات الإسلامية الكبرى التقليدية كالدولة الإسلامية وتحكيم الشريعة ونحوها.

 

ويكرر الباحث طوال كتابه مركزية هذين المفهومين: (الفردانية، والاستهلاك) في نمط التدين الجديد الذي يرصده. هذه تقريباً عناصر نمط التدين الجديد بحسب رصد الباحث في عام 2005م، وسمى هذه المنظومة جميعًا "إسلام السوق"، باعتبارها في نظر الباحث نمطًا من التدين متأثر بالثقافة الأمريكية الرأسمالية في جوانبها الفردية والاستهلاكية.

 

يقول المؤلف مثلاً في إحدى رصدياته:

 

(رغم أن هناك محاولات جديدة جارية بالفعل للترقيع والتوافق مع النماذج الغربية، فالحجاب الذي يرمز إلى حياء المرأة المسلمة أصبح يستعير العلامات التجارية الغربية، والنشيد الإسلامي هجر طابع التقشف والاندفاع النضالي وأصبح يستلهم إيقاعات أقرب إلى موسيقى حركات العصر الجديدة أو البوب أو الراب..)[ص34]

 

ويضرب المؤلف مثلًا لتفريغ المفاهيم الدينية الحساسة بمفهوم "الجهاد"، فيخلى من مضمونه القتالي، ويسمى "الجهاد المدني"، كما يقول المؤلف:

 

(ومن ثم يستعاض عنها بموضوعات تشير إليها، أو تحل محلها، وهذا هو المخرج، فتلك المفاهيم سيسهل التخلي عنها فيما بعد، فالجهاد المدني لا يعبر عن مفهوم جديد، بل هو مجرد نتاج لوسائل الإعلام، فرضته لحظة معينة، ثم اختفى)[ص96].

 

ومن الظواهر الغريبة والطريفة التي حاول المؤلف تفسيرها أنه بلغ الأمر بمحاكاة الثقافة الاستهلاكية الأمريكية إلى ظهور شركات تركب أسماء للكولا بآلية التوفيق والدمج، وذكر المؤلف منها:شركة مكة كولا، وشركة زمزم كولا، وشركة قِبلة كولا، وعرب كولا [ص114].

 

وفي هذا الكتاب مستويان من النظر:

 

الأول: أن هذا البحث شهادة لدارس من الخارج تؤكد وتعزز أطروحات فقهاء ومفكري الإسلام في التحذير من إعادة تفسير الإسلام والتدين تحت ضغط الثقافة الغالبة.
 
والثاني: أن الباحث وقع في سقطات كثيرة نتيجة عدم تمييزه بين الدائرة التوقيفية في الإسلام وهي الأحكام الشرعية التي لا يجوز تغييرها تحت الضغوط الثقافية، وبين دائرة الاجتهاد البشري وهي الآليات الإجرائية التي يستفيد فيها المسلم من كل إبداعات عصره النافعة كما استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من الخبرة الطبية والعسكرية في عصره.
 
وهذا البحث قام مركز نماء بترجمته ورأيته في طبعته العربية لأول مرة في معرض الكتاب الحالي بالرياض 1436هـ.
 
والله أعلم
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alsakran/76.htm
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
تهاوي المقدس | مرابط
فكر مقالات

تهاوي المقدس


لما قرأ الغربيون مثل هذا الكلام في كتابهم الذي قيل لهم طوال ألف عام إنه مقدس تخلخلت ثقتهم فيه وفي كل ما بني عليه من عقائد وتشريعات وأخلاقيات وبدأ البناء يتهاوى شيئا فشيئا وبدا لهم أن كتابهم المقدس لم يكن إلا أشبه ببالون منفوخ بالهواء وإن لمسة دبوس كانت كافية لإفراغه من كل ما فيه

بقلم: د أحمد إدريس الطعان
1859
هل العمل عبادة؟ | مرابط
مقالات

هل العمل عبادة؟


والعمل ليس عبادة إلا إذا نوى الإنسان به نية حسنة ككف نفسه عن سؤال الناس والحاجة إليهم أو النفقة على أهله والتصدق على المحتاجين وصلة الرحم ونفع المسلمين بهذا العمل.. ونحو ذلك من النيات الصالحة التي يثاب عليها. ولا بد من استحضار النية.

بقلم: قاسم اكحيلات
583
مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها | مرابط
اقتباسات وقطوف

مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها


كان لمأساة أحد أثر سيء على سمعة المؤمنين فقد ذهبت ريحهم وزالت هيبتهم عن النفوس وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم

بقلم: صفي الرحمن المباركفوري
533
ضبط مسائل الخلاف | مرابط
اقتباسات وقطوف

ضبط مسائل الخلاف


من أعظم الإشكاليات التي تتجلى في زماننا: الاحتجاج بالخلاف فترى المسلم يقف أمام المسألة المختلف فيها فيحكم هواه ويميل إلى الرأي الذي يؤيد شهوته أو يؤيد هوى في داخله ولا يستند في سبيل ذلك إلى أي دليل ولا يفكر في الرجوع إلى الله والرسول كما أمرنا تعالى وهذا مقتطف للإمام الشاطبي رحمه الله يتحدث فيه عن هذه الإشكالية في عصره ويؤصلها بشكل دقيق

بقلم: الشاطبي
2312
القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات العالمانية

القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول


عندما يجري الحديث عن القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي فإن الأمر يتجاوز الحديث عن وقائع معينة تمت روايتها وتدوينها في كتب التاريخ ليجري الحديث عن الأرضية التي يجري على أساسها تحليل واستنباط النتائج من الوقائع كما أن هذا يشمل المنهج المتبع في التحقق من تلك الوقائع إنه في المقام الأول حديث عن فلسفة التاريخ عن المنهج الذي يسلكه المحلل في قراءته وتوظيفه للأحداث التاريخية في نسقه التحليلي قبل المنهج المتبع في التحقق من صدق الرواية التاريخية

بقلم: يوسف سمرين
1461
حارب إعلامهم بابتسامتك | مرابط
فكر

حارب إعلامهم بابتسامتك


زرت بيت جدي فكان يتابع مسلسلا يظهر مجموعة من الملتحين بمظهر منفر يتحدثون بالفصحى بتشدق تابعت 15 دقيقة من المسلسل فلما خرجت إلى الشارع أصبحت إن رأيت ملتحيا كرهته لا شعوريا هذا مع أني ملتح ولم أتابع إلا 15 دقيقة فكيف بمن يعيشون مع هذه المسلسلات

بقلم: د إياد قنيبي
742