وهاهنا «الفارق الجوهري» الذي غاب في زحمة الفكر العربي المعاصر، ذلك أن «الاستحداث في العلوم المدنية: مؤشر إبداع مطلوب، و«الاستحداث في العلوم الشرعية: مؤشر تراجع وانحطاط، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، بكل وضوح يؤكد للصحابة هذين المنهجين المتعاكسين: ففي العلوم المدنية يقول لهم: (أنتم أعلم بأمر دنياكم))، وفي العلوم الشرعية يقول لهم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
فالعلوم الشرعية يعتبر فيها الإبداع، وهو القدرة على العودة للأمر الأول، أي لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أما العلوم المدنية فالإبداع فيها هو التحرر من الماضي، واستحداث الجديد، وهذا الفارق الجوهري في «بنية العلم ذاته» بين العلوم الشرعية والمدنية يذهل عنه كثير من الباحثين العرب، فتراهم للأسف قد قلبوا هذه المعادلة، ففي العلوم المدنية» ليس لديهم إلا الاستيراد والتقليد، ولا نرى إبداعات عربية مدنية حقيقية، تخرج بنا عن إطار الماضي وتقص لنا بطاقة الصعود إلى المستقبل، وفي العلوم الشرعية» ليس لديهم إلا «الإحداث والابتداع» بما يتعارض مع منهج النبي وأصحابه.
المصدر:
إبراهيم السكران، سلطة الثقافة الغالبة