الرسول والرسالة

الرسول والرسالة | مرابط

الكاتب: د حسام الدين حامد

2023 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أبا الحكم!
 
تقول: أعلم أن وراء هذا الكون خالقًا، ولكنني متكبّر لدرجة عدم التصديق!
متكبر على من؟ على الله؟! أظننت العبادة حِطّة لك؟!
لا يا أبا الحكم! هذا جحود لا اعتدادٌ بالنفس!
 
أرأيت إلى ولد غذّاه أبواه صغيرًا، وأنفقوا عليه صغيرًا وكبيرًا، وعلّموه وربّوه ورعوه وكفلوه، وأحاطوه بالعناية والرعاية، حتى إذا بلغ أشده تركهم دون برّ، وترك طاعتهم ظنًا منه أن الطاعة في ذلك تنافي اعتداده بنفسه!!
 
أليس هذا بجحود؟ بلى!
 
فمنّة الله عليك أعظم من ذلك! أتريد أن أعدّ لك أم تعرف؟ أم تراني لا أحصيها عددًا؟! فبعد أن يتم عليك نعمه ظاهرة وباطنة تقول "كِبر"!!
إن العبادة هي أعلى درجات الحب! فمالك تنأى عنها؟! ما عليك إن قلت: "آمنت بالله" ثم استقمت!؟ ما يضرك في هذا؟!
 
إن أحد المتكبرين سيُنادى يوم القيامة وهو في النار "ذق إنك أنت العزيز الكريم" أفتراك تسير في دربه وطريقه؟! ليس الطريق هنالك.. فاسمع مني!
 
تعال أطوف بك في متاهات تصل بك إلى الإيمان، ونستخرج من أرحام الحيرة جنين اليقين، وما عليّ إن دخلت عليك من باب عقلك، وألقيت عليك الحجة حىت ترضى وأرضى! ثم ما عليّ إن دلفت إلى باب العاطفة حتى ترضى وأرضى! ثم ما عليّ إن ولجت إلى باب الفطرة أهزها هزًّا علّك تفيق!
 
ما عليّ إن خاطبتك ورأينا أيهما أذكى عقلًا، وأيهما أنضج فكرًا.. أهو الإيمان أم الإلحاد؟!
 

المثال الأول:


أبا الحكم!!
 
أريدك أن تتخيل معي دجّالًا كذابا يدّعي أنه مُرسل من عند الله، ويموت ولده، ويوم موت ولده تتكسف الشمس، وحين تتكسف الشمس يقول الناس: إن الشمس انكسفت من أجل ولده.. أريد منك أن تُقلب هذا الأمر ظاهرًا لبطن وبطنًا لظهر، وترى كيف سيتصرف هذا الدجال!؟ أعمل عقلك كثيرًا في هذه المسألة، وكيف سيتصرف دجال وضع في هذه الفرصة الذهبية للترويج لنفسه!؟
 
لقد قلت: اقرأ الفلسفة الإسلامية ولا أستطيع الاقتناع بها، اقرأ الفلسفة الإلحادية وأُعجب ببعضها
 
فأخبرني بالفلسفة الإلحادية، كيف سيتصرف دجال وضع في الموقف السابق.. ثم تعال معي!
 
يموت إبراهيم ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، ويتحدث الناس "إن الشمس قد انكسفت لموت ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، ويشمت المشركون "لقد بُتر محمد" أي لم يعد له أولاد يحملون اسمه من بعد، ويصرخ أحد الصحابة حزنًا..


أما عن انكساف الشمس


فلو أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سكت ولم يتكلم؛ لاستقر عند الناس أن الشمس انكسفت لموت ولده إبراهيم، فمجرد السكوت كان يكفي! ولو أنه سكت؛ لقلنا: كانت مصيبة موت ولده شديدة! مجرد السكوت يا أبا الحكم كان كافيًا!!
 
ولكنه صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك؛ فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا!
 
هكذا بوضوح ودون أي لبس أو غموض.
 
إن رجلا لا يكذب على الله، جل وعلا، في مسألة كهذه لن يكذب عليه في أنه رسول من عنده، أليس كذلك؟ بلى.
 
ثم ماذا؟ ثم في خضم هذا الحزن تُشرع صلاة الكسوف، ويصلي النبي، صلى الله عليه وسلم، بأصحابه صلاة الكسوف، ويخطب فيهم خطبة يتكلم فيها عن عذاب القبر، ولا يتكلم عن ولده بشيء!!
 
ثم ماذا؟ ثم عندما يسمع من يصرخ من الصحابة حزنا على موت ولد النبي، صلى الله عليه وسلم، ينهاه عن ذلك ويقول "إن ذلك من الشيطان"!!
 
ثم ماذا؟ ثم يقول، صلى الله عليه وسلم: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"
 
ثم ماذا؟ ثم لا يردّ على المشركين، ولا يتوعدهم من حينه، ولا يرد لهم الصاع صاعين بل تنزل السورة الكريمة "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)"
 
لو تأملت السورة؛ لوجدتها بشارة للنبي، صلى الله عليه وسلم، بالكوثر، ولو كان -وحاشاه- دعيًّا، أكان يُسلي نفسه بالكذب؟
 
إن النبي، صلى الله عليه وسلم، لو كان سيكذب -وحاشاه- فلن يكذب على نفسه ويقول "إنا أعطيناك الكوثر" أو يقول "والله يعصمك من الناس" وعندما تنزل عليه الآية يأمر الصحابة الذين كانوا يحرسونه بترك الحراسة؛ ﻷن الله وعده أن يعصمه من الناس، أتراه إلا صادقًا؟! نعم والله! صادقًا مصدوقًا.
 
ثم تتأمل السورة، فتجدها تكليف بالعبادة "فصل لربك وانحر" ألو كان الرد من عنده -وحاشاه- وليس من عند الله، أكان يكلف نفسه المزيد من العبادة في هذا الوقت الذي مات يفه ولده، وشمت به الكفرة؟!!
 
ثم يأتي الرد عليهم في آخر السورة "إن شانئك هو الأبتر"
 
هذا موقف واحد من حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، تجاه حدث موت ابنه، صلى الله عليه وسلم، وجدناه فيه يدفع عن نفسه ما زعمه الناس "أن الشمس كسفت لموت ولده" ويصلي صلاة الكسوف، ويخطب عن عذاب القبر، ويأتي الرد على الكفار فيه تسلية له بما له في الجنة، وتكليف بالعبادة، وفي آخره الرد عليهم، ويمنع أصحابه من المبالغة في الحزن مع حزن قلبه على ولده، وهو في ذلك لا يقول إلا ما يرضي الرب، جل وعلا.
 
ولم سكت ليفهم الناس أن الشمس انكسفت من أجل ولده، ولم يقعد عن العبادة، وقام لصلاة الكسوف، ولم يكن ليخدع نفسه بتسلية من عند نفسه بالكوثر، ولم يكن ليزيد العبادات عليه، ولم يكن ليمنع أصحابه من المبالغة في الحزن لو كان كاذبًا صلى الله عليه وسلم، وحاشاه!
 
التفسير الإسلامي: "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"
التسير الإلحادي: ................. (لن تجد تفسيرًا مقنعًا)!


المثال الثاني:


قال تعالى "غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يفرح المؤمنون"
 
(البضع هو العدد بين الثلاثة والتسعة، أو الثلاثة والعشرة)
 
قال تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بغتة يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قل إنما علمنا عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
 
هذا تنبؤ بأن الروم ستغلب في بضع سنين، ولو مرّت بضع سنين ولم تُغلب الروم؛ فقد انتهى الأمر، وبطلت النبوة، وبطل الدين!!
وفي نفس الوقت عند الكلام عن موعد الساعة لا يتكلم، صلى الله عليه وسلم، ويقول: إنه لا يعلمه، ولو أنه قال "ستقوم بعد 500 سنة" لما ضرّه ذلك شيئًا!!
 
لو سألت أي دجال في العالم سؤالين؛ وقلت له أجب عن سؤال واحد مما يأتي:
1- هل ستغلب روسيا أمريكا في خلال 10 سنين؟
2- متى تكون نهاية العالم؟
 
على أي السؤالين سيجيب الأول أم الثاني؟!
 
سيجيب السؤال الثاني بلا تردد يُذكر، ويترك السؤال الأول؛ ﻷنه سيخشى أن ينفضح أمره، فلم كان الحال مع النبي، صلى الله عليه وسلم، هو العكس؟!
 
التفسير الإسلامي "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"
التفسير الإلحادي:...............(لن تجد تفسيرًا مقنعًا)

 


 

المصدر:

  1. د. حسام الدين حامد، لا أعلم هويتي حوار بين متشكك ومتيقن، ص15
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الرسالة-الرسول
اقرأ أيضا
الليبرالية في ميزان الإسلام | مرابط
الليبرالية

الليبرالية في ميزان الإسلام


الليبرالية هي وجه آخر من وجوه العلمانية وهي تعني في الأصل الحرية غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه وعابد هواه غير محكوم بشريعة من الله تعالى

بقلم: مجموعة كتاب
672
تعلمت من أوقات الفراغ | مرابط
فكر مقالات

تعلمت من أوقات الفراغ


أوقات العمل تملكنا ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة فالذي يعرف وقته يعرف قيمة حياته ويستحق أن يحيا وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب لأن مالك وقته يملك كل شيء ويصبح في حياته سيد الأحرار

بقلم: عباس محمود العقاد
4872
الأصول الكلية التي يقوم عليها الإيمان بوجود الله وكماله ج1 | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

الأصول الكلية التي يقوم عليها الإيمان بوجود الله وكماله ج1


ليس المراد بالأصول في هذا السياق الأدلة العقلية التي يستند إليها المؤمنون في إثبات وجود الله وكماله وإنما المراد بها المعاني الكلية التي يتأسس من مجموعها الإيمان الصحيح السالم من النقص والعيب في التصديق بأن الله موجود وأنه الخالق للكون المدبر له والمتصرف في شؤونه والمتصف بصفات الكمال والجلال

بقلم: د سلطان العميري
2775
الانقطاع سمة العصر | مرابط
اقتباسات وقطوف

الانقطاع سمة العصر


يبدو أن الانقطاع سمة أساسية لحضارتنا وربما لعصرنا هناك شيء اسمه العلم يزعم أنه يتعامل مع التفاصيل ومع البيئة الشاملة للعالم ويحاول أن يفسر: كيف أتت المادة إلى الوجود وكيف نشأت الحياة ومتى وبأي أسلوب وصلت الكائنات البشرية إلى الأرض ويبدو أن العلم يتعلق بكل شيء ولكن العلم في الواقع قاصر جدا

بقلم: بول فييرابند
569
الإسلام كبناء هندسي محكم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام كبناء هندسي محكم


لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء كل أجزائه قد صيغت ليكمل بعضها البعض وليدعم بعضها بعضا ليس فيها شيء زائد عن الحاجة وليس فيها ما ينقص عنها وناتج ذلك كله توازن مطلق وبناء محكم ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من تعاليم وضع موضعه الصحيح هو ما كان له أعظم الأثر علي

بقلم: محمد أسد
451
الأهواء المتدينة | مرابط
فكر مقالات

الأهواء المتدينة


نتعامل في واقعنا المعاصر مع إشكال جديد يمكن تسميته بالأهواء المتدينة هذا الإشكال يظهر في أن ترك الالتزام بالأحكام الذي هو من جنس التقصير والهوى أصبح محسنا مزينا في نفس المسلم متوافقا مع الدين مقربا إلى الحق فلم تعد تلك المخالفات متضمنة مفسدة المخالفة فقط بل أضيف لها مفسدة التحسين والتزيين للهوى والباطل

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1013