لقد أدى التشابه بين النَّسخ والتَّخصيص ببعض العلماء إلى إنكار وجود النَّسخ في الشريعة الإسلامية، واعتبروا كلَّ ما قيل بنسخه أنه من باب التَّخصيص، وعلى عكس هؤلاء اعتبر آخرون التَّخصيص نسخًا، فأدخلوا في باب النَّسخ صورًا كثيرة من صور التَّخصيص؛ لذا وجب بيان الفروق بين النَّسخ والتَّخصيص؛ يقول الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى في البحر المحيط:
"واعلم أن التَّخصيص شديدُ الشبه بالنَّسخ؛ لاشتراكهما في اختصاص الحكم بنقض ما يتناوله اللفظ، وقد فرقوا بينهما من وجوه"[1].
من أبرز الفروق بين النسخ والتخصيص
ومن الفروق التي ذكرها العلماء بين النَّسخ والتَّخصيص ما يلي:
الأول: أن التَّخصيص ترك بعض الأعيان، والنَّسخ ترك بعض الأزمان.
الثاني: أن التَّخصيص يتناول الأزمان، والأعيان، والأحوال، بخلاف النَّسخ، فإنه لا يتناول إلا الأزمان.
قال الغزالي: وهذا ليس بصحيح؛ فإن الأعيان والأزمان ليسا من أفعال المكلفين، والنَّسخ يرِد على الفعل في بعض الأزمان، والتَّخصيص يرِد على الفعل في بعض الأحوال؛ انتهى.
وهذا الذي ذكره هو فرق مستقل، فينبغي أن يكون هو الوجه الثالث.
الرابع: أن التَّخصيص لا يكون إلا لبعض الأفراد، بخلاف النَّسخ، فإنه يكون لكل الأفراد؛ ذكره البيضاوي.
الخامس: أن النَّسخ تخصيص الحكم بزمان معين، بطريق خاص، بخلاف التَّخصيص.
السادس: أن التَّخصيص تقليل، والنَّسخ تبديل.
السابع: أن النَّسخ يتطرق إلى كل حكم، سواء كان ثابتًا في حق شخص واحد، أو أشخاص كثيرة، والتَّخصيص لا يتطرق إلا إلى الأول..
الثامن: أن التَّخصيص يُبقي دلالة اللفظ على ما بقِي تحته، حقيقةً كان أو مجازًا، على الخلاف السابق، والنَّسخ يبطل دلالة حقيقة المنسوخ في مستقبل الزمان بالكلية.
الوجه التاسع: أنه يجوز تأخير النَّسخ عن وقت العمل بالمنسوخ، ولا يجوز تأخير التَّخصيص عن وقت العمل بالمخصوص.
العاشر: أنه يجوز نسخ شريعة بشريعة أخرى، ولا يجوز التَّخصيص.
الحادي عشر: أن النَّسخ رفع الحكم بعد ثبوته، بخلاف التَّخصيص، فإنه بيان المراد باللفظ العام.
الثاني عشر: أن التَّخصيص بيان ما أريد بالعموم، والنَّسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ.
الثالث عشر: أن التَّخصيص يجوز أن يكون مقترنًا بالعام، أو متقدمًا عليه، أو متأخرًا عنه، ولا يجوز أن يكون الناسخ متقدمًا على المنسوخ، ولا مقترنًا به، بل يجب أن يتأخر عنه.
الرابع عشر: أن النَّسخ لا يكون إلا بقول وخطاب، والتَّخصيص قد يكون بأدلة العقل، والقرائن، وسائر أدلة السمع.
الخامس عشر: أن التَّخصيص يجوز أن يكون بالإجماع، والنَّسخ لا يجوز أن يكون بالإجماع[2].
السادس عشر: أن التَّخصيص يجوز أن يكون في الأخبار والأحكام، والنَّسخ يختص بأحكام الشرع.
السابع عشر: أن التَّخصيص على الفور، والنَّسخ على التراخي.
الثامن عشر: أن تخصيص المقطوع بالمظنون واقع، ونسخه به غير واقع.
التاسع عشر: أن التَّخصيص لا يدخل في غير العام، بخلاف النَّسخ، فإنه يرفع حكم العام والخاص.
الموفِّي عشرين: أن التَّخصيص يؤذِن بأن المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه، والنَّسخ يحقق أن كل ما يتناوله اللفظ مراد في الحال، وإن كان غير مراد فيما بعده.
هذا جملة ما ذكروه من الفروق، وغيرُ خافٍ عليك أن بعضها غير مسلَّم، وبعضها يمكن دخوله في البعض الآخر منها"[3].
الإشارات المرجعية:
-
البحر المحيط في أصول الفقه: 2/394.
-
وهذا لا يسلم؛ لأن الإجماع أحد طرق معرفة النسخ، وقد سبق التمثيل لذلك بقتل شارب الخمر في الرابعة، فهو منسوخ بالإجماع.
-
إرشاد الفحول: 1/353 - 354.
المصدر:
- https://www.alukah.net/sharia/0/76081/