كل شيء حدث بالصدفة
من القضايا التي تتأسس عليها الفكرة الإلحادية مبدأ الصدفة، إذ أنها بإنكارها لوجود الخالق، والذي يخلق بعلم وحكمة، لجأت إلى الصدفة والاحتمالات العشوائية كمفسر كثير من الظواهر المعقدة، وهو ما يتكرر كثيرًا في حججهم ومناقشاتهم.
كيف حدث الكون؟ بالصدفة. كيف ابتدأت الحياة؟ بالصدفة. كيف انضبطت هذه القوانين والسنن؟ بالصدفة... إلخ.
مبدأ الوعي والإدراك
فدوكنز مثلا حين يتحدث عن مبدأ الحياة والوعي والإدراك يجعل ذلك من قبيل ضربة حظ واحدة وقعت بالصدفة، ودانيل دينيت حين أراد تفسير مبدأ الوعي والإدراك تحدث ثم قال "ثم وقعت المعجزة"
قدرات الصدفة
بل أمر الإيمان بقدرات الصدفة يتجاوزها هذا بكثير، تأمل في هذا المثال المعبر عن إيمان دوكنز العميق بقدرات الصدفة في الفعل والعمل، والذي يجعل من تلك الأسئلة المعقدة المتعلقة ببداية الكون والحياة أسئلة سهلة بالنسبة لدوكنز، يمكن أن يكون جوابها المحتمل إن لم يكن هو الجواب الصحيح: الصدفة، يقول في كتابه صانع الساعات الأعمى
"المعجزة هي شيء يحدث، ولكن على نحو مفاجئ جدًا، فلو أن تمثالا رخاميا لمريم العذراء قام بالتلويح لنا بيده فجأة فينبغي أن نتعامل مع الأمر كمعجزة، ﻷن معرفتنا وخبرتنا تخبرنا بأن الرخام لا يتصرف على هذا النحو"
مثال التمثال
ثم يقول موضحًا موقفه من هذا التمثال:
"وفي حالة التمثال الرخامي، الجزيئات في الرخام الصلب تقوم باستمرار بالتدافع ضد بعضها باتجاهات عشوائية، وتدافع هذه الجزئيات المختلفة على هذا النحو يلغي أثر هذا التدافع ولذا يبقى يد التمثال في وضع ثابت.
ولكن لو حصل بالصدفة المحضة أن جميع الجزئيات قامت بالتحرك بنفس الاتجاه في نفس اللحظة، لتحركت اليد. ولو أنها بعد ذلك تحركت في الاتجاه المعاكس لعادت اليد إلى موضعها السابق، بهذه الطريقة فمن الممكن لتمثال رخامي أن يلوح لنا.
من الممكن أن يحدث.. الاحتمالات ضد وقوع مصادفة من هذا النوع مرتفعة على نحو يفوق الخيال، لكنها ليست مرتفعة على نحو لا يمكن حسابه إحصائيًا. أحد الزملاء الفيزيائيين قام بالتفضل بحسابه لي، الرقم كبير بحيث أن عمر الكون كله سيكون قصيرًا جدًا عن مجرد كتابة الأصفار! إنه لمن الممكن نظريا لبقرة أن تقفز فوق القمر باحتمال مشابه.
والنتيجة التي نريد التوصل إليها في هذه الحجة أن بإمكاننا حساب مناطق المعجزات غير المحتملة بشكل أكبر بكثير مما نتخيل أنه معقول"
نفي الاستحالة عند دوكنز
وقد كرر المثال والكلام في كتابه الأحداث وهم الإله ص 373، ومثل هذا الكلام يكشف عن إيمان عميق فعلا بإمكانات الصدفة، وأنه من الممكن أن يُحدث أي شيء، فوجود احتمال ولو ضئيل جدا جدا جدا بشكل لا يوصف لا يجعله عند دوكنز أمرًا مستحيلًا أو يستدعي التوصيف بالمعجزة، بل يظل ممكنا ما دام بالإمكان حسابه إحصائيًا. وإذا تقبل الإنسان مثل هذا الأمر تحت ذريعة أنه ممكن وإن كان احتمالية تحققه في الواقع ضئيلة جدًا فسيكون في الحقيقة قابلًا لأي شيء.
ولو أضفنا هذا الكلام إلى ما سبق ذكره من تشكيك الملاحدة بالمبادئ العقلية الأولية فكيف ستكون حال المعرفة الإنسانية البشرية؟ فالبدائه العقلية محل تشكيك، وما نستفيده من خبراتنا بالنظر في هذا الكون هو الآخر محل تشكيك، وهو مشهد معرفي وعلمي شديد القتامة، لا يلتزمه أحد باطراد في الحقيقة وهو كاف في الكشف عن خلله العميق
المصدر:
- عبد الله بن صالح العجيري، ميليشيا الإلحاد، ص 170