الملاحدة وإله الصدفة

الملاحدة وإله الصدفة | مرابط

الكاتب: عبد الله بن صالح العجيري

2346 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

كل شيء حدث بالصدفة

من القضايا التي تتأسس عليها الفكرة الإلحادية مبدأ الصدفة، إذ أنها بإنكارها لوجود الخالق، والذي يخلق بعلم وحكمة، لجأت إلى الصدفة والاحتمالات العشوائية كمفسر كثير من الظواهر المعقدة، وهو ما يتكرر كثيرًا في حججهم ومناقشاتهم.

 

كيف حدث الكون؟ بالصدفة. كيف ابتدأت الحياة؟ بالصدفة. كيف انضبطت هذه القوانين والسنن؟ بالصدفة... إلخ.

 

مبدأ الوعي والإدراك

فدوكنز مثلا حين يتحدث عن مبدأ الحياة والوعي والإدراك يجعل ذلك من قبيل ضربة حظ واحدة وقعت بالصدفة، ودانيل دينيت حين أراد تفسير مبدأ  الوعي والإدراك تحدث ثم قال "ثم وقعت المعجزة"

 

قدرات الصدفة

بل أمر الإيمان بقدرات الصدفة يتجاوزها هذا بكثير، تأمل في هذا المثال المعبر عن إيمان دوكنز العميق بقدرات الصدفة في الفعل والعمل، والذي يجعل من تلك الأسئلة المعقدة المتعلقة ببداية الكون والحياة أسئلة سهلة بالنسبة لدوكنز، يمكن أن يكون جوابها المحتمل إن لم يكن هو الجواب الصحيح: الصدفة، يقول في كتابه صانع الساعات الأعمى

 

"المعجزة هي شيء يحدث، ولكن على نحو مفاجئ جدًا، فلو أن تمثالا رخاميا لمريم العذراء قام بالتلويح لنا بيده فجأة فينبغي أن نتعامل مع الأمر كمعجزة، ﻷن معرفتنا وخبرتنا تخبرنا بأن الرخام لا يتصرف على هذا النحو"

 

مثال التمثال

ثم يقول موضحًا موقفه من هذا التمثال:

 

"وفي حالة التمثال الرخامي، الجزيئات في الرخام الصلب تقوم باستمرار بالتدافع ضد بعضها باتجاهات عشوائية، وتدافع هذه الجزئيات المختلفة على هذا النحو يلغي أثر هذا التدافع ولذا يبقى يد التمثال في وضع ثابت.

 

ولكن لو حصل بالصدفة المحضة أن جميع الجزئيات قامت بالتحرك بنفس الاتجاه في نفس اللحظة، لتحركت اليد. ولو أنها بعد ذلك تحركت في الاتجاه المعاكس لعادت اليد إلى موضعها السابق، بهذه الطريقة فمن الممكن لتمثال رخامي أن يلوح لنا.

 

من الممكن أن يحدث.. الاحتمالات ضد وقوع مصادفة من هذا النوع مرتفعة على نحو يفوق الخيال، لكنها ليست مرتفعة على نحو لا يمكن حسابه إحصائيًا. أحد الزملاء الفيزيائيين قام بالتفضل بحسابه لي، الرقم كبير بحيث أن عمر الكون كله سيكون قصيرًا جدًا عن مجرد كتابة الأصفار! إنه لمن الممكن نظريا لبقرة أن تقفز فوق القمر باحتمال مشابه.

 

والنتيجة التي نريد التوصل إليها في هذه الحجة أن بإمكاننا حساب مناطق المعجزات غير المحتملة بشكل أكبر بكثير مما نتخيل أنه معقول"

 

نفي الاستحالة عند دوكنز

وقد كرر المثال والكلام في كتابه الأحداث وهم الإله ص 373، ومثل هذا الكلام يكشف عن إيمان عميق فعلا بإمكانات الصدفة، وأنه من الممكن أن يُحدث أي شيء، فوجود احتمال ولو ضئيل جدا جدا جدا بشكل لا يوصف لا يجعله عند دوكنز أمرًا مستحيلًا أو يستدعي التوصيف بالمعجزة، بل يظل ممكنا ما دام بالإمكان حسابه إحصائيًا. وإذا تقبل الإنسان مثل هذا الأمر تحت ذريعة أنه ممكن وإن كان احتمالية تحققه في الواقع ضئيلة جدًا فسيكون في الحقيقة قابلًا لأي شيء.

 

ولو أضفنا هذا الكلام إلى ما سبق ذكره من تشكيك الملاحدة بالمبادئ العقلية الأولية فكيف ستكون حال المعرفة الإنسانية البشرية؟ فالبدائه العقلية محل تشكيك، وما نستفيده من خبراتنا بالنظر في هذا الكون هو الآخر محل تشكيك، وهو مشهد معرفي وعلمي شديد القتامة، لا يلتزمه أحد باطراد في الحقيقة وهو كاف في الكشف عن خلله العميق

 


 

المصدر:

  1. عبد الله بن صالح العجيري، ميليشيا الإلحاد، ص 170
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد #الصدفة
اقرأ أيضا
إبطال شبهات الدارونية | مرابط
فكر مقالات

إبطال شبهات الدارونية


للناس في كيفية نشأة الحياة مذهبان مذهب يرى ويؤمن بالخلق المباشر بمعنى أن الله خلق الكون وسائر الحيوان بقوله: كن فكان ما أراد سبحانه وعلى هذا المذهب علماء الأديان وأكثر علماء الطبيعة وذهب آخرون إلى أن نشوء الحياة في سائر الحيوان كان عن طريق النشوء البطيء وتحول أنواع وظهور أنواع جديدة وكان من أشهر القائلين بهذا الرأي العالم الفرنسي لامارك وظل هذا المذهب ضعيفا لا يقوى على الوقوف أمام مذهب أهل الأديان إلى أن جاء دارون فدفع مذهب التحول دفعة قوية للأمام عندما وضع سنة 1859م كتابه في أصل الأنواع بط...

بقلم: إسلام ويب
1177
ادعاء نسبية الأخلاق | مرابط
أباطيل وشبهات

ادعاء نسبية الأخلاق


تعتبر النسبية من أضر الفلسفات التي حطت رحالها في بلاد المسلمين وفي هذا المقال نناقش دعوى أن الأخلاق أمور اعتبارية نسبية لا ثبات لها تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان ومن أمة إلى أمة. فالذي يعتبر منافيا للأخلاق عند شعب من الشعوب لا يعتبر منافيا للأخلاق عند شعب آخر وبعض ما كان مستنكرا فيما مضى قد يعتبر مستحسنا في عصر آخر

بقلم: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني
538
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الأول ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الأول ج2


الأساس الأول الذي بنيت عليه أمة الإسلام والذي بنيت عليه الأمم الأخرى في زماننا وفي الأزمان السابقة هو أساس العلم وبغيره لا تقوم أمة ونتميز نحن المسلمين بأن عندنا العلم الحياتي نعظمه ونجله وكذلك العلم الشرعي الذي أوحى به ربنا سبحانه وتعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ونزل في كتاب الله عز وجل وفي سنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم فهذا تفتقده الأمم الأخرى فتجد معايير الأخلاق والعقيدة والآداب عندهم مختلة بينما عندنا صحيحة فنحن نتساوى معهم في العلوم الحياتية إن أردنا لكننا نسبقهم وبمراحل لا مقارنة ب...

بقلم: د راغب السرجاني
754
العلاج النفسي موضة العصر | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

العلاج النفسي موضة العصر


إن موضة الاضطرابات النفسية أصبحت متقلبة مثل شعبية نجوم الغناء والمطاعم ورحلات السفر ويحكي فرانسيس: خلال عملي في مجال علم النفس لمدة 35 عاما لم أجد متخصصا واحدا يسعى إلى تقليل عدد مرضاه فالطفل الأكثر حركة في الفصل لم يعد مجرد طفل نشيط بل أصبح مريضا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ويحتاج إلى تناول عقار والحزن على وفاة أحد أقاربك لم يعد مجرد حزن بل هو اكتئاب حاد يجب أن تخضع للعلاج النفسي من أجل التغلب عليه

بقلم: إسماعيل عرفة
491
الحرية بين الحقيقة والوهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحرية بين الحقيقة والوهم


الحرية هي المعنى الذي يسعى إليه جميع الناس ويريد كل واحد أن يعيشه ويلتذ به ولكن ما هو الطريق المسلوك للوصول إليها هنا نقف أمام مفترق طرق بين الرجل الصادق الذي يدعو إليها وإلى وسائلها وبين الرجل الدجال الذي يخدع الناس ويرشدهم إلى مواطن الخلل التي لا تفضي إلى شيء

بقلم: محمود شاكر
1529
القدر والأسباب | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

القدر والأسباب


الإيمان بالقدر لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك فهذه لا عبرة بها ولا يلتفت إليها وبين يديكم مقتطف سريع لابن عثيمين يدور حول هذه المسألة

بقلم: ابن عثيمين
441