ومن صور تزييف الحقائق أنه متى كان أحد الداعين قويًا في إظهار قوله، فأتباعه أكثر ولو كان مخطئًا، ولكن متى ما انخفض صوته تبدد أتباعه، والعاقبة للقول الصحيح؛ لأن قوة الحق في باطنه، وحقيقته وجوهره ثابتان، والضعف والتغيير يكونان لوجهه وصورته بالتقبيح والتشويه، وهذا التقبيح يزول بزوال المقبِّح له، والجوهر والحقيقة ثابتان يظهران ولو بعد حين. أما الباطل فهو عكس ذلك؛ فبطلانه في باطنه وجوهره ثابت، والتغيير يكون لوجهه وصورته بالتحسين والتزييف، وهذا التحسين يزول بزوال المحسِّن له. ويوجد من الناس من يؤمن بالحق ظاهرًا؛ ﻷنه أول شيء معلوم وارد إليه، أو ﻷنه أقوى ظهورًا وصوتًا من الباطل، فإذا أصبح الباطل أقوى صولة وظهورًا ينقلب وينتكس إلى الباطل، فيظن أنه انتقل من باطل باطن إلى حق باطن، والصواب أنه اغتر بالصور المحسنة والمقبحة فانتقل من ظاهر ضعيف إلى ظاهر قوي، ولم يهتم بالحقائق ويدقق فيها.
المصدر:
عبد العزيز الطريفي، العقلية الليبرالية، ص16