ثبات أم موسى أمام الابتلاءات

ثبات أم موسى أمام الابتلاءات | مرابط

الكاتب: محمد المنجد

407 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

ننتقل إلى قصة أخرى من قصص النساء في القرآن الكريم: ألا وهي قصة أم موسى صلى الله عليه وسلم.. هذه المرأة التي ربط الله على قلبها.. هذه المرأة التي أوتيت خيرًا كثيرًا.. هذه المرأة بلغ بها الخير أن الله أوحى إليها وحيًا من نوع خاص، ليس من وحي الأنبياء، لما ولدت يوسف وأرضعته أوحى إليها إذا خافت عليه من جند فرعون الذين كانوا يذبحون أولاد بني إسرائيل أن تلقيه في اليم.

عظم توكل على الله

هنا مسألة مهمة: التوكل على الله واليقين بالله، هذه من الأشياء الأساسية التي ينبغي أن تتوفر في شخصية المرأة المسلمة، الآن أسألكن أيتها الأخوات عندما تخشى المرأة على ولدها عادة ماذا تفعل به؟ إنها قد تهرب به وتخبئه في مكان آمن، لكن يقول الله لأم موسى فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7] سبحان الله! يأمرها بأمر بعكس ما هو جار في الأسباب العادية، إلقاء الولد في البحر شيء خطير، لأنه يتعرض للغرق، ولكن الله له إرادة وحكمة ومشيئة سبحانه وتعالى، وهو “خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [يوسف:64].

ولذلك أمرها بأن تفعل ما هو عادة من أسباب الهلاك وهو إلقاء الولد في البحر، ولكن الله يريد بحكمته أن إلقاء موسى سيذهب به إلى بيت الطاغية فرعون ليتربى في ذلك البيت ويكبر، ويحصل ما كان يخشى منه فرعون، ويكون موسى الذي تربى في بيت فرعون هلاك فرعون على يديه، ولذلك فإن أم موسى عندها يقين بالله، هذا هو الدرس: اليقين بالله سبحانه، عندما نتأكد أن الله أمرنا بأمرٍ فإننا ننفذ ونعلم أنه لن يضيعنا سبحانه وتعالى، وخافت فعلًا أم موسى لما جاء جنود فرعون يطلبون أبناء بني إسرائيل يقتلونهم، فألقت ولدها في النهر، فماذا قال الله؟ أمرها بأمرين: "أَنْ أَرْضِعِيهِ" [القصص:7] "وأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ" [القصص:7].

ونهاها نهيين: "لا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي" [القصص:7]، وبشرها بشارتين: “إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ” [القصص:7] هذه البشارة الأولى، والثانية: “وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” [القصص:7] ولذلك فإنها ألقته، ولكن الأم قلبها يبقى قلب أم؛ ولذلك: “أَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ” [القصص:10] أوشكت أن تظهر أمره: “لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” [القصص:10].

فاعلمي أيتها المرأة أن الله سبحانه وتعالى إذا ربط على قلبك واستعنت به فإنه يعطيك قوة ورباطة جأش، وزيادة ثبات، والثبات من الله ونحن لا نستطيع أن نثبت أنفسنا بأنفسنا، ولكن نسأل الله الثبات لكي يثبتنا.

أخت موسى.. وتنفيذها أمر أمها

هنا تظهر شخصية نسائية أخرى في هذه القصة وهي شخصية أخت موسى التي نفذت أمر أمها فخرجت تتبعه عن بعد بحذر.. أخت موسى الذكية التي ما فضحت القصة وما فضحت القضية وإنما قالت لأخته: “قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ” [القصص:11] صارت تراقب المهد يتهادى على سطح الماء من طرف عينها، هذا معنى عن جنب "فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ" [القصص:11].

فتظاهرت أنها لا تنظر إليه ولكن بطرف عينها تنظر وتلحظ إليه، إنها عين الأخت الساهرة على أخيها الصغير، وهكذا ينبغي أن يكون دور الأخوات في البيت تجاه إخوانهن الصغار الذين يحتاجون إلى الرعاية، فإن الأم قد تنشغل أحيانًا فنقول لهذه الأخت في البيت: إن عليك واجبًا تجاه أخيك الصغير من ناحية العناية به، والحرص عليه، والخوف من الأسباب التي تهلكه، ومساعدة الأم في القيام بشئون هذا الولد الصغير، فكوني أيتها الأخت المسلمة عونًا لأمكِ في رعاية هؤلاء الأولاد الصغار في البيت، وتشبهي بأخت موسى وهي ترعى أخاها الصغير وهو يتهادى على سطح الماء، والله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا هيأ له أسبابه، كيف يرجع الولد إلى أمه؟

داخل قصر فرعون

إن الله يخلق أشياء تجعل البشارة تتحقق.. حرم الله عليه المراضع، مهما عرضوه على ثدي لا يقبله، وهنا تدخلت أخت موسى لتقول لهم ولهن: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12] طبعًا عجلي، من هي هذه المرأة؟ نريد أي امرأة ترضع الولد.. إن فرعون وزوجته قررا أن يكون لهما ولدًا فإذًا لا بد من حماية الولد، عجلي بهذه المرأة التي ترضعه، فصارت أم موسى تأتي لترضع ولدها وتأخذ أجرها، تضمه إلى صدرها تتظاهر أنه ليس ولدها، لكن عندما تضمه إلى صدرها تشعر بحنان الأم وهي ترضع ولدها الصغير، وتأخذ أجرًا على ذلك.. بأي شيء حصل لها اطمئنان الولد والأجر؟ إنه بسبب اليقين بالله والصبر على أوامر الله عز وجل. 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أم-موسى
اقرأ أيضا
علمنة العلاج النفسي | مرابط
فكر العالمانية

علمنة العلاج النفسي


حتى المعالج المحب لدينه قد يذكر للمريض آيات وأحاديث لرفع معنوياته وإزالة كآبته لكن المعنى المسيطر عنده وعند المريض هو تسخير ذلك كله لدنيا المريض فحسب. بينما النظرة المتوازنة تتطلب أن يجعل هذا البلاء مسخرا لنفع المريض في دينه وآخرته مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تخليصه من مرضه.

بقلم: د. إياد قنيبي
522
لماذا نحب الرسول الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الرابع


أهل السنة والجماعة في باب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم حق بين باطلين الباطل الأول: الغلو فيه والباطل الثاني: الجفاء لا نريد نحن أن تقسو قلوبنا على الرسول صلى الله عليه وسلم ونشعر بالجفاء لا نريد أن نحيي قلوبنا بمحبته عليه الصلاة السلام لكن في الطرف الآخر لا نغلو به ونرفعه فوق منزلته

بقلم: محمد المنجد
678
إسلام الوجه لله والإحسان هما أصلا الشريعة | مرابط
مقالات

إسلام الوجه لله والإحسان هما أصلا الشريعة


وهذان الوصفان - وهما إسلام الوجه لله والإحسان - هما الأصلان المتقدمان وهما: كون العمل خالصا لله صوابا موافقا للسنة والشريعة وذلك أن إسلام الوجه لله هو متضمن للقصد والنية لله كما قال بعضهم: أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
761
مراجعة لكتاب الاسترقاق القيمي | مرابط
مناقشات

مراجعة لكتاب الاسترقاق القيمي


العناصر التي تعزز أي مشروع تغريبي هي كتلة مقومات ومنها: التغطية السياسية والشرعية والنخبة الثقافية المسوقة وضعف الممانعة الشعبية وذكر ستة نماذج لمشروعات تغريبية وقام بتفصيلها وإبراز هذه العوامل الفاعلة فيها

بقلم: إبراهيم السكران
2492
أغلال المجتمع التقني | مرابط
اقتباسات وقطوف

أغلال المجتمع التقني


إن الانسان سيصبح مغلولا خلال سنين طويلة في المجتمع التقني لكنه لن يموت في الأغلال. فالمجتمع التقني يستطيع ابتداع الرفاهية لكنه لا يستطيع خلق الفكر. ومن دون الفكر لا توجد العبقرية. ومجتمع محروم من رجال عباقرة مجتمع محكوم عليه بالفناء

بقلم: قسطنطين جيورجيو
454
هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2


يقول المشككون أهل الباطل أن القرآن منحول عن الكتاب المقدس في كثير من معارفه ونصوصه التي شابهت ما في الكتاب المقدس من أخبار السابقين وبين يديكم مقال تفصيلي في الرد على هذه الفرية يقف فيها الكاتب الدكتور منقذ السقار على حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة في الكتابين وكذلك الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس لندرك حقيقة الأمر وندرك الباطل الذي بنيت عليه هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
740