الحضارة الحديثة هي حضارة الصورة، التي تدور حول مركزية البصر والاستعراض والثقافة الاستهلاكية التي تعطي القيمة الكبرى للجسد في مسار حياتها مقابل إهمال الروح، وكل عناصر حضارة الصورة معادية للسر والغموض؛ إذ ترتبط غايتها بمسألة التداول والشفافية المالية حول الإنسان والأشياء، عبر قهر منهجي يعتمد على معادلة الحرمان والاستعراض، فالحياة التي تعاني الحرمان في حضارة الصورة هي المحرومة من الاستعراض
ومشكلة الاستعراض بحسب ملاحظات جي ديبور هي أنه إساءة استخدام عالم الرؤية، من خلال التعميم الواسع للصور في الحضارة الحديثة التي جعلت من البصر الأداة الأهم للإحساس الحديث بحسب دافيد لوبرتون. تعميم الصور وإساءة عالم الرؤية في خطاب الاستعراض وأسبقية المرجع البصري، جعلت العالم الحديث يعاني من كراهية السر -بحسب رينيه غينون وبيونغ هان- وضخمت الميل إلى التعميم في العالم الحديث من خلال الادعاء بضرورة وضع كل المعلومات في متناول الجميع من خلال الصورة.
وكراهية السر في حضارة الصورة ترتبط بسر الجسد الذي يجب عرضه وتجريده من أسراره وتحويله من مساحة للمعتقدات بقيمته في الستر، إلى مساحة للإعلانات؛ فقيمته في العرض وتشكيل نوع خاص من الصفة البشرية، تدور وتشكل الصناعة الإباحية في الثقافة الاستهلاكية فيما يخص استهلاكيات الجسد.
والصناعة الإباحية هي التعبير الحتمي لحضارة الصورة سواء كان ذلك على مستوى عالم الرؤية؛ من خلال صياغة العين الإباحية التي تلغي المسافة من الجسد المتمثلة في الستر، أو على مستوى الصياغة؛ فالخطاب في الصناعة الإباحية هو خطاب استعراضي حول الجسد يعزل كل ما يعرضه عن سياقه وماضيه ومقاصده وعواقبه بحسب ملاحظات جي ديبور حول الخطاب الاستعراضي، أو على مستوى الإنسان الإباحي الذي يبحث عن الخبرات الجسدية الجديدة في استهلاكيات الجسد ويقيم صلاحيات هذه الخبرات عبر المرجعية الذاتية الخاصة التي تزيح المرجعية التأثيمية بحسب جيل ليبوفتسكي.
المصدر:
مجلة أوج، العدد التاسع