دعوني أصلي..

دعوني أصلي.. | مرابط

الكاتب: د. محمد علي يوسف

205 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

دعوني أصلي.. 
قالها بينما يعتدل جالسا يمسح عينيه من آثار تلك النومة غير الاعتيادية
ويالها من آثار ويالها من نومة
الحق أنها ليست نومة 
إنها موتة
لقد مات منذ برهة وها هو يُجلس الآن في قبره وقد مُثِلَتْ لهُ الشَّمسُ وقد أذِنَتْ للغروبِ ولتبدأ سؤالات قبره
انتهره الملكان يسألان: أرأيتُكَ هذا الَّذي كان قبلَكُم ما تقولُ فيهِ؟ 
وماذا تشهدُ عليهِ؟ 

مرة أخرى يكررها على مسامعهما
دعوني حتَّى أُصلِّي
كان هذا انشغاله الأول والذي عبرت عنه بوضوح كلمته المتكررة التي نصت عليها روايات ذلك الحديث العجيب من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم 
دعوني حتَّى أُصلِّي
ارتباطه بهذه العبادة في الدنيا خصوصا في مثل هذه المواقف؛ جعل هذا هو رد فعله المباشر! 
يطمئنه الملكان: إنَّكَ ستفعلُ
ستصلي 
وستتصل بمحل السكينة ومصدر الطمئنينة الذي تعودته 
ستروي شوقك وستملأ فراغ نفسك الذي لم تكن إلا الصلاة تملؤه هنالك
في الدنيا 
حيث كان من أولئك الذين اتصلوا بمعارج الطاعة وتعلقت قلوبهم بتلك العبادة التي هي منبع الراحة

"أرحنا بها يا بلال" 
النبي ﷺ يلخص بتلك الجملة هذه الحالة التي لا يعرفها إلا من ذاقها 
أن يمتلىء فراغ الروح بلذة الاتصال بالمولى وأن يرتوي خواء الفؤاء بنبع الذكر وأن تخضر صحاري النفس بواحات المناجاة أثناء الصلاة
أن يأمن الهلوع ويطمئن الجزع 
كل ذلك يحدث لأنه اتصل
وارتاح
عندئذ تفهم لماذا كان حبيبك ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة
ليطمئن قلبه وترتوي نفسه وتهنأ روحه 

وليسعد.. 
تلك السعادة التى لا يمكن أبدا قياسها بمعايير ولا يستطاع تقييدها بحدود ولا تشملها أُطُر
هى سعادة الارتباط والوصل
هى أفراح الروح بسجدة تهفو فيها النفس وتحلق فى ملكوت السماوات والأرض
هى فيوضات البهجة التي تنهمر على ثنايا الفؤاد بمناجاة خاشعة أو تسكبها على الروح تسبيحة متبتلة مختلطة بدمعة عابدة متبتلة
هى الحياة الطيبة المطمئنة 

ولأجل هذه الطمأنينة شُرعت الصلاة في مواضع الاهتزازات الباعثة للجزع ومواطن التغيرات المثيرة للهلع
ندر الغيث وجفت الأرض وغيض الماء 
ثمة صلاة في ذلك الحال يستستقى بها المولى وتُستمطر رحماته من السماء
كسفت الشمس أو خسف القمر واحتجب الضياء وفزع الخلق واختلجت قلوبهم وظنوا أن عذابا قد أشرف على الأرض 
فإذا رَأيتُموهما كذلك فافزَعوا إلى المساجِدِ
فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا، وَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا

هكذا يأمر رسول الله ﷺ
وهكذا فعل
فزع إلى عبادة من أطول ما أُثر عنه 
قام فأطال القيامَ، ثمَّ ركَعَ فأطالَ الرُّكوعَ، ثمَّ قام فأطالَ القيامَ، وهو دونَ القِيامِ الأوَّلِ، ثمَّ ركَعَ فأطالَ الرُّكوعَ، وهو دونَ الرُّكوعِ الأوَّلِ، ثمَّ سجَدَ فأطال السُّجودَ، ثمَّ فعَلَ في الرَّكعةِ الثَّانيةِ مِثْلَ ما فعَلَ في الأُولى، ثمَّ انصرَفَ، وقدِ انجَلَتِ الشَّمسُ
كما ترى.. إنها الصلاة مرة أخرى

منحنى حاسم وقرار ينبغي أن يُتخذ ومسار عليك أن تسلكه
هلم إلى الاستخارة 
صلاة كان يعلمها النبي ﷺ أصحابه ويأمرهم بها في الأمر كله
وقعت مصيبة الموت وفارق الأحبة ديارهم إلى دار الحق وعلا الحزن الوجوه وأغرورقت المآقي
قوموا إذاً إلى صلاة أخرى
صلاة الجنازة

في كل موقف جلل ستجد صلاة
وليس الأمر بمستغرب إذا فهمت حقيقتها
حقيقة الصِلة
تلك التي تُثبّت أصحابها عند المصائب وتهبهم قرار النفوس واتزانها عند تقلبات الدنيا وتغيرها وتهديهم راحة يسكنون إلى ظلالها كلما مستهم مصاعب الحياة ومتغيراتها وتعطيهم القدرة على التحكّم في ضبط الانفعالات والمشاعر 
لأجل كل ذلك كان الاستثناء من الهلع والجزع 
"إلا المصلين"

مقتضى الاستثناء أن المصلين هم أعظم الناس طمأنينةً وراحةَ بال
من هنا تدرك لماذا كان الفزع إلى الصلاة ديدن النبي ﷺ ومن قبله الأنبياء والصالحين
خصوصا في أحلك المواقف
سيدنا إبراهيم عليه السلام حين قَدِم أرض جبارٍ ومعه زوجه سارة وكانت أحسن النساء فلما رآها بعض أتباع الجبار قالوا لقد قدم أرضَك امرأةٌ لا ينبغي لها أن تكون إلا لك
وقد كان 

أرسل الجبار جنده فأُتي بها إليه وغُلب إبراهيم عليها فماذا كان بعد ذلك؟ 
في الرواية جملة واحدة هي ما كان يملكه وقتئذ
"فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة" 
لقد اتصل 
واتصلت زوجه ودعت
وكانت النجاة
وجريج كذلك فعل

في صحيح البخاري أنه حين اتُهم العابد الزاهد جريج بتلك الفاحشة ونسبوا إليه ولدا من زنا كان التجاءه لنفس الملجأ
في شدة تخويفه وابتلائه حين أتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه؛ قال: ما شأنكم؟ 
قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك
فقال: أين الصبي؟ 
فجاءوا به
فما كان منه إلا أن قالها هو الآخر
دعوني حتى أصلي 
نفس المطلب في كل مرة
نفس الملجأ والملاذ 
وهو نفسه الذي كان إليه يفزع نبينا وقدوتنا ﷺ

عشية بدر وأثناء انتظار يوم الفرقان حيث سيلتقي الجمعان غير المتكافئين عددا وعدة؛ ها هو يطيل صلاته مستغيثا حتى تسقط عباءته غير عابيء بسقوطها
وحين زُلزل المؤمنون عند اجتماع الأحزاب عليهم وبلغت القلوب الحناجر واشتدت الريح وخيم الرعب على الأجواء يومئذ يروي سيدنا حذيفة رضي الله عنه حال رسول ﷺ قائلا: فرجَعْتُ إلى رسولِ اللهِ فأخبَرْتُه بخبر القوم وهو مُشْتَمِلٌ في شَمْلَةٍ يُصَلِّي
ثم يزيد حذيفة مؤكدا: وكان إذا حزَبَه أمْرٌ صلَّى

هذه هي خلاصة الأمر ومحوره
إذا أهمه شأن أو أثقل كاهله خطب أو شغلته مصاعب الحياة = صلى
كذلك كان بأبي هو وأمي
وكذلك كان النبيون والصالحون من قبله
وكذلك ينبغي أن نكون من بعده علنا نقوله بعد انقضاء تلك الدار ونبدأ بهذا المطلب سؤالات قبر موحش شعار أنسه ومخفف وحدته = دعوني.. 
دعوني أصلي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الصلاة #القبر
اقرأ أيضا
بيان سنن الله في الكون | مرابط
تاريخ تفريغات

بيان سنن الله في الكون


هذا البيان الذي جاء من عند الله تعالى ببيان سننه وببيان المعادلة الواضحة بين الحق والباطل وبيان الفرق الشاسع بين أهل الجنة وأهل النار بيان أي: إيضاح يحتاج الناس إليه فهو علم من علم الله تعالى وهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك هذا بيان للناس.

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
287
تعلمت من أوقات الفراغ | مرابط
فكر مقالات

تعلمت من أوقات الفراغ


أوقات العمل تملكنا ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة فالذي يعرف وقته يعرف قيمة حياته ويستحق أن يحيا وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب لأن مالك وقته يملك كل شيء ويصبح في حياته سيد الأحرار

بقلم: عباس محمود العقاد
4783
الإسلام أسلوب حياة | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام أسلوب حياة


مقتطف ماتع للكاتب محمد أسد من كتاب الطريق إلى مكة يحدثنا عن بداية تعرفه على الإسلام وكيف أنه رأى هذا الدين أسلوبا شاملا للحياة يحكي لنا بعض اللمحات الجميلة حول اختلاف الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والمذاهب والعقائد

بقلم: محمد أسد
642
مصدر تفسير القرآن | مرابط
تعزيز اليقين

مصدر تفسير القرآن


وكل ما استقر عليه فهم الصدر الأول من القرآن فهو مراد الله فيه لأن الله أنزله بلسانهم ليفهموه ولا يسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- معنى باطل استقر في نفوسهم فهذا يخالف مقتضى الرسالة والله مطلع على ما في نفوسهم من فهم.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
244
لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثاني


يستطيع الليبرالي أن يعيش ازدواجية عنيفة بين شخصيته التي يظهر بها أمام أضواء الإعلام وفي سطور مؤلفاته أو مقالاته وشخصيته الحقيقية التي تظهر عندما تنطفئ هذه الأضواء وعندما يعم الظلام ويجف مداد القلم هنا تظهر هذه الازدواجية لترى الانحلال الأخلاقي والنظرة الشهوانية الجنسية للمرأة التي تقبع داخله بينما ينادي ليل نهار بحرية المرأة والتعامل معها على أنها إنسان له حقوق وكرامة قبل كل شيء وفي هذا المقال سترى الكثير من الشهادات بألسنة الليبراليين أنفسهم لتدرك وهم الليبرالية

بقلم: إبراهيم السكران
2150
الإخلاص والنية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإخلاص والنية


كتاب الإخلاص والنية من أهم ما نقل إلينا عن أبي بكر بن أبي الدنيا ففيه روايات وأخبار كثيرة كلها تدور حول نية العبد وكما نعلم فالنية هي أشق شيء على المؤمن لكي يضبطه ويحدد بوصلته في كل أعماله والأعمال بالنيات وبين يديكم اقتباسات موجزة من هذا الكتاب الماتع

بقلم: ابن أبي الدنيا
742