من أجل استمرار تدفق اللايكات إلى حسابك، أو في سبيل أن تصبح إنسانا عاديا في 2020م، ينبغي عليك أن تتايع التريندات أولا بأول، أو تطور أجهزتك الإلكترونية باستمرار، أو أن تقرأ المنشورات الحديثة للشخصيات والصفحات المشهورة يشكل يومي، نحن نعيش في حالة مجنونة من السرعة، كل لحظة هناك شيء جديد وأمر متغير.
يقول ثيودور زورن، أستاذ التواصل المؤسسي بجامعة نورث كارولينا: إننا جيل نقدس التغيير، ننفق عشرات الثواني والدقائق والساعات في هوس البحث عما هو جديد، وصرنا كائنات تعبد السرعة: القهوة الفورية، الحميمية الفورية، الفيديو الفوري، والإشباع الفوري لاحتياجاتنا. نريد أن ننجز كل شيء في أسرع وقت.
هذه الحالة من التغير المستمر أصبحت هوسا لدينا: هوس التصفح عن الجديد، هوس البحث عن الإثارة، هوس السخرية من كل شيء من أجل إضافة لمسة جديدة، هوس السفر وتغيير محل الإقامة، هوس التقاط السيلفي الأمثل في النزهة أو في البيت.. لقد أصبح التغيير قيمة بذاتها نسعى إليها كل دقيقة.
أما على الناحية الأخرى، فإن التركيز والثبات والروتين فهي أمور، حسنا، مملة، لنكن واقعيين أمام أنفسنا. يقول زورن: (هوس التغيير أصبح سريعا جدا وساخنا جدا وغير عقلاني بالمرة لدرجة أننا بالكاد نمتلك وقتا للتفكر في حياتنا وللتأمل في المعاني العميقة للمفاهيم التي نؤمن بها... ورغم أننا لا ندرك ذلك لكن يصبح التغيير مشكلة عندما يصبح التغيير هدفا من أجل التغيير لا وسيلة لأجل شيء آخر، هذا العائم السريع لا يعطيئا وقتا لملاحظة مقدار الحياة التي نفقدها بسبب هذا الهوس بالتغير).
ويستكمل: (يبدو أن هناك مللا في ثقافتنا العامة حيث لا يمكننا التقيد بتقليد معين ولا أن نكتفي بالحالي. من يريد أن يكون تقليديا وهو يستطيع أن يكون متطورا؟ من يريد أن يكتفي بالوضع الراهن الذي بين يديه وهناك إمكانية أن يحصل على شيء جديد فقط على بعض خطوات أو نقرات؟).
لكن ما هو ضرر هذا التغيير المستمر في كل شيء في حياتنا؟ يقول: (البرامج التليفزيونية التي تعرض في نصف ساعة فقط أزمة ما والحل لها، تخلق انطباعا خاطئا عن كيفية التعامل مع أغلب المشاكل الحياتية).
يوضح ريتشارد سيئيت، أستاذ علم الاجتماع بجامعة نيويورك، أن ثقافة التغيير المستمرة هذه مضرة للإنسان: (السمة الملموسة لثقافة التغيير هي أنه «لا يو جد أمر طويل المدى».. وهذا أمر يفسد الثقة، والولاء، والالتزام المتبادل).
وبسبب تحول كل مؤسساتنا ومجتمعاتنا إلى حالة مستمرة من التغيير، أصبحت أفكارنا (تتطاير بسرعة، غير يقينية، غامضة) بتعبير كارين فاريس، الكاتبة الأسترالية. كما تسبب الثبات على التغيير في تطعيم نفسياتنا بحالة دائمة من التوقعات المرتفعة جدا والإحباطات المتكررة جدا، فالجميع يشعر بالاستحقاق، والجميع يشعر بالملل. يتوقع جيل المراهقين بالإنجاز السريع والنجاح الفوري في كل شيء، وأمام صدمة الحياة، يبدأ في التململ من الحياة عامة والدخول في دوامة اكتئاب وهروب من تحمل أي مسئولية لا يعلم مداها إلا الله.
وهذا التغيير المستمر منعنا من التغير الحقيقي للأحسن في حياتنا، وهو ما أشار إليه الداعية البريطاني حمزة تزورتيس بقوله: (إن أغلبنا صار كالكراسي الهزازة، نتحرك كثيرا لكنا لا نذهب إلى أي مكان. هناك الكثير من الأفعال لكن لا يوجد تحولات في حياتنا).
وبسبب سرعة الملل فقدنا أي قدرة حقيقية على الإنجاز، فكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: آفة المتعلم الملل وقلة صبره على الدرس والنظر، والملول لا يكون حافظا، إنما يحفظ من دام درسه وكد فكره، وسهر ليله، لا من رفه نفسه)!
المصدر:
د. إسماعيل عرفة، الهشاشة النفسية، ص112