طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج4

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج4 | مرابط

الكاتب: أبو إسحاق الحويني

936 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الرد على من يقولون بترك الختان للمرأة

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

موضوع الختان كان نسيًا منسيًا، تدارك الناس فعله جيلًا بعد جيل، وفي خضم الأزمات والاهتمام بالصغائر والكبائر لم يطرق أحد مسألة الختان، ولم تشكل هذه الظاهرة أي مؤثرات سلبية على مدار القرون السالفة، ولم تلفت نظر أحدٍ على الإطلاق، ثم فجأة وببركات عقد مؤتمر السكان عندنا، والتمثيلية التي عرضت في الإعلام، قامت الدنيا وصار الحديث حول الختان، فأصدرت وزارة الصحة بيانًا إلى مديريات الصحة في المحافظات، ووقع في يدي صورة للخطاب الموجه من وزارة الصحة للمديريات في المحافظات، يفندون الختان من ثمانية أوجه؛ منها: أنه لا يجوز المساس بجسد الأنثى إلا بإذن الطبيب.

ومنها: أن الختان عادة جاهلية وليست إسلامية! وهذا بكل أسف ما ورد في الجرائد الرسمية على لسان المفتي وغيره! ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه ختن بناته الأربع! ومنها: أنه لم يجمع أحد من الفقهاء على وجوب الختان، والإجماع قائم على أنه غير ضروري! ومنها: أنه يسبب عقدًا نفسية للبنت، وبعض الأمراض الفتاكة منها: سرطان عنق الرحم، دون الأزمات النفسية والجانبية التي يسببها مثل هذا الأمر.

قلت لكم قبل ذلك: كأنهم يكتبون للصم البكم العمي وكأن الذين يخاطبونهم من الأموات، ليس عندهم كتاب، ولا قرءوا صفحة في الفقه، فهل الختان فعلًا سنة جاهلية؟ الجواب: لا.

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم من حديث عائشة، وأبو داود من حديث عمار وغيره: (خمس من الفطرة -وفي لفظ: الفطرة خمس- منها: الختان) ولفظ الفطرة لفظٌ ثابتٌ لا يتغير بتغير الشرائع، فالفطرة ثابتةٌ في جميع شرائع الأنبياء لا تتبدل، كالحدود وغيرها، وإنما هي من الثوابت، فإذا قلت الفطرة فاعلم أنه الشيء الذي لا يتبدل: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30].

فعندما نسمع الفطرة: نعرف أن هذه السنة موجودة من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا معنى كلمة (الفطرة) ومنها الختان، فكيف يقال: إن هذه عادةٌ جاهلية؟! ثانيًا: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل).

الختان الأول: كناية عن فرج الرجل، والختان الثاني: كناية عن فرج المرأة.

فإذا التقى الفرجان مجرد التقاء وجب الغسل، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث على سنية الختان بالنسبة للنساء: (إذا التقى الختانان... )، وهذا حديث صحيح عند البخاري ومسلم.

قال الشافعية والحنابلة: الختان للرجال والنساء واجب.

وواجب يعني: فرض، فمن لم يفعله يأثم.

فكيف يقال: إنه ليس أحد من الفقهاء قال بوجوبه؟! والرأي الراجح عند الشافعية وجوب الختان للرجال والنساء، والرأي المرجوح عند الشافعية أنه مكرمة للنساء فقط.

والصواب: أن الختان واجب على الرجال والنساء معًا، فإذا لم تختتن المرأة فهي آثمة، مع مراعاة هل البظر يحتاج إلى ختان أم لا؟ فقد يكون البظر صغيرًا خلقة فلا يحتاج إلى ختان، ولكن كلامنا فيمن تستحق الختان من النساء، أما الرجال فلا إشكال، لكن كلامنا على ختان النساء؛ لأن هذا هو الموضوع.

ومن الدلائل على وجوبه قول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:123] وثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم) جاء عليه ثمانون عامًا وأمر بالختان فاختتن بالقدوم.

والقدوم إما أن يكون اسم مكان أي: البلد التي كان يسكنها واختتن فيها، وإما أن يكون القدوم هو الآلة المعروفة، أنه قطع الجلدة الزائدة بالقدوم، فصار هذا من ملة إبراهيم التي أمرنا باتباعها.

ثانيًا: هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم مختلف في تصحيحه وتضعيفه، والظاهر حسنه، وقد حسنه من المتقدمين جماعة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخاتنه بالمدينة: (أشمي ولا تنهكي، فإنه أفضل للرجل وأحظى للمرأة) (أشمي ولا تنهكي) أي: لا تقطعي البظر قطعًا شديدًا فتنهكيه، إنما اقطعي منه القدر الزائد فقط، ولأن الأصل ألا تثبت عبادة إلا بدليل وهذا دليل، وما سبق أيضًا.

أما العلماء الذين قالوا: إن الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء، فاعتمدوا فيه على حديث منكر لا يصح، وهو ما رواه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء)، والممارس لألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا حديث أقرب إلى كلام الفقهاء منه إلى كلام النبوة، وهو منكرٌ كما حكم عليه البيهقي وغيره، فما بقي إلا القول بالوجوب ولا صارف من القول بالوجوب، فإذا كان العلماء اختلفوا هل هو واجب أم مستحب فلم يقل أحد منهم أنه عادةٌ جاهلية، أي: اختلفوا ما بين الاستحباب والوجوب، ومستحبٌ، أي: مشروع، حينئذٍ ينظر: هل فعلًا ترك الختان من مصلحة المرأة؟! حدثني بعض المتخصصين -وهو طبيب في أمراض النساء والولادة- في هذا المجال قال: إنه قرأ بحثًا إن ترك الختان للمرأة يصيب المرأة بسرطان في الرحم، ولذلك هذا النوع من المرض منتشر في نساء أوروبا وأمريكا أكثر منه في نساء الشرق.

ولا يوجد في نساء الشرق هذا المرض إلا لمامًا لمامًا، وما زالت الفاحشة على قدم وساق في بلاد أمريكا وأوروبا بسبب ترك الختان.

إننا ضد الختان بالطريقة الجاهلية، فلا بد على الذي يختن أن يكون عالمًا بالختان، وتكلم الفقهاء في مسألة الضمان إذا أتلف الخاتن بظر الأنثى بالكلية، أي: إذا قص الرجل الخاتن البظر كله هل عليه ضمان أم لا؟ أي هل عليه دية يدفعها أم لا؟ قالوا: عليه دية إذا لم يكن من العالمين، وليس عليه أن يقص البظر كله، وتكلم العلماء في هذا حتى وصلوا إلى مسألة الضمان.

وقالت الشافعية على وجه الخصوص: إذا تمالأ أهل بلدٍ على ترك الختان قاتلهم الإمام، فإذا علم الحاكم أن بلدًا تمالئوا وتكاتفوا على تركه فيجب على ولي الأمر أن يقاتلهم حتى لو قتلهم جميعًا، والمسألة موجودة في كتب الفقه فكيف يقال: إن هذا ليس من الإسلام؟! تصدر للتدريس كل مهوس بليد يدعي بالفقيه المدرس فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس هذا هو الواقع بالنسبة لديننا، فسيل كسيل العرم على أصحاب الصحف والمجلات تهاجم ما هو من ديننا، أيقال: ليس من الإسلام الختان؟! وليس من الإسلام في شيء النقاب؟! قلت لكم: يكتبون للصم البكم العمي، ولو فتح هذا المنكر أقل كتاب فقه أو مختصرات كتب الفقه لوجد هذه الأحكام السالفة وكلام العلماء فيها، فكيف لا يحاسب هؤلاء؟! إذا كان الحفاظ على دين الدولة أمر مرفوض، وهم يقولون بذلك: لا يحاكم هؤلاء، كيف لا يكون هناك حظر على نزع ما هو ضد الإسلام؟ فلا حمى له، ولا نريد أن نكتفي بأن نقول: للدين رب يحميه فقط! بل لا بد من بذل السبب.

إن الله أهلك أقوامًا كفوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعل الله يحفظنا بمثل هذا الصوت الذي ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف:164].

إن الله مسخ بني إسرائيل قردةً وخنازير؛ لأنهم لم يأمروا بالمعروف وتركوا المنكر فلم ينكروه، فلولا إنكار المنكر ما وصلك هذا الدين، فهذا الدين وصلك على أشلاء أناس ودمائهم، فما مالئوا ولا هادنوا ولا لانوا في جنب الله عز وجل، ولنا فيهم أسوةٌ حسنة، لا تأخذون دينكم إلا ممن تثقون في دينه وعلمه، كثرت الفتن، وأقبل بعضها تلو بعضٍ كأمواج البحر، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم، فلا بد من بذل السبب.

والسبب أنك تأخذ دينك من الكتب المعروفة الموثقة، وتأخذ فتواك من العلماء المحققين، ولا تعطي أذنك للذين يلونون مواقفهم ويتقلبون ظهرًا لبطن.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعافينا وإياكم من الفتن وأن يردنا إلى ديننا ردًا جميلًا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، والحمد لله رب العالمين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة
اقرأ أيضا
أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام | مرابط
فكر مقالات

أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام


جاء الإسلام أول ما جاء بإصلاح الأسرة وبنائها على الحب والبر والطاعة: الحب المتبادل بين أفراد الأسرة والبر من الأبناء للآباء والطاعة في المعروف من الزوجة للزوج وحاط ذلك كله بأحكام واجبة وتربية تكفل تلك الأحكام وتجعل تنفيذها صادرا من نفس الإنسان والرقابة عليها من ضميره فلا تحتاج إلى وازع خارجي وجعل تقوى الله والخوف منه حارسين على النفس والضمير فكلما هم الإنسان بالزيغ تنبهاه إلى لزوم الجادة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
898
خشوع الجوارح | مرابط
اقتباسات وقطوف

خشوع الجوارح


كنت أنظر له وليس بين لحيته المطأطئة ويده المقبوضة على صدره إلا صوت تراتيل قرآن يهمس به.. ومن أعجب مشاهد المصلين الخاشعين ما يغزو النفوس من الشعور بالهالة الإيمانية التي تطوقهم.. حتى يعتري الخجل من بجانبهم من الحديث ورفع الصوت.. كأنما ينشر الخشوع في المكان رسالة استنصات..

بقلم: إبراهيم السكران
451
الحكمة من خلق الخلق ج2 | مرابط
تفريغات

الحكمة من خلق الخلق ج2


تفريغ لمحاضرة هامة للشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني يقف فيها على سؤال بديهي وربما لا يخطر لكثير من الناس رغم حاجتهم الشديدة إليه ألا وهو: لماذا خلق الله الخلق من الملائكة والإنس والجن فمعرفة هذا الجواب وإدراك الغاية والحكمة من الخلق ربما يبدل الكثير من التصورات الخاطئة عند الناس ويعينهم على العودة إلى طريق الرشاد

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
436
غيرة الأب | مرابط
اقتباسات وقطوف

غيرة الأب


الرجال أغير على البنات من النساء فلا تستوي غيرة الرجل على ابنته وغيرة الأم أبدا وكم من أم تساعد ابنتها على ما تهواه ويحملها على ذلك ضعف عقلها وسرعة انخداعها

بقلم: ابن القيم
222
رد الإمام أحمد على المرجئة | مرابط
مناظرات

رد الإمام أحمد على المرجئة


تأويل من تأول القرآن بلا سنة تدل على معناها أو معنى ما أراد الله عز وجل أو أثر قال المروذي: أو أثر عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه فهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وشهدوا تنزيله وما قصه له القرآن وما عني به وما أراد به وخاص هو أو عام.

بقلم: أبو بكر الخلال
227
بين حضارة الجسد وحركات تحرير المرأة | مرابط
فكر مقالات

بين حضارة الجسد وحركات تحرير المرأة


في الغرب يتحدثون عن حقوق المرأة في الوقت الذي تتصاعد فيه معدلات الإباحية والعري ومحاصرة المرأة بمعايير تؤكد أهمية جسدها وتختزلها تماما فيه. في مقال متميز للأستاذ مصطفى المرابط بعنوان صناعة الأنوثة جاء فيه أن الصورة النمطية التي يتم تثبيتها تختزل المرأة في جسدها لم يعد يكتفى بتشيؤ هذا الجسد أي تحويلها إلى شيء إنما جعله في خدمة الشيء حيث يقدم طعما للترويج لسلعة أو منتوج. فالجسد يقدم تارة على أنه مادة للاستهلاك وتارة أخرى وسيلة للاستهلاك.

بقلم: عبد الوهاب المسيري
259