إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
المجتمع الذي يريده الله فإن الله سبحانه وتعالى حيي ستّير، وهو عز وجل يحب الفضائل، ويكره الرذائل، وقد حذرنا خطوات المنافقين لإشاعة الفاحشة، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النور:19)، ومعنى تشيع: أي تنتشر، وتشتهر بالقول والفعل.
فالله يريده مجتمعًا إسلاميًا، طاهرًا، نقيًا، فيه الفضائل، وتحارب فيه الرذائل، فليس لها مكان في ظل مجتمع يؤمن بالله ورسوله، ويسعى لتنفيذ حكم الله ورسوله، والله عز وجل خلق العباد وهو أبصر بهم، ويعلم ما في نفوسهم، وما يصلح لهم، ولذلك حرم الزنا، وحرم الخلوة بين الذكر والأنثى الأجنبيين، وأوجب الحجاب، وفرض حد القذف، وحد الزنا، وشرع الزواج وأكّد عليه، ففتحت الشريعة طرق العفاف، وسدت طرق الشر والرذيلة.
الحرب على الحجاب ولماذا؟
ولما أوجب الشرع الحكيم الحجاب على النساء، فإن ذلك من أسباب الفضيلة، فالحجاب عفة، وطهارة، ونقاء.
ونجد اليوم حملة شعواء على هذه الفريضة الإسلامية، وهذا الحكم الإلهي، فلماذا توجهت المطاعن، وأسنة الأعداء، ورماح المنافقين نحو هذه الفضيلة العظيمة، ولماذا صار الهجوم واضحًا، ومُركّزًا، وكان الحجاب مستهدفًا؟
أولًا: إن الكفرة لا يريدون أن تكون لنا فضيلة إطلاقًا، ولا يريدون بنا خيرًا أبدًا، ولا يريدوننا أن نتميز عنهم بطهر، ولا فضل، وكذلك المنافقون يتبعونهم، ويريدون إشاعة الشهوات المحرمة، كما قال سبحانه: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)(النساء:27)، قال مجاهد: الزناة يريدون أن يزني أهل الإسلام كما يزنون، وهذا كقوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)(النساء:89)؛ لأن أهل الشر والفساد يريدون جميع الناس مثلهم، ولا يريدون أن يكون أحد أفضل من أحد، ولا خيرًا من أحد، وليس بغريب على المنافقين أن يسخّروا أقلامهم، ومقالاتهم؛ لأجل الطعن في الحجاب، فالله تعالى أخبرنا عنهم ذكورًا وإناثًا.
فقال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(التوبة:67)، فليس بغريب أن تؤيد أقلام المنافقين، وألسنتهم، دعاة الكفر الذين يتهجمون على الحجاب فما قاله أولئك هناك، يتردد صداه عند المنافقين بين المسلمين، ولذلك وعد الله الفريقين وعدًا عظيمًا فقال:(وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ)(التوبة:68)، فالمصير واحد، بعضهم من بعض، فهؤلاء صدى لأولئك، (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)(التوبة:68)، هؤلاء المفسدون الذين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(البقرة:11)، أي: نحن دعاة إصلاح، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)(البقرة:12)، يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
أهداف معركة الحجاب
وأما بالنسبة لأهل الكفر فإنهم يريدون من وراء معركة الحجاب عزل المسلمين، ومحاصرة أهل الإسلام، وعدم انتشار الإسلام؛ لأن الحجاب دعوة صامتة على الإسلام، وهم يسعون للقضاء على الدين بكل طريقة، كما قال تعالى:(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(التوبة:32)، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)(التوبة:52)، فهؤلاء الكفرة عندما يهاجمون الحجاب حسدًا وبغيًا لنا على ما آتانا الله من الأحكام، حسدونا على الجمعة، وعلى التأمين، كما فعلت اليهود في المدينة، وهؤلاء حسدونا على الطهر والفضيلة، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا)(البقرة:109)، لماذا؟ (حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)(البقرة:109).
وقال عز وجل: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(البقرة:105)، أي: لا يريدون، ولا يودون، ولا يتمنون، ولا يحبون أي خير ينزل علينا من ربنا، (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(البقرة:105)، وبما أن أهل النفاق أعداء الشريعة، فهم يكرهون ما جاءت به الشريعة، فلذلك يحاربونه، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)(محمد:9)، فالمؤمن يطيع الله ورسوله، والمؤمنة تطيع ربها، ونبيها محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويتضافر الأزواج والزوجات، والآباء، والبنات، والإخوة والأخوات، والذكور والإناث عمومًا في المجتمع المسلم على تطبيق هذه الشريعة، ويتعاونون على هذه الأحكام؛ لأجل تنفيذ ما أمر الله به.
كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأحزاب:36)، فجاء الخطاب واضحًا للجميع، ابتداء من النبي صلى الله عليه وسلم فهو رجل، والحجاب للمرأة، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ)(الأحزاب:59)، تبتدئ القضية من الرجل الذي يقوم على أهله، فالخطاب بالحجاب موجه إليه، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ)(الأحزاب:59)، والإدناء في اللغة: هو إرخاء الحجاب من أعلى شيء إلى أسفل شيء، فلا يبقى شيء إلا ويغطيه.
وقال سبحانه (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)(النور:31)، وقال سبحانه (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب:33)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان))[1]، فأخبر أنها عورة، فيجب تغطية العورة؛ لأن ستر العورة واجب، وليس المقصود بالعورة الشيء القبيح، وأن المرأة مستقبحة، كلا والله، لكنها زينة يجب تغطيتها، وهذا هو المعنى، فبالنسبة للتغطية هي عورة، ولكنها بالنسبة للمكنون والحقيقة فهي زينة أيضًا، ولذلك قال: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)(النور:31)، وهناك زينة أصلية مثل: معالم الوجه، وهنالك زينة إضافية مثل: الحُلي.
الإشارات المرجعية:
- رواه الترمذي (1173). وصححه الألباني في صحيح الجامع (6690).
المصدر:
- https://almunajjid.com/speeches/lessons/47