السؤال
وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: أنكر بعضهم الدعاء... محتجا بحديث (فرغ ربك من ثلاث رزقك وأجلك وشقي أم سعيد) فهل هو كذلك؟
فأجاب بقوله:
ليس الأمر كما زعم هذا المنكر، ويلزمه إبطال الدعاء من أصله، لأن كل ما سيقع لك قد فرغ منه، وبذلك قال بعض المبتدعة، فأبطلوا الدعاء من أصله، وقالوا لا فائدة له؛ لأنه إن سبق وصول المدعو به للداعي، فالدعاء بوصوله عبث، وإلا فهو عبث أيضا.
وردَّ عليهم أهل السنة بأن المطلوب من الدعاء التذلل والخضوع؛ ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يسأل الله يغضب عليه) وفي بعض الآثار أن الله قال لموسى عليه الصلاة والسلام: (يا موسى اسألني كل شيء حتى ملح عجينك).
على أن له فائدة، وهي أن تلك المقدرات على قسمين:
منها ما أُبرم، وهو المعبر عنه بما في أم الكتاب الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا.
ومنها ما عُلق على فعل شيء، وهو المعبر عنه باللوح المحفوظ القابل للتغيير والتبديل، وأصل ذلك قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) [الرعد: 39]. فمن ذلك حديث أن زيارة الرحم تزيد في العمر...
وكذلك الدعاء: قد يكون المدعو به معلقا على الدعاء، فكان للدعاء فائدة أي فائدة.
على أن الدعاء لا يخيب أبدا؛ لأنه إن كان بما علق على الدعاء، فواضح وجود الفائدة فيه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء).
وإن كان بما لم يعلق على ذلك، ففائدته الثواب؛ لأن الدعاء من العبادة.
وأيضا: فيبدل الله الداعي بدل ما دعا به، مما لم يقدر له، بما هو مثل ذلك، أو أفضل منه، كما يليق بجوده وكرمه وسعة فضله وحلمه، ومن ثم أطلق سبحانه وتعالى الاستجابة للدعاء ولم يقيدها بشيء، فقال عز وجل: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [غافر: 60]، وقال: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) [البقرة: 186]
والفعل وإن كان في حيز الإثبات فلا عموم له، لكنه في مقام الامتنان للعموم، كما قالوا به في النكرة في سياق الامتنان، إذ الفعل والنكرة المثبتة من واد واحد، عموما وعدمه، فتأمل ذلك كله، فإنه ظهر لي بحمد الله ولا مزيد على حسنه وتحقيقه.
ثم رأيت بعضهم أشار لبعض ذلك فقال: لا ينكر الدعاء إلا كافر مكذب بالقرآن؛ لأن الله تعالى تعبد عباده به في غير ما آية، ووعدهم بالاستجابة على ما سبق في علمه من أحد ثلاثة أشياء على ما ورد في الحديث: استجابة، أو ادخار، أو تكفير عنه.
المصدر:
ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثية، ص92