ليست الدنيا دار جزاء

ليست الدنيا دار جزاء | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

2321 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

ستتعب إن قاومت هذه الحقيقة ومهما غالبتها ستبقى هي الحقيقة.. ليست الدنيا دار جزاء..

 

فلو كانت دار جزاء لما قُتل أنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام، ولما عُذّب عدد من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى الموت كياسر وسمية، دون أن يروا قائمة تقوم للإسلام، ولما حصل لأهل الأخدود ما حصل.

 

حقيقة البلاء

 

لذا فعندما تتفكر في فوائد البلاء فلا تحصر نظرتك في الدنيوية منها.. فالنفس تبحث دومًا عن ثمرة عاجلة "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ"

 

وإن لم يأت الفرج المترقب حتى الممات فإن القصة لم تنته "وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"

 

وقد خطّأ الله تعالى النظرة القاصرة التي تعتبر إغداق النعم في الدنيا إكراما من الله للإنسان والابتلاء إهانة "فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ" فإنما حقيقة الإكرام والإهانة في الآخرة، وأما الدنيا فدار بلاء.

 

قصة يوسف
 

في قصة يوسف عليه السلام، بعد أن بيّن الله تعالى أنه مكّن له في الأرض جزاء إحسانه قال تعالى "وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" .. خير من نقله من ظلمة السجن إلى كرسي الحكم، فحتى إن جوزيت خيرًا في الدنيا فعلق قلبك بأجر الآخرة الأعظم.

 

بيعة العقبة
 

في بيعة العقبة الثانية أخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الأنصار التزاما بالتضحية بكل شيء.. التزاما يعرضهم لابتلاءات في الأنفس والأموال والأولاد.. فما المقابل الذي وعدهم به إن قبلوا؟: "ولكم الجنة".. فالجزاء أخروي.. صحيح أن نصوصًا أخرى وعدت بجزاء دنيوي كذلك (كالآية 55 من سورة النور).. لكن هذا الجزاء على مستوى جماعة المؤمنين أما الأفراد فإن كثيرين منهم ماتوا ولم يستمتعوا به..

 

الطمأنينة والاستبشار
 

ويبقى نوع من النعيم يمنحه الله لكل مؤمن عاجلًا في هذه الدنيا زادًا يعينه على سلوك الطريق بمشتقاته: وهو طمأنينة النفس والاستبشار "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"

 

الدنيا ليست دار جزاء
 

إذا لم يستقر هذا المفهوم في نفس المسلم: أنه (ليست الدنيا دار جزاء)، فإنه ستسوء منه الظنون عندما يقارن وضعه الدنيوي بأوضاع من لا يؤمنون بالله تعالى.. لذا فقد نهانا الله عن إجراء هذه المقارنات الدنيوية "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ" ..

 

فارفع رأسك إلى السماء أيها المؤمن وتعرض لنفحات الجنة ولا تنزل ببصرك إلى ما فيه هؤلاء، فإنما هو فتنة لهم واستدراج.. قال عليه الصلاة والسلام "أولئك قوم عُجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا" (البخاري)

 

ومما ورد عن الحسن البصري رحمه الله "من لم يتعزّ بعزاء الآخرة تقطعت نفسه على الدنيا حسرات" .. نعم! سيتحسر على كل متاع دنيوي يفوته، خاصة إذا قارن نفسه بغيره.. أما المؤمن فيوقن بأن ما يفوته في الدنيا قد ادخر له أضعافه في الآخرة "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" .. وبأن توفية الأجور لا تكون إلا يوم القيامة "وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

 


 

المصدر:

  1. د. إياد قنيبي، حسن الظن بالله، ص145
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إياد-قنيبي #الدنيا #الآخرة
اقرأ أيضا
أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام | مرابط
تاريخ

أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام


ولعل منشأ هذا الحب العميق للإسلام عند الصديق رضي الله عنه هو الإخلاص الشديد في قلبه فالعمل المخلص لا يرتبط بوجود أشخاص أو هيئات أو ظروف إنما هو مرتبط بالله جل وعلا وبالتالي فالإخلاص يدفع صاحبه إلى العمل الدءوب في كل الأوقات وبالحماسة نفسها وهذا ما دفع الصديق رضي الله عنه إلى أن يبقى على هذه الروح في حمل الرسالة حتى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وإلى موته هو شخصيا رضي الله عنه فقد ظل يحمل هم الدعوة ويتحمل مسئولية الإسلام وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره

بقلم: د راغب السرجاني
1444
فإنها لا تعمى الأبصار | مرابط
مقالات

فإنها لا تعمى الأبصار


تسمع بين الفينة والأخرى صوت الهمز واللمز يزداد ويعلو حول هدي الإسلام وشعائره: كيف تتحملين النقاب في الحر الشديد؟ ازاي تستحملوا الكتمة دي؟ هل أنت عبدة لزوجك؟ ما لك تشبهين الخيمة السوداء في الطرقات؟ كيف تتحمل مظهرك بهذه اللحية؟ ألا ترى مظهرك مضحكا بهذا السروال القصير؟ يا أمة ضحكت من جهلها الأمم هل الدين يهتم بهذه المظاهر؟

بقلم: محمود خطاب
769
ليس عندكم إلا ابن تيمية؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

ليس عندكم إلا ابن تيمية؟


هنا إشكالية أجنبية عن مسألتنا أجدني مضطرا إلى معالجتها قبل الولوج لمناقشة شبهة تعارض العقل والنقل وهو إستطراد اضطراري لمعالجة إشكالية يكثر تداولها عند إستجلاب أي كاتب سلفي لابن تيمية رحمه الله في مثل هذه السياقات وتتلخص هذه الإشكالية في الإعتراض الشهير: أنتم ليس عندكم إلا ابن تيمية؟

بقلم: عبد الله العجيري
1041
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2


تناحر الأحزاب وتشاحنها فإن الديمقراطية تسمح بتكوين أحزاب وهذه الأحزاب تشحذ همم الناس على ترشيحها وقد تصل إلى السلطة وقد لا تصل إليها وهذا يفرق وحدة المسلمين والله عز وجل قد أمر بالوحدة والألفة فقال الله عز وجل وإن هذه أمتكم أمة واحدة المؤمنون 52 وأمر سبحانه وتعالى بالاجتماع على كلمة سواء ونهى عن التفرق والاختلاف فتكوين الأحزاب بهذه الطريقة هو تفريق لوحدة الأمة

بقلم: عبد الرحيم السلمي
758
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت | مرابط
اقتباسات وقطوف

إذا لم تستحي فاصنع ما شئت


مقتطفات من كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب رحمه الله وهو من أشهر وأبرز المؤلفات الجامعة لأصول وكليات الدين

بقلم: ابن رجب الحنبلي
540
خرافة تحديد النسل | مرابط
فكر مقالات

خرافة تحديد النسل


الفقر الواقع أو المتوقع لا يعود إذن إلى علل طبيعية بل إلى سوء تصرف واضطراب إدارة أو كما يقول الاقتصادى الأمريكى المشهور بول باران : إننا يجب أن ندق ناقوس الخطر لا لأن القوانين الأبدية فى الطبيعة قد جعلت من المستحيل إطعام سكان الأرض بل لأن النظام الاقتصادى الاستعمارى يحكم على جموع كثيفة من الناس لم يسمع بضخامتها من قبل أن تعيش فى كنف الفاقة والتدهور والموت قبل الأوان

بقلم: محمد الغزالي
768