مختصر قصة الأندلس الجزء السادس

مختصر قصة الأندلس الجزء السادس | مرابط

الكاتب: موقع قصة الإسلام

1643 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أسباب سقوط دولة الموحدين


1- ظلمهم الفظيع للمرابطين وسفكهم للدماء واعتداؤهم على الأموال وسبيهم للنساء بدون وجه حق، فمضت فيهم سُنَّة الله في الظلم والظالمين.
 
2- من أسباب السقوط ثورة بني غانية وهم من بقايا المرابطين، حيث قامت هذه الثورة على أسس فكرية ناهضت الأسس التي قامت عليها دولة الموحدين.
 
3- ثورات الأعراب المتتالية؛ حيث إن قبائل بني سليم وبني هلال التي سكنت إفريقية والمغرب الأوسط وبعد ذلك المغرب الأقصى لا تنظر إلا لمصالحها، فأحيانًا تتحالف مع بني غانية ضد الموحدين وأحيانًا تخضع لدولة الموحدين.
 
4- ثورات الأندلس ضد دولة الموحدين: ومن أشهر هذه الثورات، ثورة محمد بن مردنيش الذي لم يتم القضاء عليه إلا بعد ربع قرن من تحالفه مع النصارى.
 
5- النزاع على الخلافة بين الموحدين ولم يستطيعوا أن يضعوا نظامًا ثابتًا لتولِّي الخلافة عندهم.
 
6- أيضًا من العوامل المسئولة عن سقوط الموحدين الترف والانغماس في الشهوات[1].

 

دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة ( 620- 897هـ )

كانت مملكة غرناطة هي بقية ملك المسلمين في الأندلس بعد أن تمزق دولتهم، ووقوع أكثر المدن الكبرى في أيدي الصليبيين، وكان منشئ دولة بني الأحمر رجلاً عربيًا من بني نصر الدين – يقال إنهم ينتسبون إلى خزرج المدينة – ويدعى محمد بن يوسف، كان رجلاً شديد المراس ذا خلق كريم وكفاية نادرة، ولذلك لُقِّب بالشيخ اعترافًا له بالزعامة في بني النضير، ونظرًا للظروف التي كان المسلمون يمرون بها بالأندلس لم يكن بنو الأحمر يطمحون في أكثر من المحافظة على غرناطة، وقد كان ملوك غرناطة يطلبون المساعدة من بني مرين في المغرب ليساعدوهم في الحفاظ على ملكهم[2].
 
وبعد موت محمد الخامس توالى على عرش غرناطة عدد من ملوك بني الأحمر لم تكن لهم قوة أسلافهم ولا حذرهم ولا حيطتهم فعاشوا عيشة ترف ولهو، وفي الوقت الذي أخذ فيه الضعف يدب في أوصال غرناطة، بدأ النشاط والقوة تتجمع في إسبانيا المسيحية، فقد تزوج فرديناند ملك أراغون من إيزابيلا ملكة قشتالة واتحدت المملكتان ضد غرناطة.
 
وفي سنة 897هـ= 1492م أراد فرديناند أن يحسم الجولة فخرج بجيش قوامه 50.000 وحاصر المدينة، ولم يجد أبو عبد الله حاكم المدينة آنذاك بدًا من مفاوضة الصليبين، ولكن قائده موسى لم يرضَ بالتسليم للعدو، فلبس سلاحه وركب جواده، وغاص في الأعداء ضربًا وطعنًا حتى قتل غرقًا، مفضلاً ميتة كريمة عن حياة ذليلة[3].

 

شروط التسليم

كانت شروط التسليم سبعة وستين شرطًا، منها:
 
- تأمين المسلمين على أنفسهم وأهلهم وأموالهم
 
- وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم
 
- وإقامة شريعتهم على ما كانت عليه
 
- وأن تبقى المساجد كما كانت
 
- ولا يُقهَر أحد على ترك دينه
 
- وأن يسير المسلم في بلاد النصارى آمنًا على نفسه وماله
 
- وأن يطلق سراح أسرى المسلمين
 
- وأن يكون لهم الحق في الخروج إلى أفريقية بأموالهم وأولادهم متى شاءوا.
 
وافق المسلمون على هذه الشروط ولم يكن أمامهم خيار آخر، ووقف عبد الله في ثلة من فرسانه بسفح جبل الريحان فلما مر موكب فرديناند وإيزابيلا تقدم فسلم مفاتيح المدينة ووقف من بعيد يودع ملكًا ذهب ومجدًا ضاع فلما رأته أمه ( عائشة الحرة) يبكي؛ قالت: "ابكِ مثل النساء ملكًا مضاعًا لم تحافظ عليه مثل الرجال"، ثم هاجر أبو عبد الله إلى المغرب ونزل بفاس؛ حيث عاش هو وأبناؤه على سؤال المحسنين[4].

 

حركة إزالة الإسلام في الأندلس

لم تكن دموع أبي عبد الله آخر دموع سكبت بالأندلس بل تلتها دموع، ذلك أن النصارى ما لبثوا أن تنكروا لعهودهم ونقضوا الشروط، إلى أن آل الأمر إلى حملهم المسلمين على التنصير، فقد استصدرت المراسيم تخير المسلمين بين التنصير أو مغادرة البلاد؛ ففي 4 من محرم 907هـ صدر المرسوم الملكي بمنع وجود المسلمين في مملكة غرناطة، وحظر اتصال المسلمين بعضهم ببعض، ومن يخالف تلك الأوامر يكون جزاؤه الموت ومصادرة أملاكه.
 
في 13من رمضان 908هـ= 12من فبراير 1502م صدر المرسوم الذي يحتِّم على كل مسلم حر يبلغ الرابعة عشرة من عمره إن كان ذكرًا والثانية عشر من عمرها إن كانت أنثى مغادرة غرناطة قبل أول شهر مايو من العام نفسه، ولا يسمح لمن يريد الخروج التصرف في أمواله وممتلكاته، ولا يكون الخروج إلى شمال إفريقيا؛ لأنها بلد إسلامية.
 
في 19 من ربيع الأول سنة 920هـ= 12مارس سنة 1524م صدر الأمر البابوي بإجبار المسلمين على اعتناق الكاثوليكية، ومن أبي ذلك فعليه الخروج من إسبانيا خلال مدة معينة أو يصبح عبدًا رقيقً مدى الحياة، وفي ختام الأمر قرار يجعل كل المساجد كنائس، ورغم تنصُّر الكثيرين إلا أنهم لم يُترَكوا لحالهم، ولم يَسْلَموا من التعذيب والمطاردة.
 
وفي سنة 1007هـ= 1599م صدر المرسوم الملكي باسترقاق شباب المتنصِّرين والكهول منهم، ومصادرة أموالهم ونفيهم إلى خارج البلاد وأخذ الأطفال وإيداعهم المعاهد الدينية المسيحية ليتلقوا تربيتهم.
 
وفي 1018هـ=1609م صدر المرسوم الملكي بنفي كل المتنصرين إلى بلاد البربر خلال ثلاثة أيام من نشر القرار، وتم تقدير عدد المنفيين بعد ذلك بأكثر من مليون شخص.
 
وأخذ الأسبان يلفقون تهمًا غريبة لبقايا المسلمين وكان العقاب جاهزًا ومتشابهًا في كل الحالات: فمن الحرق إلى الجلد ومصادرة الممتلكات أو التشهير، ومن التهم التي كانت تُلَفَّق للمسلمين مثلاً: كثرة الاستحمام، أو تكفين الميت في ثياب جديدة، أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أو اقتناء القرآن، أو إحراز أوراق أو كتب عربية، أو إنشاد أغاني عربية أو الامتناع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أو الوضوء والقيام إلى الصلاة أو الصيام[5].
 
ظلَّ الأندلس بعد ذلك شبه خالٍ من المسلمين، إلا من الآثار الإسلامية، والعمران غير المسبوق الذي تركه المسلمون ما يزال شاهدًا على التقدم الذي شهده الأندلس خلال الحكم الإسلامي، وما زالت إسبانيا المسيحية حاليًا تقتات على الدخل السياحي الكبير الذي تدرُّه تلك الآثار الإسلامية التي امتهن النصارى بعضها؛ فحوَّلوه إلى كنيسة، أو متحف.
 
لقد شُغِف العالم بما شيده المسلمون كمدينة الزهراء التي لم يُبْنَ مثلُها، وقصر الحمراء بغرناطة، والمسجد الكبير بقرطبة الذي شوهه ألفونسو عند دخوله قرطبة؛ فقد جعل في أحد مداخل المسجد كاتدرائية، وأمر بتعليق أجراس الكنائس على المآذن، والآن يُمنَع أن تقام فيه الصلاة ويصعب دخوله إلاّ بتذكرة مدفوعة الثمن!
 
وما زالت الصليبيون في الأندلس المفقود يحاولون تشويه التاريخ، ويكذبون على العالم كله؛ فقد شاهدنا جميعًا حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية بمدينة برشلونة الأسبانية عام 1992م، وقد أُقِيمت هناك عمدًا في الذكرى الخمسمائة لطرد المسلمين من الأندلس، ورأينا كيف صور النصارى الإسبان من خلال فقرات الحفل الفاتحين المسلمين؛ فقد صوروهم كشياطين وقوى شريرة ترتدي السواد تأتي في سفن من قلب الظلام؛ لتحاول فتح الأندلس؛ فيبرز لها من خلف الأسوار ملائكة ترتدي البياض تشير إلى الصليبيين المجرمين؛ فيهزموا قوى الشر – المسلمين – ويردوهم على أعقابهم.
 
لقد مرَّ الحفل على الكثيرين، ولم يفهموا المعنى المراد؛ وذلك لأننا في غيبة عن تاريخنا المجيد، وفي ذهول عن محاولة إعادة ذلك التاريخ؛ بالنهضة والعلم، وقبل ذلك وبعده بالتمسك بصحيح الإسلام.

 


 

المصدر:

موقع قصة الإسلام

 

الإشارات المرجعية:

  1. السابق نفسه ص 165-172.
  2. فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 405- 406.
  3. السابق نفسه ص 408
  4. السابق نفسه ص 408-409.
  5. فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 411-413.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#قصة-الأندلس
اقرأ أيضا
تفسير سورة العصر 1 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 1


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
538
الانحراف العقدي يبدأ صغيرا ثم يستفحل: ابن رشد الحفيد نموذجا | مرابط
فكر

الانحراف العقدي يبدأ صغيرا ثم يستفحل: ابن رشد الحفيد نموذجا


ولو تأملت ستجد أن هذين السببين ترجع إليهما أسباب انحراف جميع الفرق.. فكلهم: حصل عندهم خلل في فهم النصوص فهما يتوافق مع فهم السلف. وحصل عندهم انحراف يتناسب في شدته واتساعه مع البعد عن الفهم الصحيح للنصوص.

بقلم: أحمد بن محمد الخليل
441
حب الظهور | مرابط
فكر تفريغات

حب الظهور


روي أن أعرابيا بال في ماء زمزم فقام الناس عليه فأمسكوا به وقالوا: ما حملك قال: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات يعني: المهم عنده الصيت ولذلك هذا المرض الخطير يمكن أن يجعل الإنسان يعمل من البلايا ما الله به عليم لأجل فقط أن يخرج صيته يعمل أي شيء له حاجة أوليس له حاجة له داع أو ليس له داع يحرك ساكنا ويسكن متحركا المهم أن يخرج صيته أمام الناس

بقلم: محمد صالح المنجد
2351
تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات | مرابط
فكر مقالات

تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات


نحن شعوب متخاذلة قد غفلت عن حقيقة الحياة فواجبنا أن نعمل على إيقاظ هذه الشعوب من سنة النوم التي طالت بها وقتلت فيها مادة النشاط التي تدفعها إلى تحقيق الأغراض النبيلة التي خلق من أجلها الإنسان على الأرض أجل وهذه الشعوب نفسها هذا الشرق قد أثبت في التاريخ مرات أنه قادر على صناعة الحضارات والمدنية يتقنها ويستجيدها ويطهرها من أدران البلاء التي تعصف بإنسانية الإنسان كما تعصف الريح بأوراق الشجر فلم لا يثبت الشرق مرة أخرى في التاريخ الحديث أنه لم ينس هذه الصناعة وأن أنامله الرفيقة لا تزال قادرة على...

بقلم: محمود شاكر
1298
كيف فهم السلف قيمة الدين؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

كيف فهم السلف قيمة الدين؟


لماذا فعل البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم ذلك؟!لماذا وظفوا كل طاقاتهم في هكذا حياة؟!ما الذي يدفع إنسان لبذل نفسه في الحفظ والارتحال بين البلاد مع كل ما فيه من مشقة وقتئذ بطبيعة الحال؟!لماذا يتركون التنعم بالدنيا ولذاتها ومتعها في سبيل ذلك مع ما فيهم من ذكاء وتوقد كان من الممكن أن يبلغوا به المراتب العظيمة؟!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
287
تعليم العربية | مرابط
لسانيات

تعليم العربية


إن أسباب ضعف النشء في العربية ليس يرد إلى المعلم والكتاب بل مرده إلى المنهج الذي يقيد المعلم بقيود كثيرة ترفع عنه التبعة في نتيجة التعليم ويقيد الكتاب بمثلها ويعطي النشء ما لا يصلح عليه لسان ولا يستقيم به تعليم لغة فلو أنت نظرت لما رأيت شعبا من شعوب الأرض المتعلمة يفعل بلغته ما نفعل نحن من التجاهل للآثار الأدبية وقلة الاحتفال بتزويد الناشيء بمادتها التي تحفظها لتكون أبدا على مد الذاكرة وفي طلب اللسان

بقلم: محمود شاكر
386