مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة

مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة | مرابط

الكاتب: أحمد عبد السلام

406 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الحمد لله؛
من محاسن تشريع الزكاة؛ رعاية نفوس الأغنياء، وعدم إضرارهم في أموالهم. فعلى عكس ما قد يظنه البعض، أن أحكام الزكاة تراعي حق الفقراء فقط، فإن الشريعة توازن بين حقوق المستحقين، وحقوق أصحاب المال.

  • فلا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المال نصابا مقدرا، لأن المال القليل لا يصلح لمواساة الغير منه، فلم تلزم الشريعة صاحبه بذلك.
  • ولا تجب إلا إذا حال الحول على المال دون أن ينقص عن النصاب، لتكون تلك علامة على أن هذا المال فائض عن الحاجات الاصلية، فيصلح أن يقتطع منه لغيره.
  • ولا يجب إلا في مال نامي، أي معدا للاستنماء، أو يكون هو نماء في ذاته، فلم تفرض الشريعة الزكاة في شيء تقتنيه للاستهلاك والانتفاع به، لأن ذلك يؤدي لتآكله.
  • ثم تراعي طريقة تنمية المال، فيتناسب القدر الواجب عكسيا مع التكاليف الأصلية، كما في زكاة الزروع فيكون الواجب هو العشر فيما سُقي بالمطر أو العيون ونحوها، ويكون نصف العشر إذا سقي بالنضح ونحوه مما فيه كلفة.
  • ثم تراعي التخفيف في (خرص المحصول) أي تقديره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع".
    وقال عمر: "خففوا عن الناس في الخرص، فإن في المال العارية، والواطئة، والآكلة".
    أي أن هذه الثمار يخرج منها قدر يأكله أهل السبيل، والمارة، والضيوف، وأرباب الثمر، وجيرانهم .. إلخ.
    فأمر بأن يراعى كل ذلك عند تقدير كمية المحصول.
  • وتنهى عن أخذ أجود المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "ﺇﻳﺎﻙ ﻭﻛﺮاﺋﻢ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ"، ﻭﻗﺎﻝ "إﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻜﻢ ﺧﻴﺮﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺸﺮﻩ".
    فلا ﻳﺆﺧﺬ ﻓﻲ اﻟﻔﺮﺽ اﻟﺘﻲ ﻭﻟﺪﺕ ﻭﻣﻌﻬﺎ ﻭﻟﺪﻫﺎ، ﻭﻻ اﻟﺤﺎﻣﻞ ولا اﻟﺴﻤﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﻋﺪﺕ للأكل، ﻭﻻ ﻓﺤﻞ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺬﻱ ﺃﻋﺪ ﻟﻠﻀﺮاﺏ، ﻭﻻ خيار المال، كل ذلك رفقا بصاحبه.
  • ومع ذلك كله فالقدر الواجب قدر صغير لا يؤثر على المال، ولا يعضل صاحبه، كما قال تعالى:《يسألونك ماذا ينفقون قل العفو》
    فهذا وكل ما مر ذكره، يؤكد أن الشريعة الربانية الحكيمة لا يمكن أن تلزمك بمواساة الفقراء على نحو يؤول بك إلى أن تكون فقيرا محتاجا.
  • ثم جعلت الشريعة وضع الزكاة في أقارب المتصدق وأرحامه المستحقين أولى، إذا كانوا ممن لا تجب نفقتهم، فإن المرء لا تطيب نفسه بأن يؤخذ ماله للغريب، وفي أقاربه من يحتاجه.
  • ثم بعد ذلك كله يبشر الله المتصدق بالأجر العظيم في الآخرة، والعوض والبركة في الدنيا، حتى تطيب نفسه بها، ويدفع عن نفسه وساوس الشح والبخل.

بل حتى في تسمية الشرع للصدقة الواجبة (زكاة) حكمة ولطف، فإن الزكاة كلمة تدل على معاني: النماء، والزيادة، والبركة، والتطهير، وكل ذلك يبشر المتصدق بأن الزكاة صيانة لماله وتطهير له، لا تنقيص منه، بل هي قرض لله يرده الله إليه أحسن مما دُفع كما قال تعالى:《ﻣﻦ ﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﻘﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻗﺮﺿﺎ ﺣﺴﻨﺎ ﻓﻴﻀﺎﻋﻔﻪ ﻟﻪ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﻘﺒﺾ ﻭﻳﺒﺴﻂ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺗﺮﺟﻌﻮﻥ》

فقارن أيها العاقل بين هذه المحاسن في شريعة الزكاة في دين الإسلام، وبين من شرائع أخرى تفرض العشور في كل شيئ، وعلى الغني والفقير، وتأخذ البكور من أموالهم، فيجب أن يدفعوا أول محصول، وأول راتب، وأول ريح تجارة، وأول نتاج حيوان ..إلخ.

وكذلك قارن هذه الشريعة الربانية بالضرائب والمكوس التي تفرضها الشرائع الوضعية، فتثقل بها كواهل الخلق، وتقتطع منهم أقواتهم الذين هم في أمس الحاجة إليها.

فالحمد لله على نعمة دين الإسلام، وصدق ربنا جل في علاه:
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3 | مرابط
تفريغات

حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3


صرح قطز لأمرائه أنه ما طلب الملك إلا لحرب التتار فبدأ الأمراء المماليك يترددون فقد وصلت أنباء التتار المخيفة عن حرب التتار لكن قطز رحمه الله بدأ يضرب لهم مثلا رائعا في فهمه للإسلام ويعطي لهم قدوة راقية في الجهاد لقد أعلن قطز لهم أنه سيذهب بنفسه لحرب التتار ويكون مع جنوده في قلب المعركة ولن يرسل جيشا ويبقى هو في عرينه بمصر بل سيذوق مع شعبه ما يذوقون ويتحمل ما يتحملون ولو أرسل قطز جيشا وبقي هو في القاهرة ما لامه أحد ولكنه لم ير هناك وسيلة أفضل من ذلك لتحميس القلوب الخائفة وتثبيت الأفئدة المضط...

بقلم: د راغب السرجاني
662
مشهد السفينة واللجوء إلى الله | مرابط
مقالات

مشهد السفينة واللجوء إلى الله


هذه الصورة التي يكررها القرآن عن السفر بالسفن واليخوت انقلها بحذافيرها إلى وسيلة نقل مشابهة كالطائرة أو القطارات أو السيارات وتأمل كيف يكون الإنسان فيها قلقا وخصوصا إذا مر بظروف طبيعية كرياح تثير الاضطراب ثم إذا نزل على الأرض نسي استكانته وتضرعه وعزيمته على الاستقامة.. تذكر هذه الصورة التي نمر بها وأعد قراءة آية يونس وآية الإسراء السابقتين تنكشف لك من معاني الإيمان والتعلق بالله مالم يخطر ببالك..

بقلم: إبراهيم السكران
257
حقيقة التخاطر | مرابط
أباطيل وشبهات

حقيقة التخاطر


عقيدة التخاطر تقوم على فكرة وحدة الوجود وغيرها من العقائد الفاسدة للديانات القديمة وادعاء لإمكانية معرفة الغيب الذي هو ركن من أركان الدين وحاول بعضهم أسلمة هذه العقيدة بنصوص لا تدل على ذلك

بقلم: قاسم اكحيلات
313
الألسنة التي اتخذت الإسلام لغوا | مرابط
اقتباسات وقطوف

الألسنة التي اتخذت الإسلام لغوا


وإذا هؤلاء المتبعون يعدون هذه الضلالة دينا ويظنون هذا الدين الجديد إحياء للإسلام وإذا هم يأخذون دينهم من حيث نهوا أن يأخذوا يأخذونه عن مبتدع في الدين برأيه محيل لنصوصه بفساد نشأته مبدل لكلماته بهوى في نفسه محرف للكلم عن مواضعه بما يشتهي وما يحب

بقلم: محمود شاكر
686
الدعاء والشكر | مرابط
تعزيز اليقين

الدعاء والشكر


من متع الحياة الدنيا: أن تكون عبدا مكروبا بكرب دنيوي أو محتاجا لشيء من لعاعة الدنيا فتلح بالدعاء والطلب من الله. ربنا العظيم الكبير الجليل المالك ذي الجلال والجبروت والملكوت.. فتدعوه مع التذلل له ويرزقك الخضوع والانصياع التام والفقر التام ولو بعد حين من الدعاء.

بقلم: خالد بهاء الدين
431
المعاصي في سجن الشيطان | مرابط
اقتباسات وقطوف

المعاصي في سجن الشيطان


ومن عقوبات الذنوب أن العاصي دائما في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه فهو أسير مسجون مقيد ولا أسير أسوأ حالا من أسير أسره أعدى عدو له ولا سجن أضيق من سجن الهوى ولا قيد أصعب من قيد الشهوة فكيف يسير إلى الله والدار الآخرة قلب مأسور مسجون مقيد وكيف يخطو خطوة واحدة

بقلم: ابن القيم
750