مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة

مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة | مرابط

الكاتب: أحمد عبد السلام

295 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الحمد لله؛
من محاسن تشريع الزكاة؛ رعاية نفوس الأغنياء، وعدم إضرارهم في أموالهم. فعلى عكس ما قد يظنه البعض، أن أحكام الزكاة تراعي حق الفقراء فقط، فإن الشريعة توازن بين حقوق المستحقين، وحقوق أصحاب المال.

  • فلا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المال نصابا مقدرا، لأن المال القليل لا يصلح لمواساة الغير منه، فلم تلزم الشريعة صاحبه بذلك.
  • ولا تجب إلا إذا حال الحول على المال دون أن ينقص عن النصاب، لتكون تلك علامة على أن هذا المال فائض عن الحاجات الاصلية، فيصلح أن يقتطع منه لغيره.
  • ولا يجب إلا في مال نامي، أي معدا للاستنماء، أو يكون هو نماء في ذاته، فلم تفرض الشريعة الزكاة في شيء تقتنيه للاستهلاك والانتفاع به، لأن ذلك يؤدي لتآكله.
  • ثم تراعي طريقة تنمية المال، فيتناسب القدر الواجب عكسيا مع التكاليف الأصلية، كما في زكاة الزروع فيكون الواجب هو العشر فيما سُقي بالمطر أو العيون ونحوها، ويكون نصف العشر إذا سقي بالنضح ونحوه مما فيه كلفة.
  • ثم تراعي التخفيف في (خرص المحصول) أي تقديره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع".
    وقال عمر: "خففوا عن الناس في الخرص، فإن في المال العارية، والواطئة، والآكلة".
    أي أن هذه الثمار يخرج منها قدر يأكله أهل السبيل، والمارة، والضيوف، وأرباب الثمر، وجيرانهم .. إلخ.
    فأمر بأن يراعى كل ذلك عند تقدير كمية المحصول.
  • وتنهى عن أخذ أجود المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "ﺇﻳﺎﻙ ﻭﻛﺮاﺋﻢ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ"، ﻭﻗﺎﻝ "إﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻜﻢ ﺧﻴﺮﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺸﺮﻩ".
    فلا ﻳﺆﺧﺬ ﻓﻲ اﻟﻔﺮﺽ اﻟﺘﻲ ﻭﻟﺪﺕ ﻭﻣﻌﻬﺎ ﻭﻟﺪﻫﺎ، ﻭﻻ اﻟﺤﺎﻣﻞ ولا اﻟﺴﻤﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﻋﺪﺕ للأكل، ﻭﻻ ﻓﺤﻞ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺬﻱ ﺃﻋﺪ ﻟﻠﻀﺮاﺏ، ﻭﻻ خيار المال، كل ذلك رفقا بصاحبه.
  • ومع ذلك كله فالقدر الواجب قدر صغير لا يؤثر على المال، ولا يعضل صاحبه، كما قال تعالى:《يسألونك ماذا ينفقون قل العفو》
    فهذا وكل ما مر ذكره، يؤكد أن الشريعة الربانية الحكيمة لا يمكن أن تلزمك بمواساة الفقراء على نحو يؤول بك إلى أن تكون فقيرا محتاجا.
  • ثم جعلت الشريعة وضع الزكاة في أقارب المتصدق وأرحامه المستحقين أولى، إذا كانوا ممن لا تجب نفقتهم، فإن المرء لا تطيب نفسه بأن يؤخذ ماله للغريب، وفي أقاربه من يحتاجه.
  • ثم بعد ذلك كله يبشر الله المتصدق بالأجر العظيم في الآخرة، والعوض والبركة في الدنيا، حتى تطيب نفسه بها، ويدفع عن نفسه وساوس الشح والبخل.

بل حتى في تسمية الشرع للصدقة الواجبة (زكاة) حكمة ولطف، فإن الزكاة كلمة تدل على معاني: النماء، والزيادة، والبركة، والتطهير، وكل ذلك يبشر المتصدق بأن الزكاة صيانة لماله وتطهير له، لا تنقيص منه، بل هي قرض لله يرده الله إليه أحسن مما دُفع كما قال تعالى:《ﻣﻦ ﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﻘﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻗﺮﺿﺎ ﺣﺴﻨﺎ ﻓﻴﻀﺎﻋﻔﻪ ﻟﻪ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﻘﺒﺾ ﻭﻳﺒﺴﻂ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺗﺮﺟﻌﻮﻥ》

فقارن أيها العاقل بين هذه المحاسن في شريعة الزكاة في دين الإسلام، وبين من شرائع أخرى تفرض العشور في كل شيئ، وعلى الغني والفقير، وتأخذ البكور من أموالهم، فيجب أن يدفعوا أول محصول، وأول راتب، وأول ريح تجارة، وأول نتاج حيوان ..إلخ.

وكذلك قارن هذه الشريعة الربانية بالضرائب والمكوس التي تفرضها الشرائع الوضعية، فتثقل بها كواهل الخلق، وتقتطع منهم أقواتهم الذين هم في أمس الحاجة إليها.

فالحمد لله على نعمة دين الإسلام، وصدق ربنا جل في علاه:
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
موانع قبول الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

موانع قبول الحق


مقتطف رائع لابن قيم الجوزية من كتاب هداية الحيارى يشير فيه إلى موانع قبول الحق التي تحول بين الشخص وبين الانقياد للحق حتى لو أنه ليس جاهلا به فهناك الكثير من المحاور الأخرى أو الأسباب الأخرى التي تمنع ذلك وهنا يستعرضها لنا بشكل دقيق

بقلم: ابن القيم
2145
أحاديث وفضائل شهر رجب | مرابط
مقالات

أحاديث وفضائل شهر رجب


رجب: من الترجيب وهو التعظيم ويجمع على أرجاب ورجاب ورجبات ومن أسمائه رجب مضر ومنصل الأسنة والأصم والأصب ومنفس ومطهر ومعلي ومقيم وهرم ومقشقش ومبريء.. أما ما يروجه بعضهم من أن سمي بالأصب لأن الله يصب فيه الرزق فباطل.

بقلم: قاسم اكحيلات
689
النفس جبل عظيم شاق | مرابط
اقتباسات وقطوف

النفس جبل عظيم شاق


النفس جبل عظيم شاق في طريق السير إلى الله عز وجل وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل فلابد أن ينتهي إليه ولكن منهم من هو شاق عليه ومنهم من هو سهل عليه وإنه ليسير على من يسره الله عليه.

بقلم: ابن القيم
419
فن أصول التفسير ج8 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج8


مهما جلسنا نستنبط من آيات الله سبحانه وتعالى ونذكر الفوائد والمسائل المتعلقة بالآيات فإننا يمكن أن نجلس من صلاة العشاء إلى الفجر في سورة واحدة ونحن نستخرج هذه الفوائد والنفائس ولا شك أن هذا مما يدل على عظمة القرآن ومجده لأن الله سبحانه وتعالى وصفه بالمجد فهو مجيد في ألفاظه ومجيد أيضا في معانيه ومجد المعاني أي: أن معانيه متسعة

بقلم: مساعد الطيار
649
لحظة فداء | مرابط
فكر مقالات

لحظة فداء


كل ما نعرف من رحمة الأبوة والأمومة بأطفالهم فإنه سيذهب بها هول لحظة مشاهدة النار يوم القيامة فيتمنى الأب العطوف والأم الحنون أن يتخلصوا من هذه النار حتى لو أرسلوا فلذات أكبادهم إليها يقول الحق تبارك وتعالى في مشهد مرعب: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أطفالهم الذين كانوا يفدونهم ويقدمونهم على أنفسهم ستأتي لحظة الفداء الكبرى التي تصعق فيها النفوس من شدة الهلع حين تسمع فوران نار يوم القيامة وشهيق لهبها وهي تأكل الناس والحجارة وأمام ذلك المشهد فإن الوالد يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببني...

بقلم: إبراهيم السكران
1282
دلالة الانفراد بالكمال على توحيد العبادة | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

دلالة الانفراد بالكمال على توحيد العبادة


الاتصاف بالكمال المطلق إنما يدل في هذا الباب على استحقاق صاحبه للعبادة أما دلالته على توحيد العبادة واستحقاق الله عز وجل أن يفرد بها فمن حيث إن من لم يبلغ هذا الكمال ولم يتصف به لزمه الاتصاف بضده مما ينافي التعبد فطرة وعقلا وعلى هذا فكل ما جاء في الكتاب والسنة من صفات الجلال والكمال الثابتة للرب -تبارك وتعالى- فإنها أدلة على استحقاقه لأن يفرد بالعبادة إذ لم يشاركه أحد في شيء من ذلك الكمال الإلهي

بقلم: سعود بن عبد العزيز العريفي
2009