وكانوا خلقا كثيرا ومعلوم أن الخلق الكثير الذين اتبعوا شخصا قد جاء بدين لا يوافقه عليه أحد وطلب منهم أن يؤمنوا به ويتبعوه ويفارقوا دين آبائهم ويصبروا على عداوة الناس وأذاهم ويهجروا لأجله ما ترغب النفوس فيه من الأهل والمال والوطن وهو مع ذلك لم يعط أحدا منهم مالا ولا كان له مال يعطيهم إياه ولا ولى أحد ولاية ولم يكن عنده ولاية يوليهم إياها ولا أكره أحدا ولا بقرصة في جلده فضلا عن سوط أو عصا أو سيف وهو مع ذلك يقول عما يخبرهم به من الغيب الله أخبرني به لم يخبرني بذلك بشر.
فلو كانوا مع ذلك يعلمون أن تعلمه من بشر لكان هذا مما يقوله بعضهم لبعض ويمتنع في جبلة بني آدم وفطرهم أن يعلموا أنه كاذب وأنه قد تعلم هذا من بشر وليس فيهم من يخبر بذلك مع أنهم كانوا كثيرين لا يمكن تواطؤهم على الكذب والكتمان بل ولا داعي لهم يدعوهم إلى ذلك ويمتنع أن لا يعلموا ذلك وهم بطانته المطلعون على أحواله وهم يسمعون كلام أعدائه المطلعين على حاله.
المصدر:
- شيخ الإسلام ابن تيمية، الجواب الصحيح 392/5