الاستغناء عن السنة بالقرآن الكريم

الاستغناء عن السنة بالقرآن الكريم | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

2034 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إشكالية الاستغناء عن السنة

 

يزعم منكرو السنّة أنه لا حاجة للمسلم -كي يقيم دينه على الوجه الذي يريده الله سبحانه- إلى أي مصدر ديني سوى نصّ القرآن الكريم، لأنه تبيان لكل شيء.
 
وعليه؛ فكل مصدر يستمد منه المسلمون حكمًا شرعيا لم يُذكر في النص القرآني فإنما هو من المصادر الزائفة التي تؤدي إلى الزيغ والانحراف، ولو كانت تنتهي بأصح الأسانيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 

مناقشة الإشكالية

ويُناقَش هذا الكلام بأنه لا شك في كون القرآن تبيانًا لكل شيء، ولكنَّ الشأن في تحرير وجه التبيان الذي جاء به القران، فهم يحْصرونه في طريق النص على كلِّ حكم بعينه؛ وهذا تضييق لدلالة اللفظ لا نقبله، فإن طرق التبيان واسعة، منها النص ومنها الإشارة ومنها الإحالة وغير ذلك، ولو أن طبيبًا وصف لمريضٍ دواءه ثم أحاله في الوقاية إلى ورقة لطبيب آخر مكتوب فيها “حِمْية” ليتّبعَها المريض لقلنا: إن الطبيب بين له العلاج وبيّن له الوقاية أيضًا، مع أنه لم ينصّ عليها، وإنما كان وجه التبيان هنا: الإحالة.
 
وهكذا الشأن في القرآن الكريم؛ فإننا نجد أن الله سبحانه وتعالى يرشد فيه إلى طاعة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه، وذلك في عشرات المواضع؛ فمن يتبع ما أمر به الرسول مما لم يُذكَر نصُّه في القرآن فإنما يكون متبعًا للقرآن في الحقيقة، وذلك لأن فيه تبيانًا لوجوب طاعة هذا الرسول الكريم.
 
قال البيضاوي: في تفسير الآية:
 

(“لكل شيء” من أمور الدين على التفصيل، أو الإجمال بالإحالة إلى السنة أو القياس).
 

وقال الألوسي في روح المعاني:
 

(وكون الكتاب تبيانًا لذلك باعتبار أن فيه نصًا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة حيث أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل فيه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى [النجم:٣] وحثا على الإجماع في قوله سبحانه : وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين).
 

 

آيات اتباع الرسول

ولمنكري السنة اعتراض على التقرير السابق من جهة أخرى، وهو أنّ الآيات التي جاء فيها الأمر بطاعة الرسول لا تدل على معنى اتباع سنته وأمره مطلقًا، بل تدل على اتباع الكتاب الذي جاء به، وهو القرآن، فالرسول يراد به الرسالة لا الشخص الـمُرسَل، ويقولون:
 
إن كل شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يُذكر في نص القران فإنما فعله بمقتضى النبوّة لا الرسالة، والنبوّة لا يصدر عنها شيء مُلزِم شرعًا، ويفرقون بين الرسول والنبي بهذا الاعتبار.
 
وهذا التقرير إنما يدل على فساد نظرهم، وضيق أفهامهم؛ فإن معنى (الرسول) في آيات الأمر بطاعته أظهر من أن يُستدَل على تعيينه، ألم يقل الله سبحانه (من يُطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)؟ فالكاف في “أرسلناك” ظاهرة في أن المراد بالرسول هنا الشخص الـمُرسَل لا الرسالة

ولو تأملنا في سياق أشهر آية يُستدل بها على حجية السنة، وهي آية سورة الحشر: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) لوجدنا أن لفظ “الرسول” هنا لا يحتمل معنى الرسالة؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال: “ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” فالحديث هنا عن الفيء الذي وقع لرسول الله في غزوة بني النظر فما شأن الرسالة هنا؟
 
وبالنسبة لتفريقهم المبتدع بين الرسول والنبي فقد جاء في القران جمعُهما في سياق امتداح الاتباع، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) فكيف يقال بعد ذلك إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يُتَّبع بوصف النبوة؟
 

اتباع السنة ضلال وزيغ؟

ولا يكتفي منكرو السنة بدعوى استغنائهم بالقرآن الكريم، بل يرون أن اتباع السنّة ضلال وزيغ وانحراف، بل إن كثيرًا منهم يرى أن اتباعها شركٌ بالله، وتحكيم لغيره، وتقديم لأعراف الآباء وسنة الأجداد والسادة والكبراء على أمر الله وشرعه، وقد نقل د. خادم حسين بخش في كتابه: (القرآنيون وشبهاتهم حول السنة) بعض أقاويل كبرائهم في إطلاق أوصاف الكفر والشرك على من يأخذ بالأحاديث مع القرآن، ورد عليهم . وقد لمستُ غلوّهم ذلك من خلال نقاشاتي المباشرة معهم، فقد لحقني من بعضهم وصف الشرك -صريحًا- بسبب الأخذ بالسنة.
 
وإذا كان أمر اتباع السنة عندهم بهذا القدر من الزيغ والضلال؛ فكيف يكون القرآن –على ذلك- هاديًا ومبيّنًا مع كل ما فيه من الآيات التي أطلقت لزوم طاعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تقيده؟ ألا يكون نزول هذه الآيات فتنة وإضلالًا للخلق-إن كان اتباع سنة النبي شركًا-؟ لأنّ الناس إنما وقعوا في الشرك -بزعمهم- بسبب فهمهم الخاطئ للآيات التي أمر الله فيها بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا لازمٌ لقولهم في غاية الفساد والانحراف.
 
ثم إن مِن هؤلاء من إذا أوقف على حقيقة قوله، وأدرك أوله وآخره ومآلاته وما يلزم منه من الفساد فإنه قد يعود على القرآن فيكذّبَ به بدلًا من أن يرجع عنه فيعتقد بصحة السنة، وذلك لشدة القطيعة بينهم وبين السنة، وقد صرّح لي أحد الشباب الأذكياء الذين ناقشتهم نقاشا طويلًا حول حجية السنة -بعد أن فهم لوازم قوله- أن اعتقاده بصحة القرآن الكريم سيتسرب إليه الشك! مع أن النظر الصحيح يقتضي أن يعود على موقفه السلبي من السنة فيبطلَه، لا أن يشك في القران الكريم، وذلك بعد الحديث المفصل حول ما يلزمه من تضليل كافة الأمة بسبب اعتمادها على المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الفرائض، وعجزه عن تفسير خلوّ الكتاب العزيز من النص على عدد الصلوات وركعاتها مع أنها أهم الفروض بعد التوحيد، ولا شك أن ذلك لا يستقيم مع من يهون من شأن السنة ويغلو في فهمه لكفاية القرآن. والله المستعان.

 


 

المصدر:

  1. أحمد بن يوسف السيد، تثبيت حجية السنة، ص77
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حجية-السنة
اقرأ أيضا
إشكالية المثلية الجنسية لدى الذكور | مرابط
الجندرية

إشكالية المثلية الجنسية لدى الذكور


السحاقيات أقل إخلاصا لشريكاتهن من السيدات المغايرات جنسيا.. الاختلاطات الجنسية كما ذكرنا في العديد من الدراسات تظهر وجود الاختلاطية الجنسية والاتصال الجنسي مع مجهولين هذا جزء من الثقافة العلاقات قصيرة الأمد عدم التوافق الطبيعي.

بقلم: د. جوزيف نيكولوسي
726
التقدمية والرجعية | مرابط
فكر مقالات

التقدمية والرجعية


وإذا كان في هذا العصر تقدم العلم وازدهار الحضارة فإن فيه الحروب المدمرة والقنابل المبيدة والتهتك والفساد وفي هذا العصر تركنا اليهود يسلبوننا قطعة من قلب بلادنا ويستأثرون بها دوننا ويشردون أبناءها حتى يتفرقوا فوق كل أرض وتحت كل نجم وقبل ألف سنة كان أسلافنا يركبون الإبل لا يعرفون السيارات ولا الطيارات ويعيشون على السرج ومصابيح الزيت ولكنهم كانوا سادة الدنيا وكانوا أعز الأمم

بقلم: علي الطنطاوي
1432
صراع الإيمان والهوى | مرابط
اقتباسات وقطوف

صراع الإيمان والهوى


كلام بديع للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يتحدث فيه عن الصراع الدائم والمستمر بين الهوى والإيمان وكيف قد يسقط المسلم صريعا للهوى مرة ثم ينهض مرة أخرى ويكشف لنا عن حال إخوان الشياطين وكيف يمدون لهم في الغي والمعصية وماذا يكون لسان حالهم

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2042
مختصر قصة التتار الجزء الثاني | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الثاني


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1378
نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس


وكنت أخبرتك أن سيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية -أيده الله وأحسن إليه- أوصاني مرة في سنة ثلاث وسبعمائة وصية بليغة حفظت منها قوله: لا تقصد رضا الناس بأقوالك ولا أفعالك: فإن رضا الناس غاية لا تدرك اليوم إن ترض الناس يشكروك وفي غد تسخطهم يذموك

بقلم: ابن الحبال البعلي
735
جيل الصحابة ومن بعدهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

جيل الصحابة ومن بعدهم


مقتطف ماتع لشيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى المجلد الرابع يتحدث فيه عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم وكيف أنهم يفوقون من جاء بعدهم في كل شيء وفي كل فضيلة وعلم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هم يفوقون الناس جميعا في كل خصلة من خصال الخير

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1952