وأما الحق الذي هو غاية خلقها -أي: السموات والأرض وما بينهما- فهو غاية تراد من العباد وغاية تراد بهم:
فالتي تراد منهم أن يعرفوا الله تعالى وصفات كماله عز وجل وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئا فيكون هو وحده إلههم ومعبودهم ومطاعهم ومحبوبهم قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} فأخبر أنه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته وإحاطة علمه وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} فهذه الغاية هي المرادة من العباد وهي أن يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده.
وأما الغاية المرادة بهم فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} وقال تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}
فتأمل الآن كيف اشتمل خلق السموات والأرض وما بينهما على الحق أولا اوآخرا ووسطا وأنها خلقت بالحق وللحق وشاهدة بالحق وقد أنكر تعالى على من زعم خلاف ذلك فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}
المصدر:
ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد، 4/971