
في ذيل مناقب الشافعي للبيهقي (ص69-ط آفاق المعرفة) ذكرُ مناظرة الإمام الشافعي مع بشر المريسي، وفيها أن بشر المريسي سأل الشافعيَّ سؤالين، فلما أجابه الشافعي، جوابًا شافيا عنهما، قال بعدها: (وإنّ قلبَ امرئٍ لا يشمئزُّ من سؤاليك هذين: لقلبٌ بعيد من بركات اليقين).
وفي هذه اللفتة الشافعية المنيفة، الشافية الشريفة = إشارة إلى ما يجب أن يستحضره الباحث في المعتقد، وهو يعالج شبه أهل البدع والضلال، من استحضار الإنكار القلبي، والـ(اشمئزاز) من شناعات المتكلمين في أقوالهم وشبهاتهم، ذلك الاشمئزاز النابع من ترسخ (بركات اليقين) بالمعتقد الحق، كما هو تعبير الإمام الشافعي، وألا يستمرئها -خصوصا مع تكرارها- ولا يستهين بشأنها، مستحضرا أن معالجته لها معالجة مضطر، ومجاهدة من أرغم لها إرغامًا،
ولذا قال الشافعي قبل كلمته السابقة لبشر: (وامتحانك إياي بهذين السؤالين دليلٌ على أنك حائر في الدين، تائه في الله، ولو وسعني السكوت عن جوابك لاخترته).
وما أبعد هذا المسلك(الاشمئزازي) في اللفتة(الشافعية)، ما أبعده من دعاوى من يقصد -بل يدعو- إلى عرض تلك الشبهات والبدع المستشنعات بعرض مجرد عما يفيد شناعتها، وكأنه يعرض مسألة مما اختلف فيه أئمة الفقه، وفقهاء الصحابة والتابعين .. وعيبهم على من قرنها بعبارات الاستشناع بوصمات كاذبات، وألقاب ساقطات، بل عيبهم بعبارات هي عند التحقيق أوصاف شرف، إذا حُقِّقَ معناها، والله المستعان.