الانفعالات وتكوين النفس البشرية

الانفعالات وتكوين النفس البشرية | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

464 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يتعرض المسلم في الحياة لكثيرٍ من الأمور التي تسبب انفعاله، ولا بد له أن يعلم كيف يكون الانفعال في مرضات الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قد خلق النفس وخلق فيها انفعالات، فالنفس تحب وتبغض، وترضى وتسخط، وتغضب وتهدأ، وتحزن وتفرح إلى آخر ذلك من أنواع الانفعالات التي تعتمل داخل هذه النفس.

 

هذه النفس البشرية شديدة التعقيد التي لم ينته علماء الطب وعلماء النفس من دراسة آثار الانفعالات في هذه النفس حتى اليوم، ولا زالوا يخرجون بنتائج جديدة، وأبحاث متعددة في مجال هذه النفس، هذا المجال الواسع الرحب، ولا يعلم ما في هذه النفس إلا الذي خلقها، ولا يعلم حدودها وما يصلحها إلى الذين فطرها رب العالمين.

 

ولذلك أيها الإخوة! ينبغي أن نرجع في تعاملنا مع أنفسنا إلى القرآن والسنة، فإنه مهما أتى البشر بنظريات ونتائج وأبحاث وتجارب فلا يمكن أن يأتوا بمثل ما جاء في هذا القرآن وهذه السنة المطهرة.

 

والله سبحانه وتعالى خلق آدم من قبضة من جميع الأرض؛ فجاء بنو آدم على قدر ذلك، فكان منهم السهل والحزن، يعني: الناس الذين تتميز أنفسهم بالسهولة والسلاسة، والناس الذين تتميز أنفسهم بالشدة والصلابة، بحسب التربة التي خلقوا منها، فناس أخذوا من تربة من أرضٍ سهلة، فجاءت أنفسهم مثل التربة التي خلقوا منها، وناس كان خلقهم من قبضة من جميع التربة فجاء أولاد آدم على قدر هذه القبضة التي خلق الله آدم منها، فمن الناس من يكون في صلابتهم وشدتهم مثل صلابة الصخر وشدة الجبال ووعورة مسالكها، كذلك وعورة أنفسهم، ولأن تربة الأرض مختلفة الألوان فمنها تربة سوداء ومنها تربة صفراء ومنها تربة بيضاء فجاء بنو آدم على قدر ذلك، فكان منهم الأبيض والأحمر والأصفر والأسود وهكذا، إن الله خلق آدم من قبضة من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر ذلك.

 

فتأمل ما أخبر به عليه الصلاة والسلام، ثم تأمل في الواقع فستجد انطباق ما أخبر به على الواقع انطباقًا تامًا، ونفوس العباد إذًا ليست سواء، وما يعتلج في هذه النفوس ليس أمرًا واحدًا بل هو عدة أمور، ولذلك فشخصيات الناس أنواع، منها شخصيات تتميز بالهدوء والرزانة، وشخصيات تتميز بالحكمة، وشخصيات تتميز بالضعف، وشخصيات تتميز بالقوة، وشخصيات تتميز بانضباط النفس، وشخصيات تتميز بالعصبية، وشخصيات تتميز بالعاطفية، وشخصيات تتميز بالغضب، وشخصيات تتميز بالهدوء ... وهكذا من أنواع الخطوط المتقابلة الموجودة في النفس البشرية.

 

ولذلك نجد من الناس من هو عصبيٌ لا يستقر على حال فهو في قلقٍ وتغيرٍ دائم، ومن الناس من يكون غضوبًا ينفجر دون أدنى مقدمة، ومن الناس من يكون عاطفيًا تغيظه أتفه المضايقات ويتملكه اليأس أمام أيسر العراقيل، ومن الناس من يكون ولوعًا إذا تعلق بفكرةٍ تحمس لها جدًا، وتعصب لها وتصدى لتسفيه كل مخالف لهذه الفكرة أنى كان ذلك.

 

ومن الناس من تسيطر عليهم المفاجآت فلا يستطيعون أن يتحركوا ولا أن يتصرفوا، فيتسمرون وتقعد بهم أنفسهم الضعيفة عن مواجهة الواقع، وعن السعي في التحكم في الأمور فتفقده المفاجئة السيطرة على نفسه.

 

ومن الناس من يتبدل مزاجه فجأة، فتكون جالسًا معه فتخطر بباله فكرة، ثم تبدأ تتفاعل مع نفسه وتتحرك، ثم يغمره أنواع من الانفعالات مع هذه الفكرة، ويستغرب الجالس من هذا التغيير المفاجئ الذي حصل في الشخص مع أنه لم يقع في المجلس أي حادثٍ يذكر، إلا مجرد الفكرة التي طرأت في ذهن ذلك الشخص العاطفي.

 

ومن الناس من ينجر بسهولة مع أفكاره ومع أحداث الساعة فينتقل فورًا إلى العمل بسبب ما حصل له من تهييج دون أدنى تفكير، فتكون أفعاله ردات فعل لما يحدث في الواقع.

 

ومن الناس من يكون رابط الجأش؛ فيتلقى الصدمات ويدرس الوضع قبل أن يتخذ قرارًا عمليًا ويفكر قبل التنفيذ.

 

ومن الناس من لا يستطيع كتمان الأخبار، ولا حفظ الأسرار، فهو في قلق، فيسهل استخراجها منه مثل الناس الذين يتميزون بالعاطفية الشديدة، وبعض الناس عندهم أنسجة عصبية متقلبة، وقد يحب إنسانًا فيفرط في حبه، ثم يتنكر له لسببٍ بسيط فيفرط في بغضه إلى أبعد الدرجات.

 

ومنهم من يكون عنده نتيجة اضطرابٍ في نفسه غلوٌ في الوصف، فإذا عمل مغامرة عادية أخرجها لك على أنها المعركة الفاصلة، ومنهم من يعيش مع انفعالاته فهي التي تنشطه وتحفزه، فإذا لم ينفعل ولم يستثر، فإنه باردٌ لا حراك فيه.

 

ومنهم من يستسلم للنزوات والإسراف في الأشياء، وهل الصحيح أن يكون الإنسان منفعلًا أو لا يكون منفعلًا؟ الصحيح أن يكون منفعلًا؛ لأن الشخص الذي لا ينفعل أبدًا ولا تهزه الحوادث إما أن يكون مجنونًا لا يعي ما حوله، أو أنه مدمن مخدرات مثلًا فهو مصاب بتغليف لذهنه ومخه وقلبه فلا يحس بشيء، ولكن المهم الآن أن نعرف متى تكون الانفعالية إيجابية ومتى تكون الانفعالية سلبية؛ لأننا إذا قلنا: لا بد أن ينفعل الإنسان الصحيح السوي ويتفاعل مع الواقع، ويتفاعل مع الأحداث، ويكون للأحداث تأثيرٌ عليه، فإذا كان هذا الأثر موافقًا للشريعة فهذا هو الانفعال الإيجابي المطلوب، وإذا كان الانفعال مضادًا للشريعة ومخالفًا لها فهذا هو الانفعال المذموم.

 


 

المصدر:

محاضرة كيف نضبط انفعالاتنا

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الانفعال
اقرأ أيضا
حاجة الأمة إلى الرجال | مرابط
تفريغات

حاجة الأمة إلى الرجال


قد تمر بالإسلام أزمات قد تمر بالمسلمين شدائد وضائقات قد يمر بالمسلمين عسر شديد تنقطع بهم السبل فيتحير الناس ويضطربون ويميدون ويحيدون عن شرع الله فترى الناس متفرقين شذر مذر لا يرى أحدهم الحق ولا يتبعه حيرتهم فتن الحياة الدنيا فاضطربوا اضطرابا شديدا وتبعثروا وتفرقوا فمن الذي يثبت في هذه الحالة؟ ومن الذي يقوم بواجب التثبيت؟ في حالة الأزمات تكتشف أنت معادن الرجال يفضي كل رجل إلى معدنه الخالص ليستبين أمام الناس هل هو من أهل العقيدة أم لا؟

بقلم: محمد المنجد
569
هكذا يفعلون بتاريخنا | مرابط
فكر

هكذا يفعلون بتاريخنا


أدرك أعداء الإسلام أن الجيل المسلم يحب أن يكون له جذور يعتز بها ويحن إلى أمجادها لذا لم يكتفوا بتشويه القدوات المعاصرة بل عادوا إلى التاريخ فتعاملوا معه ب: 1 الحرق 2 التجهيل 3 التشويه حرق المكتبات وتجهيل النشء بالماضي وتشويه ما يعرفونه عنه

بقلم: د إياد قنيبي
2257
القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط | مرابط
المرأة

القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط


هؤلاء الكتبة رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في اختلاط الرجال والنساء في المطاف والطريق ولم ينكر ذلك وهو اختلاط في زمن يسير عارض فجاء هؤلاء وقاسوا على ذلك مشروعية الاختلاط في التعليم والعمل وهو اختلاط مكث في زمن يطول وأهدروا اعتبار الفارق بين الزمن اليسير والزمن الكثير بين الاختلاطين.. وهذا قياس فاسد وشبهة رائجة بين يديكم رد مفصل عليها.

بقلم: إبراهيم السكران
357
الأسس الفكرية لليبرالية: العقلانية | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الأسس الفكرية لليبرالية: العقلانية


تعني العقلانية: استقلال العقل البشري بإدراك المصالح والمنافع دون الحاجة إلى قوى خارجية وقد تم استقلاله نتيجة تحريره من الاعتماد على السلطة اللاهوتية الطاغية كما يزعم رواد الليبرالية وفي هذا المقال استعراض للأساس العقلاني الذي تستند عليه الليبرالية

بقلم: د عبد الرحيم بن صمايل السلمي
2905
كيف تقرأ كتابا ج2 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج2


لا بد أن تكون قراءتنا -أيها الإخوة- قراءة واعية المنهج الجاهلي يقول: القراءة للقراءة الفن للفن أي أنهم يجعلون القراءة غاية وليست وسيلة ولذلك فهم يقرءون ما هب ودب دون تمحيص ولا تمييز أما المسلم فإن القراءة عنده وسيلة لتحقيق الهدف وهو أشياء متعددة وعلى رأسها طلب العلم الذي يعرف به المسلم كيف يعبد ربه هذا الهدف الوسيلة: القراءة

بقلم: محمد صالح المنجد
524
من منكرات الأفراح | مرابط
تفريغات

من منكرات الأفراح


إن الزواج نعمة من الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة الروم:21 فهذه من آيات الله ومن نعم الله وإذا كانت كذلك فهل يليق بنا أن نستفتح هذه النعمة بشيء محرم؟ الجواب: لا.

بقلم: ابن عثيمين
420