الليبرالية الاستئصالية الجزء الثاني

الليبرالية الاستئصالية الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: إبراهيم بن محمد الحقيل

2224 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ليبرالية استئصالية

إن ما يشهده العالم الإسلامي من ليبرالية استئصالية دموية هو مؤشر على دنو نهايتها وسقوطها، فإن الأفكار تكون أكثر دموية حال احتضارها، وإن الفكر القوي المتين لا يحتاج أربابه إلى الكذب الفج لترويجه، ولا إلى القسوة المفرطة لإخضاع خصومه، وإنما يعمد إلى الكذب والقسوة أرباب الفكر الضعيف؛ لستر ضعفه وتهافته أمام الناس، ومحاولة إقناعهم به بالكذب أو بالقوة.

ومن ينظر نظرة شاملة للعالم يجد أن أعداء الإسلام قد احتاروا حيرة شديدة في كيفية التعامل مع الإسلام؛ فتشويهه وافتراء الكذب على حملته ودعاته لا يزيد شعوب المسلمين إلا قناعة وتمسكا به، وعودة إليه، ولا يزيد غير المسلمين إلا دخولا فيه. وضربه بالقوة العسكرية القاسية لا يزيده إلا صلابة وشدة، ولا يزيد أصحابه إلا قوة وتضحية. فماذا يعملون بالإسلام؟! لقد احتاروا في أمره، إن تركوه تمدد حتى يعم الأرض، وإن هم ضربوه اشتد عوده وقوي عزم أتباعه على التمسك به، والثبات عليه، والدعوة إليه، فلا حيلة لهم مع دين الله تعالى.

يا هؤلاء وأولئك، إنه دين الله الذي ارتضاه، إنه الدين الذي صمد أربعة عشر قرنا وزيادة، وهو هو لم يتغير، والفكرة الليبرالية لم تتم بعد ثلاثة قرون، ورغم عمليات التعديل لتواكب العصر، وعمليات التقوية والإنعاش هي تعيش الفصل الأخير من عمرها؛ {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]. بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40] نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
 

مذابح المسلمين

أيها المسلمون: يتحسر قلب المسلم على مذابح المسلمين في شتى الأقطار، وعلى ما يتعرض له الإسلام من حملة إعلامية ليبرالية تشوهه، وتغري بالبطش بدعاته وحملته، حتى وصموه بأنه دين فاشي، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان أول فاشي دموي، وأن حدوده وحشية، وأن أحكامه تخلف ورجعية، وصار الإعلام الليبرالي يصرح بذلك دون مواربة.

وأقوياء العالم، ومنظماته الدولية لا تدافع عن المسلمين إن كان الدم النازف دم مسلم. إن ثمة ملحظا عجيبا أرى أن هذه الأمة اختصت به من بين سائر الأمم، وهو أنها أمة في عزها ومجدها كانت تحمي ضعفة الأمم الأخرى، وتنصفهم في حكمها، وتنتصر لهم ممن يبغي عليهم، فحمت اليهود من مذابح النصارى، وحمت الأرثوذكس من مذابح الكاثوليك، وحمت الباطنيين من الاعتداء عليهم، والتاريخ مملوء بالشواهد على ذلك. ولكنها أمة منذ أن ضعفت لم يحمها أحد من الأمم الأخرى لا في القديم ولا الحديث، وكأن الله تعالى يريدها أن تمنَّ على الأمم الأخرى، ولا منَّة لأمة أخرى عليها.
 

سقط الأندلس دولة دولة تحت حوافر عباد الصليب فلا أعرف أن أمة من الأمم الأخرى حمت المسالمين من اضطهاد المتغلبين، واجتاح التتر بلدان المسلمين من وراء النهر حتى بلغوا دار السلام فأسقطوا عاصمة الخلافة آنذاك، ولم يحم المسلمين أحد من سيوف التتر، وفي الحملات الصليبية لم تهب أمة من الأمم التي حماها المسلمون من قبل لنجدتهم، بل كان المسلمون يتحملون مسئوليتهم وحدهم، ويردون شراسة عدوهم بأنفسهم، وهذه خصيصة تميزت بها أمة الإسلام، وهي من أسباب قوتها بعد الضعف، ونهوضها بعد التعثر، وعزها بعد الذل، وتمددها بعد الانكماش.

وقبل يومين فقط ضرب النصيريون ريف دمشق بالكيماوي، فأهلكوا زهاء ألفي نفس معظمهم من الأطفال أمام بصر العالم الليبرالي الحر، ودوله العظمى المدعية للسلام، ومنظماته الدولية الراعية لحقوق الإنسان، فلم يحرك ساكنا أمام استخدام أسلحة محرمة في قوانينه الدولية، بل يعطي المجرم النصيري الفرصة تلو الفرصة لإبادة أهل الشام.. وهو الذي حشد الجيوش، وجمع الجموع، وأصم الآذان بلزوم غزو العراق من أجل الاشتباه في وجود أسلحة محظورة، فدمرها على أهلها بكذبة اخترعها. ها هو يرى الأسلحة المحظورة يضرب بها العزل والأطفال، فلا يفعل شيئا..

يا للفضيحة الليبرالية المدوية، ويا للخزي والعار على من يكون ذيلا لقوم لا خلاق لهم.. لن يرحمه التاريخ ولن يرحمهم.. ولن نحزن على الشهداء فإنهم قدموا على رب كريم، ولن نأسى على من يدفعون الهجمة الليبرالية الباطنية على الإسلام والمسلمين فهم على خير عظيم، وإن مستهم البأساء والضراء، ولكننا نأسى على أنفسنا وعلى قوم منا أكلوا خديعة الباطنيين والليبراليين.
 
إن للحق قوة دافعة تدفع صاحبها لتلقي المنية بنفس مطمئنة رضية، وإن في الباطل كآبة تصيب صاحبه ولو أظهر غير ما يبطن، ولو تصنع حلاوة النصر فإنه يجد في داخله ألم الباطل وحسرته.. ولذا يكذب أصحاب الباطل ويكذبون، ويلحون في كذبهم لعلهم يقنعون أنفسهم بباطلهم فيصدقونه ولكن هيهات.. فلا ينقلب الباطل إلى حق بالكذب حتى عند من يدعو إليه، ويهتف به.

ولن يجد أعداء الإسلام إلا ما يسوءهم؛ فإن من حارب الله تعالى في دينه وشريعته وأوليائه بارزه الله تعالى بمحاربته، ومن عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، ولا ينتظر أهل الإيمان في مواجهة أعدائهم إلا إحدى الحسنيين؛ فإما نصر مؤزر مستحق، وإما شهادة على الحق.. ولن يجد الكفار والمنافقون من حربهم للإسلام والمسلمين إلا إحدى الكريهتين؛ فإما نصر مؤقت يخدعهم فيمدهم في غيهم وطغيانهم؛ لحصدهم وقطع دابرهم، واستئصال شأفتهم، وإما موت في سبيل الباطل، يلقون الله تعالى عليه سود الوجه: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ . وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم: 44، 45]، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ . فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 50- 53].
 
وصلوا وسلموا على نبيكم

 


 

المصدر:

  1. https://albayan.co.uk/Article2.aspx?id=3089
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية
اقرأ أيضا
حقيقة الصيام في الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

حقيقة الصيام في الإسلام


إن الصيام مقاومة مستميتة لكل الشهوات المحيطة بالإنسان وللأسف يجهل السواد الأعظم من المسلمين اليوم معاني الصيام الحقيقية ويكتفون فقط بالامتناع عن الطعام والشراب وفي المقابل يغرقون في شهوات العين والأذن أو على أحسن تقدير يلتزمون الامتناع عن الشهوات نهارا ويغرقون فيها ليلا ولكن ليس هذا هو المقصود من الصيام وبين يدينا مقتطف للشيخ محمد البشير الإبراهيمي يشير فيه إلى هذه الحقيقة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
1528
مناظرات مع رستم قائد الفرس | مرابط
مناظرات

مناظرات مع رستم قائد الفرس


عندما طلب رستم ملك الفرس أن يرس له سعد رضي الله عنه بعض الرسل يجيبونه عما يسأل عنه ومن هنا أرسل سعد المغيرة بن شعبة ثم أتبعه بربعي بن عامر ثم حذيفة بن محن وأخيرا المغيرة بن شعبة مرة أخرى وفي كل مرة كان يدور حوار يشبه المناظرة بينهم وبين رستم وهذا تفصيل ما دار

بقلم: ابن كثير
2093
محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه


إذا تأملنا في الشبهات المثارة ضد تشريعات الإسلام وأحكامه العملية فإننا نجد أنها تمر -في الغالب- من ثلاثة أبواب: وهي الجهاد والمرأة والحدود وإذا أمعناالنظر في كل باب من هذا الأبواب من جهة مقاصدها التشريعية وتفصيلات الأحكام المتعلقة بها فسنجد فيها من الحكمة والحسن والجمال ما يصح لنا أن نفخر به لا أن نواريه ونخجل منه

بقلم: أحمد يوسف السيد
878
الوجه القبيح للحضارة الغربية | مرابط
فكر مقالات

الوجه القبيح للحضارة الغربية


إن الصورة الناصعة اللامعة التي ينشرها الإعلام للمجتمع الغربي والحضارة الغربية بشكل عام تخفي خلفها الكثير من الملامح القبيحة التي تشمئز منها النفوس فهذا الوجه المترع بمساحيق التجميل يخفي خلفه الكثير من الدماء والاستعباد والتجويع والحصار والإفقار بل وتجاوز كل ذلك ووصل إلى الشذوذ الجنسي والاستغلال الجسدي للأطفال بجانب استعبادهم وإجبارهم على العمل في السخرة وهذا ما يحلله المؤلف في المقال

بقلم: راغب السرجاني
2216
تفسير سورة العصر 3 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 3


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
2179
محاسن الفراسة | مرابط
اقتباسات وقطوف

محاسن الفراسة


ومن ألطف ما يحكى في ذلك: أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن اسمه فقال: سعد يا أمير المؤمنين فقال: أي السعود أنت قال: سعد السعود لك يا أمير المؤمنين وسعد الذابح لأعدائك وسعد بلع على سماطك وسعد الأخبية لسرك فأعجبه ذلك ويشبه هذا: أن معن بن زائدة دخل على المنصور فقارب في خطوه فقال له المنصور: كبرت سنك يا معن قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين قال: إنك لجلد قال: على أعدائك قال: وإن فيك لبقية قال: هي لك

بقلم: ابن القيم
658