المثالية الزائدة: وهي مسألة متفرعة من الابتلاء، فإذا لم ير المرء بعض وجوه الشر منذ الصغر، فغالبا ما يكون عيشك في سلام مساعدا على انحصار فكرك في عالم مثالي.. عالم تظن أن كل من فيه مثلك، يفكرون نفس تفكيرك الطيب، ويضمرون نفس نواياك الحسنة، لكن مرور سنوات العمر كفيل بإظهار الوجه الحقيقي للحياة، وإظهار الفارق بين أن تفكر بمثالية وبين أن تطغى المثالية الزائدة على عقلك وتفكيرك.
فالدنيا ليست كما تظن، والناس أيضًا ليسوا كما تتخيل، ففيهم الكاذب على الله والخائن للناس، وفيهم الظالم والجبار والمرتشي وشاهد الزور، وفيهم القاتل والسارق.. إلى غير ذلك مما هو كفيل بعقلنة نظرتك للحياة، هذا كله لا إشكال فيه..
بل الإشكال عند الذين يسبب لهم ذلك صدمة في مثاليتهم؛ فمثلًا: هو كمؤمن ملتزم يُصدم عندما يرى موقفا لا يليق من مسلم من المفترض أنه ملتزم مثله، أو حتى من داعية أو شيخ، وعلى هذا قس، حتى مواقف الحياة الأخرى بعيدا عن الدين؛ الغش في العمل والوظيفة.. الزوجة المتمردة.. أو الزوج المتسلط.. الأقارب الجاحدين.. موت الأطفال والأبرياء.. إلى غير ذلك مما يطول عدّه..
كل ذلك يكون له وقع إفساد الإيمان أو بث التشكيك عند المتأثرين به، والذين تجمعهم عوامل مثل:
استعظام ابتلاء الصالحين، أنت أو غيرك
استعظام بعض المواقف السيئة من الملتزمين
استعظام بعض الآراء والمواقف للشيوخ والدعاة
استشكالات في مرض أو موت الأطفال والأبرياء
وغيرها الكثير مما تجعله المثالية الزائدة غاية في الحساسية لصاحبها، للدرجة التي قد تفتنه في وقت من الأوقات للأسف، ونسي صاحبها أن الحياة الحقيقية على وجه الكمال هي الجنة في الآخرة بإذن الله "وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"
المصدر:
م. أحمد حسن، أسس غائبة: 25 مسألة في مشكلة الشر، ص143