الميزان المقلوب الجزء الثاني

الميزان المقلوب الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

851 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وجوب تفضيل ما فضله الله


إذًا: هناك أحكام ينبغي أن يتنبه الإنسان لها عندما يصدرها، وألا يسوي بين الأمور المتناقضة أو يفرق بين الأمور المجتمعة، وأن يصدر في موازينه وفي أحكامه عن قواعد الشريعة الإسلامية، وعن القيم التي تقرها الشريعة الإسلامية، وقد أنكر الله كما رأينا في كثير من آياته على الذين يسوون بين الأمور المختلفة، ويسوون بين الخالق والمخلوق، أو يفضلون أعمالًا على أعمال.
وكذلك في الحكم على البشر قال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ [القلم:35-38].

فيقرر الله تبارك وتعالى أن الإنسان المؤمن الصالح والمجرم الكافر الذي يعادي الله لا يستويان في ميزان الله تبارك وتعالى، لكي يتبين المسلم هذه القضية في الأحكام وفي سلم الأولويات حتى لا يضل، فالضلال قد يكون كبيرًا إذا سوى الإنسان بين الخالق والمخلوق مثلًا، وأحيانًا يكون أقل إذا ما فضّل عملًا على عمل فإن له نتائج سلبية في واقع الأمور والحياة.

فالبعد عن هذه المفاهيم ألقى الضلال على نفوس المسلمين في كثير من القضايا، وليس في قضية واحدة.

والإنسان الفاضل عند المسلمين: هو من يفقه دينه، لكن صحاب العقيدة المشوشة، والمفاهيم المغلوطة، يعتقد أن الكافر أعظم من المسلم، فالبريطاني والأمريكي والفرنسي في نفسه عظام، مع أن ميزان الله تبارك وتعالى يقول عنهم: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179].

فالإنسان المسلم الخير الفاضل يساوي ملء الأرض من الكافرين، بل هؤلاء كما يخبر الله: حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء:98].

 

مقياس التفاضل في ديننا

ومن الأخطاء التي وقع فيها المسلمون: المفاضلة بين المسلمين على غير الموازين الشرعية، فيفضله عندما يكون الإنسان مواطنًا في بلد كالكويت، أو كالأردن أو كمصر، لأن المواطنة تجعله أفضل من غيره ولو كان لا يفقه ولا يعلم شيئًا، بل ينبغي أن يكون التفاضل في ميزان الإسلام بالتقوى والصلاح والخير، وأن تزال القيم الدنيوية: هذا غني وهذا ثري، وهذا وجيه، وهذا ابن فلان، فتجعله في أعين الناس أفضل من غيره، ثم أضيف إلى ذلك المواطنين، فهذا أفضل؛ لأنه كويتي، أو لأنه عند الفلسطينيين فلسطيني، ولأنه عند المصريين مصري.
فهذه كلها من العصبية الجاهلية التي ما أنزل الله تبارك وتعالى بها من سلطان قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

والأخوّة يتفاضل الناس فيها بالإيمان والعمل الصالح، ومن أجل ذلك حثنا الإسلام عندما يكون الخاطب صالحًا أن نزوجه مهما كان جنسه أو لونه، فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه)، فقال: ( دينه وأمانته) وما قال: إذا كان فلسطينيًا وإذا كان كويتيًا وإذا كان مصريًا، فهذه تقسيمات جغرافية، أما البشر فهم البشر، عقولهم وأفكارهم ومكوناتهم وأصولهم كلها واحدة، وإنما التفاضل عند الله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

وقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وما قال: أن يكون جنسها كذا، أو لونها كذا، أو من البلد الفلاني.

فـأبو جهل من مكة، وأبو لهب من مكة، وهل هناك مكان أفضل من مكة؟ ومع ذلك فهما حطب جهنم كما قال تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد:1-2].

وعبد الله بن أبي من المدينة رأس المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وهو من المدينة.

و سلمان من فارس وهو من خيرة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.

و بلال من الحبشة ولونه أسود وهو من خيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

فينبغي أن نتنبه لذلك، وخاصة المسلمون الذين يأتون إلى المساجد ويقيمون الصلاة ويذكرون الله ويعظمونه، فينبغي أن يتنبهوا لهذه القضايا، وهذه عصبيات جاهلية تذبح الإسلام في نفوس المسلمين، وتضعف الإسلام في نفوسهم، فينبغي أن تكون موازيننا وقيمنا وأحكامنا نابعة من إسلامنا وعقيدتنا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الالتزام بالأمر الشرعي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالًا لهذا القرآن الكريم، فقد كان قرآنًا يتحرك ويمشي؛ لأنه جسَّم هذا القرآن في نفسه، ولذلك فإن أحكامه صلوات الله وسلامه عليه وتصرفاته كانت مجسمة لهذه المعاني التي ذكرتها، وعندما كان يغفل في بعض الأحيان كان يأتي القرآن لينبهه وليذكره.

ومن جملة ذلك: عندما لم يلتفت إلى الأعمى وهو عبد الله بن أم مكتوم عندما جاءه يسعى ويقول: يا رسول الله! علمني، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولًا بسادة قريش يرجو إسلامهم لعل الله يعز بهم الإسلام، فلم يلتفت إلى الأعمى وهو يقول له: يا رسول الله! علمني، فنزل القرآن معاتبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ [عبس:1-11].

ولذلك فقد جاءت جماعة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهم خليط من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن سادة قريش الذين آمنوا من الطلقاء وغيرهم، فأذن لهؤلاء الفقراء المساكين بلال وعمار وصهيب وغيرهم ولم يأذن للسادة إلا متأخرًا فغضبوا، فقال أحدهم: والله! ما فاتكم من الأجر أعظم.

وهذا تفضيل في الدنيا، أما التفضيل عند الله فشيء آخر، فعليكم بالجهاد.

فقد انطلق عمر أيضًا من فهمه لهذا الميزان، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لهم مكانة ومنزلة خاصة عند المسلمين، وينبغي للمسلم كذلك أن يتبين أمره في مثل هذه الأمور وألا تأخذه عصبية جاهلية، أو قيمة دنيوية فيضل أو يضل.

اللهم! اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.

اللهم! أرنا الحق حقًا وارزقنًا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الميزان-الإسلامي #التفاضل
اقرأ أيضا
حسن اختيار الزوجة | مرابط
المرأة

حسن اختيار الزوجة


وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة فالمرأة السوء واحدة من أربع من الشقاء كما جاء في الحديث الصحيح وفيه قوله .. فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك. ومن الشقاوة: المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك

بقلم: محمد صالح المنجد
365
تحرير المرأة في عصر الضلالة | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

تحرير المرأة في عصر الضلالة


لقد عنى أحد الباحثين المصريين مؤخرا بإصدار موسوعة ضخمة سماها تحرير المرأة في عصر الرسالة تقوم بكاملها وفق ذلك المنهج الدفاعي منهج الخذلان الذي اختطه الشيخ محمد عبده والتقط الخيط الكاتب الصحفي فهمي هويدي الذي عرض للكتاب عرضا مثيرا في مقال له بجريدة الأهرام المصرية وتوقف فيه طويلا عند الكشف الكبير الذي أبرزه الكاتب وهو حق المرأة في المبيت وحدها خارج بيتها

بقلم: جمال سلطان
333
بدايات حركة السفور وتحرير المرأة | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

بدايات حركة السفور وتحرير المرأة


فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات وصرت مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر

بقلم: محمد جلال كشك
602
التغريب: الأهداف والأساليب ج1 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج1


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2187
محاورة دينية اجتماعية الجزء الثالث | مرابط
مناظرات مقالات الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الثالث


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1464
الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط
الإلحاد

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية


لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه وهو أمر يظهر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظرية المعرفة والقيم ومعنى الحياة والفكاك عن ذلك -إلحاديا- محال لأن رفض الداروينية أو أي صورة أخرى من صور التطور العشوائي للكائنات الحية

بقلم: د سامي عامري
512