باب الصفات: بين عقيدة السلف وتحريف الجهمية

باب الصفات: بين عقيدة السلف وتحريف الجهمية | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

354 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

قال الإمام الترمذي في جامعه في باب ما جاء في فضل الصدقة:
٦٦٢ - حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا عباد بن منصور، قال: حدثنا القاسم بن محمد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: ﴿هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات﴾، و﴿يمحق الله الربا ويربي الصدقات﴾.
هذا حديث حسن صحيح.. وقد روي عن عائشة، عن النبي ﷺ نحو هذا.

وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا تشبيه.

وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد هاهنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع، فهذا التشبيه.

وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد، وسمع، وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾.

وما قرره الإمام الترمذي هنا وحكاه عن علماء أهل السنة من إثبات صفات الله تعالى وعدم التعرض لكيفيتها مع تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات فهو الحق الذي تلقوه عمن قبلهم من سلف الأمة، وإنما يكون أثباتها مع العلم بمعانيها، وأما دعوى اثبات الصفة دون العلم بمعناها فقول متناقض مضطرب لا يحتمله منهج السلف، ولا تأتي به اللغة، ولا يقوم بعقل عاقل.

وهذا يكشف حقيقة المباينة بين ما كان عليه العلماء المتبعون للسنة والأثر وبين ما أحدث في الأمة من تلبيس الجهمية الذي ينتهي إما إلى تحريف معاني هذه الصفات بالتأويلات المنكرة التي حكى الإمام الترمذي بعضها، وإما إلى تفويض معانيها حتى تنتفي معارضتها لما يدعونه من المقدمات العقلية.

فما يشيعه بعضهم هذه الأيام من دعوى التلازم بين إثبات معاني هذه الصفات وبين التجسيم فلا جديد فيه، وإنما هو بعث لتلبيسات الجهمية التي حكاها الإمام الترمذي عنهم، ويلزمهم أن تكون النصوص الواردة في هذا الباب قد جاءت بما يناقض القواطع العقلية، وأنها توقع في إشكالات وضلالات لا يمكن التخلص منها إلا بإنكار معانيها الظاهرة.

والنقاش مع وارثي تلبيسات الجهمية ينبغي أن يؤكد على التباين في أصل المنهج ومصدر التلقي، وأنهما طريقان مسلوكان لا جديد فيهما، إما الإثبات على الوجه الذي أجمع عليه أهل السنة، وإما التعطيل الذي هو في الأساس نتيجة شبهات فلسفية حاصلها أن الإله لابد أن يكون مجردا عما يلزم منه التعين، ثم تسربت هذه الشبهة المنكرة إلى علماء الكلام فقرروها وناقضوا بها الوحي المعصوم، وأحدثوا في الأمة فتنة لا تزال تبعث في كل عصر، ويتكرر معها التشنيع على ما يسمونه التجسيم الذي لا معنى له على الحقيقة إلا نفي التعين.

وما أغرب أن ينتهي هؤلاء إلى مثل القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه، وأن الله يرى لا في جهة، وأن الله يتكلم بكلام قائم بنفسه غير مسموع، ونحو ذلك مما هو في غاية التناقض والاضطراب، فأين ما يدعونه من الالتزام بالقواطع العقلية مع أن حاصل منهجهم على الحقيقة هو الجمع بين مناقضة العقل والنقل.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجهمية #الأسماء-والصفات
اقرأ أيضا
الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط
الإلحاد

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية


لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه وهو أمر يظهر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظرية المعرفة والقيم ومعنى الحياة والفكاك عن ذلك -إلحاديا- محال لأن رفض الداروينية أو أي صورة أخرى من صور التطور العشوائي للكائنات الحية

بقلم: د سامي عامري
593
شبهة حول الكسوف والخسوف | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

شبهة حول الكسوف والخسوف


يقول بعض المشككين: الواضح أنه ليس الهدف من البرق أن يخوف الله البشر أو الهدف من الكسوف ما ظنه البعض بجهالة أنه لموت إبراهيم ابن النبى أو خشية قيام الساعة بل الأمر مجرد ظواهر طبيعية عادية وهذا هو فضل العلم الحديث على البشرية جمعاء ولكنهم لم يكونوا يدركون ذلك بعد وكان تفسيرهم لتلك الظواهر نابعا من استنتاجات محدودة وبين يديكم مقال مختصر وموجز في الرد على هذه الفرية

بقلم: محمد الغزالي
811
الزلازل ومحدودية العلم | مرابط
فكر

الزلازل ومحدودية العلم


حدث مثل الزلازل وآثاره من القتلى والمصابين والخسائر رحم الله موتى المسلمين وخفف عن الناس يكشف لك بوضوح محدودية قيمة العلم وتهافت دعاوى تعظيمه ومقارنته ب الدين ..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
317
لغة أضاعها أهلوها | مرابط
لسانيات

لغة أضاعها أهلوها


صرت تقرأ كتبا ومقالات لقوم من أشباه العوام وهم عند الناس كتاب ومؤلفون يلحنون في الفاعل والمفعول وهم من أئمة الأدب وأعيان الأدباء ما قرؤوا يوما كتابا في نحو ولا صرف ولا تمرسوا بأساليب العرب ولا عرفوا مذاهبها في كلامها وهم أساتذة الأدب الرسميون في الثانويات والجامعات

بقلم: علي الطنطاوي
752
ليست الدنيا دار جزاء | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

ليست الدنيا دار جزاء


ستتعب إن قاومت هذه الحقيقة ومهما غالبتها ستبقى هي الحقيقة ليست الدنيا دار جزاء فلو كانت دار جزاء لما قتل أنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام ولما عذب عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى الموت كياسر وسمية دون أن يروا قائمة تقوم للإسلام ولما حصل لأهل الأخدود ما حصل

بقلم: د إياد قنيبي
2321
إثبات الحجة لا يستلزم الإقرار | مرابط
اقتباسات وقطوف

إثبات الحجة لا يستلزم الإقرار


إن إلقاء الحجة مع بيان ووضوح يفهمها المجادل والسامع لو أرادا الفهم - كاف في قيام التكليف عليه لذا لما كان أعظم تكليف - وهو الإسلام - يكفي في ثبوته الإسماع على وجه ولغة يفهمها المخاطب قال - تعالى -: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله التوبة:6

بقلم: عبد العزيز الطريفي
905