تعليم العربية

تعليم العربية | مرابط

الكاتب: محمود شاكر

378 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وبهذه المناسبة أذكرُ أني قرأتُ في الأسبوع الماضي أيضًا كلمة عن أسباب ضعف الناشئة في اللغة العربية، وأن الكاتب ردّ هذا إلى أسباب من المعلم والكتب وغير ذلك، وزعمَ أن أكثر كتُبنا لا يصلح لتعليم الناشئة لسانَ أمتهم. وإن يكن في هذا بعضُ الحقِّ فليس هو كلُّ الحق، فإن أسبابَ ضعفِ النشءِ في العربية ليس يُردُّ إلى المعلم والكتاب، بل مَرَدُّه إلى المنهج الذي يُقيِّد المعلم بقيود كثيرة ترفع عنه التبعة في نتيجة التعليم، ويقيد الكتاب بمثلها، ويُعطي النشء ما لا يَصْلُح عليه لسان ولا يستقيم به تعليم لغة.

 

فلو أنت نظرت لما رأيت شعبًا من شعوب الأرض المتعلمة، يفعَلُ بلغته ما نفْعل نحنُ من التجاهل للآثار الأدبيةِ وقلّة الاحتفال بتزويد الناشيء بمادّتها التي تحفظها لتكون أبدًا على مدِّ الذاكرة وفي طلب اللسان، ولو أنت سألتَ أي مُتعلِّم من أهل الأمم الأخرى أن يُسمِعك من روائع شعر أُمته ونثرها وحديث بلغائها لاحتفَلَ لك بالكثير الذي تظنُّ مَعَه أنه إنما أعدَّ لك الجواب لعلمِه أنك قد أعددتَ له السؤال. فلو أنتَ جئت بعدَ ذلك إلى أحد المثقَّفِين المكثرين المتنفِّخين من المتعلمين عندَنا وسألته مثل ذلك لنَحا إليك بَصَرَه فأتأرَ النظَر فابتسمَ فضَحكَ فاستهزَأ بك فولاك ظهره فمضى يعجب من غفْلتك وحماقتك وقلّة عقلك.

 

وإن بعضهم ليقول: ليس لنا ما لهم، أَين للطالب المصري أو العربي ما يغريه بالقراءة كما يغرى شكسبير وملتون وبيرون وشيللي وفلانٌ وفلانٌ من الشعراء والكتاب؟ بَلى أين؟ وإن يكن هذا كله حقًّا فافترضناه كذلك، فليس يكون لنا مثل شكسبير وأصحابه إلا باستيعاب قديم كتابنا وشعرائنا، والحرص على آثار مُحْدَثيهم، فإذا كان ذلك أخرج الشَّعْبُ يومًا أمثالَ هؤلاء لمن يلينا من أهل أمتنا. وإلا فإننا سائرون إلى ضعف أبدًا مادُمنا نرَى أن الطالب لا يطيقُ أن يستوعب من شعر البحترى إلا قصيدة واحدة ومن المتنبى مثلها، ثم يكون ذلك آخر عهده وأوله بدراسة الآثار الأدبية العربية.

 

إن الحفظ الأول للآثار الأدبية الرائعة قديمها وحديثها هو الذي يخرج الأديب والكاتب والشاعر. انظر إلى المنفلوطي والرافعي وشوقي وحافظ والبارودي والزيات وطه حسين، كل هؤلاء لم يكونوا كذلك إلّا لأنهم نشأوا وقد حفظوا القرآن أطفالًا فحملهم ذلك على متابعة حفظ الآثار الأدبية الجليلة، ثم حفز هذا المحفوظ ما انطووا عليه من الطبيعة الأدبية التي استقرَّت في أنفسهم وأعصابهم، فلما استحكموا استحكمت لهم طريقتهم في الأدب والشعر والإنشاء، ولولا ذلك لما استطاعوا أن يكونوا اليوم إلا كما نرى مِن سائر مَنْ تخرجهم دور التعليم بالآلاف في كل عام ينقضي من أعوام الدراسة.

 


 

المصدر:

محمود شاكر، جمهرة مقالات محمود محمد شاكر 1/ 152، 153

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#اللغة-العربية
اقرأ أيضا
هل مجتمعنا خير من مجتمع رسول الله | مرابط
فكر مقالات

هل مجتمعنا خير من مجتمع رسول الله


أعرف أحد المنتسبين للثقافة إذا طرح أي فكرة في مقالاته لا بد أن يذيلها بمقولة مع الالتزام طبعا بضوابط الشريعة ولا يمل من تكرار هذه الجملة بشكل يطمئن القارئ لكنه في المجالس الفكرية المحدودة يعلن صراحة بأنه كما يقول: يارجل لا حل لنا إلا بالعلمانية وتحويل الدين إلى خيار شخصي محترم فقط كل المجتمعات المعاصرة لم تتقدم إلا بالعلمانية الدين شيء رائع ونبيل ولكنه يجب أن يبقى ممارسة ذاتية

بقلم: إبراهيم السكران
1091
الحجاب.. والفتاة المؤمنة | مرابط
المرأة

الحجاب.. والفتاة المؤمنة


وإن الفتاة المؤمنة هي التي لا تتحايل على ربها بلباسها فتظهر زينتها من حيث هي تزعم التدين والانتماء لأهل الصلاح بل الفتاة المؤمنة هي التي تلبس جلبابها الشرعي ثوبا هادئا ساكنا خاشعا على بدنها يسترها ولا يفضحها ويرفعها ولا يضعها ويكرمها ولا يمسخها ثم يقربها من ربها ولا يبعدها ويرفعها في الجنة إلى منازل الصالحين والصالحات والصديقين والصديقات.

بقلم: فريد الأنصاري
287
أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام | مرابط
تاريخ

أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام


ولعل منشأ هذا الحب العميق للإسلام عند الصديق رضي الله عنه هو الإخلاص الشديد في قلبه فالعمل المخلص لا يرتبط بوجود أشخاص أو هيئات أو ظروف إنما هو مرتبط بالله جل وعلا وبالتالي فالإخلاص يدفع صاحبه إلى العمل الدءوب في كل الأوقات وبالحماسة نفسها وهذا ما دفع الصديق رضي الله عنه إلى أن يبقى على هذه الروح في حمل الرسالة حتى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وإلى موته هو شخصيا رضي الله عنه فقد ظل يحمل هم الدعوة ويتحمل مسئولية الإسلام وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره

بقلم: د راغب السرجاني
1367
شبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام


تقول الشبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام فكيف يتفق ذلك وما جاء في القرآن حيث علمنا أنه ألقى سيدنا إبراهيم عليه السلام في القرآن بينما استنادا إلى بعض المصادر وعلى رأسها الكتاب المقدس نجد أنه لم يكن موجودا بعصر إبراهيم بين يديكم في هذا المقال الرد على الشبهة

بقلم: محمد عمارة
1110
بين الحق والباطل | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الحق والباطل


مقتطف للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يلفت فيه الأنظار إلى ما دواخل النفس الإنسانية للمسلم وكيف يتصارع الحق والباطل ولماذا تنتهي المعركة أحيانا بفوز الباطل وأحيانا أخرى بفوز الحق ويشير إلى حقيقة هذا الصراع وتجلياته في القرآن الكريم

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2134
ماذا كان يفعل ابن تيمية إذا أشكلت عليه مسألة | مرابط
اقتباسات وقطوف

ماذا كان يفعل ابن تيمية إذا أشكلت عليه مسألة


الفائدة الحادية والستون حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم

بقلم: ابن القيم
543