أصول الانحراف الدرس الأول ج3

أصول الانحراف الدرس الأول ج3 | مرابط

الكاتب: أحمد عبد المنعم

475 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

2. ختمة لبحث حل المشكلة:

رقم اثنين نحن الآن نريد أن نستخرج من القرآن أصول الانحراف أو أصول الضلال فكيف ذلك؟ قلنا المشاعر، عرفت أني محتاج للقرآن مكتفي مصدق سأطبق، حسنًا هذا رقم واحد.
رقم اثنين: طريقة أني أستخرج بحيث أنك بعد ذلك سواء لم نكمل السلسلة أو سواء أنت أردت أن تستخرج أصول الانحراف، مهم جدًا أنك تتعلم شيء اسمه "الهدى العام والهدى الخاص"، القرآن فيه هدى عام وهذا تكلمنا عنه في درس "إعادة ضبط" أن القرآن يعيد تشكيلك تمامًا لقبول الشرع، فيصلحك ككل، فلو أنت تريد هداية عامة في حياتك تتجه للقرآن.
حسنًا، لو أنا أحتاج حلًا لمشكلة، أريد أفهم مثلًا كما ذكرت واحد يناقش قضية العلمانية، أو يناقش مسألة -وستأتي معنا في أصول الانحراف- مسألة هل العلم للعلم أم العلم للعمل، هل هناك حالة ممكن نسميها "الإرجاء المعرفي" كثرة قراءة الكتب مثلًا الفكرية والمعرفية بدون أن يتحول لواقع عملي، هل هذا شيء خطأ أو هل هذا شيء ينكر أم أنه شيء عادي

 

فنريد إجابات عن قضية ممكن تظن أنها معقدة، هل الوحي لم يتكلم عن هذه القضية؟ هل كما تكلمنا مثلًا عن أثر الدولة الحديثة في بناء الإنسان وفي الإيمان هل هذا موجود؟ بمعنى هل التقط القرآن الإشكال الذي ممكن قوم به تجمع قبلي أو شعوب في مكان ما والإحداث أن الولاء يكون لهذه فقط؟ هل القرآن لم يتناول هذه القضية ولو بإشارات؟ 
هذا نسميه "الهدى الخاص"، كما قلت لكم مثلًا شيخ الإسلام يدخل في مناظرات كثيرة، رد على طوائف كثيرة وعلى الفلاسفة ويرد على المعتزلة ويرد على الأشاعرة، كان يستعمل دائمًا النص القرآني رقم واحد، بل لما كتب أشبه بمقرر عقدي كالواسطية ابتعد فيها عن الجدل الكلامي، مليئة بالنصوص والأحاديث والآثار.

 

فأحيانًا أنت يقابلك مشكلة -انتبه فهذا رقم اثنين ليس فقط لأصول الانحراف ولكن لأي شيء- فتقبل على النص القرآني تعمل ختمة لتبحث عن حل للمشكلة.. كنت ذكرت في آخر درس في "سورة الرعد" لما تكلمت عن بعض الطوائف وتكلمت حتى عن كتاب الدكتور ياسر المطرفي واسمه "العقائدية وتفسير النص القرآني" كيف أن الإنسان حين يعتقد ثم يستدل فهذا يكون من أسباب الضلال أصلًا؟ أنه يقبل على النص القرآني بعقيدة مسبقة، يبحث عن آيات تصلح لها، فيقوم بلَيّ الآيات لتناسب معتقده، فليس هذا المقصود، لا، هناك فارق، أنك تُقبل بإجابة مسبقة تبحث عن آيات تتناسب مع الإجابة -التي تريدها أنت- فتقوم بليّ عنق النص مثل الذي ينطلق من قناعته بنظرية التطور ويقبل على القرآن يبحث في النص القرآني على آيات يلوي عنقها لتناسب وتؤيد نظرية التطور، هذا غير الذي يقبل على القرآن ليبحث عن إجابة -عن الحق-. 

 

الذي يقبل على القرآن -إن صح التعبير- بأقفال يبحث لها عن مفاتيح فإنه يجد كنوزًا، الذي يقبل على القرآن بهموم يبحث لها عن حل، الذي يقبل على القرآن بتساؤلات يبحث لها عن إجابات، يفاجأ بآيات كثيرة كانت نصًا في الباب ولكنه لم يكن يشغله هذا الهم.

 

فمثلًا أنت ممكن تكون قرأت كتابًا ما يتكلم في مسألة اقتصادية مثلًا وأنت لم يكن عندك المشكلة التي يعالجها الكتاب، فلما قرأت الكتاب -قراءة عابرة- قلت الكتاب جيد، لكن حين وقعت في المشكلة فرجعت تقرأ الكتاب فوجئت أنك تقرأ الكتاب كلمة كلمة وأنت منبهر كيف قرأت الكتاب قبل هذا ولم أنتبه لهذا، لأنك لم تكن في المشكلة.

 

إحساسك بالمشكلة وسيطرة المشكلة عليك كونك تبحث لها عن حل، فتفاجأ أن القرآن يقدم إجابات عن هذا الهم أو عن هذه المشكلة وأنت لم تكن تشعر بها، كما قلنا في بداية الدرس: الفكر البنائي الإيماني من خلال القرآن، فكرة الإقبال على القرآن للبحث عن همّ أو عن مشكلة ما عن حل لهذا الهم وحل لهذه المشكلة لكن مشكلة خاصة.

 

جرب تقرأ ختمة بفكرة، أي اختار فكرة، تريد تبني الإيمان بداخلك، عندك مشكلة في التوكل مع الأخذ بالأسباب وتسأل: هل يوجد تعارض؟ هل أقدم الأسباب؟ هل هذا نقص توكل؟ حسنًا اقرأ ختمة لترى كلام القرآن في هذه القضية، ستفاجأ بآيات تتكلم في هذه القضية مسألة الأخذ بالأسباب والتوكل، هل يوجد تعارض وكيف يقوم بها الإنسان من غير أن يحدث تعارضًا، ستفاجأ بكمية آيات سواء مباشرة أو إشارات. 

 

وهذه النقطة مهمة جدًا أن طريقة القرآن في حل المشكلة ليس من الضرورة أن تكون مباشرة، ليس بالضرورة أن القرآن يقدم إجابة مباشرة عن تساؤلاتك، بمعنى أن أحيانًا أنت تقبل على القرآن مثلًا وأنت تحمل هم الرزق، المستقبل، وهل العمل للدين لو أدى أنك تتخلى عن بعض الفرص الدنيوية الكبيرة في حياتك من أجله أو للوقوف على بعض الثغور الدينية هل هذا خطأ؟ هل هذا نوع من التواكل أم أنه نوع من نصرة الدين والتوكل الحق؟ هذا السؤال طُرح كثيرًا، أحدهم يريد أن يعمل للدين، يطلب العلم، يريد أن يشتغل في الدعوة، وهذا يُحدث نوعًا من التعارض مع بعض الفرص الدنيوية التي تقابله في حياته -وهذا بالتأكيد جزء من الدرس المنتظر "إشكالية الجمع بين الدين والدنيا"-
فممكن يسألك رجل هذا السؤال، تقول له تعال نبحث تعال نقرأ ختمة نبحث عن حل. 

 

أنت لن تجد هذا العنوان كما هو في السؤال، القرآن ماذا يعمل؟ القرآن يعطيك الحل بطريقة غير مباشرة، القرآن يعيد طريقة تفكيرك أصلًا، يعرفك ما معنى نجاح دنيوي، ما معنى نجاح، ما معنى فوز، ما معنى خسارة، القرآن يعيد التعريفات لمسائل أنت كنت تعتبر أنها ثابتة، أنت كنت تعتبر أنها قضايا منتهية أصلًا، أنت كنت معترضًا أن هذه تضحية أنت كنت معترضًا أن هذه خسارة، أنت كنت تخاف أن يكون هذا نوع من السفاهة. 
فتفاجأ أن القرآن يعيد تعريف معنى السفيه أصلًا، بمجرد أن تبدأ تقرأ وتفتح سورة البقرة، القرآن يعيد تعريف من هو السفيه: 

 

• {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:13] المنافقين يقولون على المهاجرين والأنصار أنهم سفهاء، لماذا قال المنافقين عن المهاجرين والأنصار سفهاء؟ 
• وأيضًا {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة:142] لماذا هنا ربنا سماهم سفهاء؟ في بداية الجزء الثاني.
• {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130] لماذا من ترك جهد سيدنا إبراهيم سفيه؟ ما هو جهد سيدنا إبراهيم؟

 

من أول سورة أنت تعيد تعريف السفاهة أصلًا، فالقرآن يقدم حلولًا جذرية -وهذه آخر نصف ساعة في درس "مميزات الخطاب القرآني"- طريقة القرآن في الحل مختلفة.
مثال: نستفتح سورة الأعراف {المص} تفاجأ أن الله يقول للنبي صلى الله عليه وسلم {فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [الأعراف:2] فلا يكن في صدرك حرجٌ منه! من القرآن! لا يكون في صدرك حرج، وبعد مائتي آية أكثر من جزء، أنت لو تتبعت القرآن آية آية ودر مع القرآن حيث دار وتتلقى الوحي بيقين وبالمشاعر التي قلناها ستفاجأ في آخر السورة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له الله {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف:204] وماذا؟ {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا}، الآية التي قبلها {لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} يطلبون آيات أخرى، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنهم، ويستمع وينصت للوحي.

 

أول السورة أنت من الممكن تقبل وفي صدرك حرج من الوحي، ثم آخر السورة ليس فقط تم حل المشكلة، بل انتهت تمامًا، أنت انتقلت لمرحلة اليقين والفرح والسرور والاستماع والإصغاء والانصات للوحي، كيف حُلت؟ هذا ممكن تُقام عليه دراسات ورسائل ومجالس مدارسة، كيف حلت سورة الأعراف هذا، لكن حتى الإنسان الذي لا يعرف وترك نفسه مع آيات الأعراف واحدة واحدة مشكلته ستحل. 

 

سورة الروم مثلًا أنت تبتدئ سورة الروم في حالة فزع، تقلبات سياسية تحدث في المنطقة {غُلِبَتِ الرُّومُ ‎﴿٢﴾‏ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ‎﴿٣﴾‏ فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:2-4] حسنًا، غُلبت الروم وانتصرت فارس، فهل فارس حين تنتصر على الروم هل سيتعاونون مع الأوثان ويقومون بحرب عامة لنشر الإلحاد ضد أهل الكتاب وضد المسلمين؟ ماذا سيحدث؟ اضطراب.

 

وفي آخر السورة {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ}[الروم:60] لا تكن مُستخفًا، كل خبر تسمعه يستخفك،  الدين سينتصر فأقم وجهك سواء أنت رأيت النصر أو لم تر النصر، الدين سينتصر، فلا داعي لحالة الاستخفاف التي تحدث مع كل انتشار لخبر {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.

ماذا عملت سورة الروم حتى توصلنا لهذه النتيجة؟ هذه الطريقة معجزة قرآنية ممكن يتم مدارستها من خلال رسائل ماجستير ودكتوراه ومجالس مدارسة ودروس ومحاضرات ويفتح على كثير من الناس في فهم ذلك، لكن حتى الإنسان البسيط الذي يقرأ القرآن ويسلم نفسه للقرآن ويدور مع آيات القرآن سيتغير بإذن الله سبحانه وتعالى، سيصل إلى هذه الحالة حالة عدم الاستخفاف وحالة اليقين.

 

ذات مرة كان أحد الإخوة عنده مشكلة في الرزق واضطراب فقلت له تعال نصلي ركعتين وبعدها نتكلم ونتناقش في مشكلة العمل هذه، فقابلنا أحد إخواننا فقلت له صلي بنا ركعتين، هذا الأخ عندما يبدأ سورة لابد أن يكملها، فصلى بنا ركعتين قرأ الإسراء ومريم وطه، فبعد الصلاة أتيت أكلم الأخ -صاحب المشكلة- فقال لي: مشكلتي حُلت، ممكن -من باب حسن الظن- تكون مشكلته حُلت أنه وجد في هذه السور حلًا لمشكلته.

 

فالآيات التي جاءت في سورة الإسراء وسورة مريم وسورة طه تحديدًا تكلمت عن الرزق وعن الدنيا، ممكن فعلًا تحل مشكلتك لكن بصورة جذرية، فليست تقول لك تختار هذه الوظيفة أم هذه، فأنت لن تجد وأنت تقرأ سورة الإسراء فجأة يغشى عليك وترى حلمًا اختار وظيفة مثلًا المبرمج وليس وظيفة كذا، لكن القرآن يعيد ترتيب تفكيرك.

 

إذًا كيف نبحث في القرآن عن أصول الانحراف: 

1- رقم واحد الإقبال بمشاعر 
2- رقم اثنين أن هناك شيئًا اسمه "هدى عام" و "هدى خاص"، القرآن يقدم حلولًا خاصة، لو أنت أقبلت على القرآن بمشكلة خاصة تبحث عنها قد يقدم إجابات مباشرة وهذا موجود لكن يحتاج إلى استنباط، كما يذكر عن الإمام الشافعي أنه كان حين يقابله مشكلة أصولية -مثلًا يبحث عن دليل الإجماع أو يبحث عن دليل القياس في القرآن-، فكان الإمام الشافعي يقرأ ختمة أو أكثر من ختمة ليبحث عن دليل هذه المسألة في القرآن، هل يوجد دليل عن القياس أو عن الإجماع في القرآن. 

فكونه يقوم بهذه الختمة هذا أمر مبهر، لأجل بحث عن مسألة أنت لا تتخيل ممكن تكون مسألة في نظر البعض مصطلح حادث، حتى لو كان موجودًا ومستعملًا عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لكن يبحث عنها في القرآن، هذا من يقين الإمام الشافعي أن القرآن فيه هدى.

3- رقم ثلاثة: بما أننا سنبحث عن مشكلة خاصة وهي "أصول الانحراف" من الوسائل أننا أثناء قراءة القرآن حين تجد كلمات أهل الضلال في خطابات أهل الضلال، نحتاج أن نجمعها ونحللها، مثل الخطابات التي قالها فرعون، الخطابات التي قالها إبليس، التي قالها الملأ،      التي قالها مثلًا صاحب الجنتين، التي قالها أي أحد من  أهل الكتاب مثل {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة:18].

 

3. دراسة خطابات أهل الضلال:

دراسة هذا الكلام لأن الكلام يعبر عما يدور في النفس، وأن الله سبحانه وتعالى من وسط كلامٍ كثيرٍ قالوه انتقى هذا الكلام وأخبرنا به، بل قاله الله سبحانه وتعالى بصورة مركزة، لأنهم لما قالوه لم يقولوه بنفس الصياغة التي في القرآن، هم قالوا خطابات كثيرة جمعت في سياق قليل المباني كثير المعاني وهذا اختاره الله سبحانه وتعالى وقاله لنا، فهو أصلًا قد لا يكون يتكلم العربية فلما أخبرنا الله سبحانه وتعالى بهذه الجملة هذا اختصار لكلام كثير مهم عما دار في نفسه وعقله {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك:14].

 

فمهم دراسة كلام أهل الباطل لنستخرج منه أسباب الانحراف لأنه يعبر عن نفوسهم وعن طريقة تفكيرهم، فهذا من أحد أهم وسائل استخراج أصول الانحراف وأصول الضلال من خلال الوحي، وهذا مهم، لماذا؟

 

4. الأنماط القرآنية:

هذه كانت الفكرة الرابعة، فمن الممكن أن نضمها مع الثالثة لضيق الوقت، فكرة الأنماط القرآنية، أن القرآن لما ذكر نمطًا معينًا مثل قارون مثل فرعون، هامان، إبليس، أبو جهل، أبو لهب…، مثل الملأ عمومًا، لما ذكر هذه الأنماط هذه أنماط تتكرر {وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ}[النور:34] هذه أنماط تتكرر على مدار التاريخ، أي هذه الشخصيات تتكرر. وهذا كان من عادة القرآن أنه لا يذكر الأسماء، بل غالبها أوصاف، حتى يقال أن هذه كانت أوصاف وظائف، ففرعون ليس اسمه فرعون، حتى الاسم الذي ذكر هو أبو لهب من المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو كان من المشركين، أو من المؤمنين زيد رضي الله عنه وكان لسبب، لكن عادة القرآن في الأصل أنه لا يهتم بتحديد الزمان.

 

بل يحدث خلاف طويل بين المفسرين عن أصحاب الكهف عن الزمان وأين المكان، ويختلفوا متى زمان القصة وأين مكان القصة، يختلفوا اختلافًا طويلًا، وحتى أصحاب الأخدود في سورة البروج تجد فيها خلافًا، وقصة أصحاب القرية مؤمن آل ياسين تجد فيها خلافًا، لماذا؟ 

 

لأن ليس الغرض تحديد طائفة معينه أو شخص معين، إنما هذا نمط معين، بل حتى ابن عاشور لما تكلم في أصحاب الكهف قال أنه كان يوجد كهوف كثيرة وهذا كان أمر متكرر، هروب المؤمنين للكهف كان أمرًا متكررًا لما كان اليهود يعذبون النصارى، فانتشر النصارى وقاموا بالسياحة في الأرض والرهبانية، كانوا يذهبون إلى الكهوف وقالوا أن هذا كان أمرًا متكررًا. 

 

ففكرة الأنماط القرآنية، فدراسة النمط القرآني وفهمه مهم لأنه سيتكرر لكنه يتكرر بمصطلحات مختلفة، فمثلًا الشيطان عندما يستعمل مصطلحًا حتمًا حين يستعمله في ٢٠٢٠ من باب التجديد سيقوله بأسلوب مختلف، الشيطان يكرر نفس الخطة لكن غير معقول أن يكرر نفس الخطة بنفس الكلام -وهو لو كررها بنفس الكلام سنقع أيضًا لكن هو من باب التجديد وكسر الملل- فيجدد ويستعمل مصطلحات جديدة لكن أصولها القرآنية ذكرت، لذلك القرآن أيضًا يهتم بالأصول وليس بالتفاصيل، فهم الأصول يجعلك تكتشف التفاصيل.

 

خاتمة
هذه الطريقة التي نحاول من خلالها أن نكتشف بحيث أن الباب يظل مفتوحًا، أنا أصلًا لم أنته من تحضير السلسلة بعد، كتبت ما يقرب من خمسة عشر كلمة أو أصل أو فكرة على ألسنة -أو من خلال قصص- أهل الضلال، سنحاول أن ندمجهم، لتجنب الإطالة، نحاول أن ندمجهم مع بعض، الأصول التي تشبه بعض نضعها معًا، ولا ننشغل كثيرًا بتقسيم الأصول، هذا دوركم إن شاء الله، تعيدوا التنظيم بحيث أن الذي يكتشف بعد ذلك أو أحد يمدني بفكرة وهو يقرأ ختمة يجد أن هذه الجملة محورية مثلًا قالها أحد رؤوس الضلال وتعبر عن مرض نفسي بداخله أو عن مشكلة عقدية هي التي تسببت في انحرافه أو تسببت في ضلاله.

 

كنت أود أن أطيل معكم أكثر من هذا حقيقةً، يوجد كتابين أنا قلت لكم على "تنزيل الآيات على الواقع" يوجد كتاب جيد -وإن كنت لا أتفق مع جزء منه- اسمه "القرآن وتأثيره في شقي المخ الظمأ والإرواء" دار اسمها وحي القلم كتاب أعجبني فيه أن فكرته جديدة، وهي: كيف أن القرآن يعيد تشكيل المخ مرةً أخرى، كيف أن القرآن يقوم بنحت طرق جديدة للتفكير في المخ، ويجعل الإنسان أوسع إدراكًا ويتعامل مع قضايا رحبة وفيها نوع من السعة، وكيف أن القرآن يكسر حواجز الزمان والمكان وهذا يؤثر على طريقة التفكير.

 

أيضًا كتاب اسمه "الوحي والإنسان نحو استئناف التعامل المنهجي مع الوحي" للدكتور أحمد عبادي من دار النيل، دار النيل غالبًا عندها لمسة تصوف، أظن أحمد عبادي كان مهتمًا بتراث سواء سعيد النورسي أو فريد الانصاري، كانوا مهتمين بالقضايا القرآنية مع لمحة تصوف، أي فيها نوع من شيء جيد وبعض الاعتراضات، لكن أقرأ لكم منه أختم بهذه المقولة لأن الدرس استعادة الثقة في النص القرآني، حقيقةً المقطع كله الذي تكلم فيه عن القرآن والتعامل المنهاجي مع القرآن جيد حقيقةً لكن لضيق الوقت سأقرأ لكم القليل منه يقول:

"فإرادة الإنسان وقدرة الإنسان حين تقترن بالطين" أي حين يوجه الإنسان طاقته اتجاه الطين وتريد نحته وتريد أن تجعل منه شيئًا يذكر "فإن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان أن يصير هذا الطين تمثالًا، لكن حين تقترن إرادة الله بالطين فإنها تصيره إنسانًا، ينظر إليك ويقول لك ويعارضك ويوافقك وينصحك وقد يثور في وجهك إذا لم ترد أن تنتفع بهذا النصح هذه قدرة الله سبحانه وتعالى" بالتأكيد مسألة اقتران الإرادة بالإنسان أو بالقرآن فيها نوع من عدم الضبط العقدي لكن سأتجاوزها، فيقول: "هذه الإرادة تصنع إنسانًا مبدعًا له قوله وله توقيعه وله إحساسه"، بمعنى: حين يوجه إنسان طاقته تجاه الطين ولما ربنا سبحانه وتعالى خلق من الطين بيده آدم ونفخ فيه الروح فماذا عمل الإنسان وماذا عمل الله؟ الفارق ما بين التمثال وبين الإنسان الحي النابض المتحرك الذي عنده مشاعر وفكر هو الفارق -هذا ما يريد أن يقوله- هو الفارق بين كلام الإنسان وكلام الله سبحانه وتعالى، فيقول بعدها: "وكذلك حين تقترن إرادة الإنسان بالكلمة والحرف فإنها -الإرادة- تصيرهما شعرًا ونثرًا بيد أن إرادة الله حين اقترنت بالكلمة وبالحرف صيرته قرآنًا".

 

إذًا -بعيدًا عن طريقة سياق الكلام- الإنسان لما يوجه طاقته للكلام هو في النهاية ينتج شعرًا أو نثرًا أو كتابًا يكون فيه أخطأء لأن أي كلام غير القرآن ربنا يقول {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء ٨٢] فليس أي اختلاف وإنما اختلافًا كثيرًا، لأن من الذي يعلم الغيب إنه الله سبحانه وتعالى، فكما الفارق بين الإنسان الحي النابض المتحرك وبين التمثال يكون الفارق بين كلام الله سبحانه وتعالى وكلام البشر. 

 

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وجزاكم الله خيرًا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أصول-الانحراف
اقرأ أيضا
تصوير ناسا أم خلق ناسا؟ | مرابط
تفريغات

تصوير ناسا أم خلق ناسا؟


أيها الكرام نشرت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا صورا تشويقية لما قالت أنه أعمق صور للكون تلتقط حتى الآن على الإطلاق وهذه الصور تبين جانبا من عظمة الكون من حولنا. الملفت للنظر أن هذه الصور نفسها تزيد الذين آمنوا إيمانا وتزيد المنبهرين بالغرب سفها وكفرانا.

بقلم: د. إياد قنيبي
335
أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعادة صياغة اللغة | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعادة صياغة اللغة


ليست هناك خطورة في مراجعات كلمات معينة أو مصطلحات غير دقيقة الصياغة أو كتابة نصوص تحابي المرأة بضمائر التأنيث وإنما الخطورة تكمن في أن الأنثوية تحاول أن تفرض كلمات معينة ومصطلحات خاصة وجديدة تعبر عن رؤيتها للعالم وفكرها الخاص في كل القضايا التي طرحناها وهي شاملة ومتعددة الجوانب وبهذا الشكل بإنها تريد تزييف المعارف الإنسانية والتمهيد لترسيخ ثقافة خاصة بها وخلق قيم جديدة وتكريسها عبر الوعاء اللغوي وعلاقة الترابط الموجودة بين الدال والمدلول

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
1831
حفظ اللسان | مرابط
فكر مقالات اقتباسات وقطوف

حفظ اللسان


إن ربنا سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد جاء عنهما الأمر بحفظ اللسان هذا العضو السريع الحركة أسرع الأعضاء حركة وأنشطها لا يكل ولا يمل من كثرة الاستعمال قال الله عز وجل في كتابه العزيز: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد سورة ق 18 فكل ما خرج منه يكتب ويرصد ويحفظ ويجمع لينشر يوم الدين وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

بقلم: محمد صالح المنجد
1209
كيف نعلم الطقس غدا وهو من الغيب؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

كيف نعلم الطقس غدا وهو من الغيب؟


قد يقول قائل: إن من أمور الغيب التي استأثر الله بها إنزال الغيث والعلم بما في الأرحام فكيف تخبر النشرة الجوية عن جو الغد أصحو أم ماطر؟ ويكشف العلم عما في بطن الحامل: هل هو ذكر أم أنثى؟

بقلم: علي الطنطاوي
240
الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة | مرابط
تفريغات

الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة


وكذلك أيضا من فضل الله عز وجل على عباده: أن جعل هذه الأيام موضعا للصيام وآكد هذا الموضع في الصيام هو صيام يوم عرفة كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي الكلام عليه بإذن الله. ويشرع للإنسان أيضا أن يصوم عشر ذي الحجة إلا يوم النحر فإنه يحرم صيامه لكونه عيدا وأما الأيام الباقية اليوم التاسع وما قبله فإنه يشرع للإنسان أن يصومها وكان السلف يصومون ذلك.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
309
معنى الثقافة في التاريخ | مرابط
اقتباسات وقطوف

معنى الثقافة في التاريخ


لا يمكن لنا أن نتصور تاريخا بلا ثقافة فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما تاريخه. والثقافة -بما تتضمنه من فكرة دينية انتظمت الملحمة الإنسانية في جميع أدوارها من لدن آدم- لا يسوغ أن تعد علما يتعلمه الإنسان بل هي محيط يحيط به وإطار يتحرك داخله

بقلم: مالك بن نبي
341