ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الأول

ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الأول | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

1330 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ما هي ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر
وما أثر ذلك على نفس المسلم؟

أولًا: القدر مما تعبدنا الله به استسلامًا له، فلابُدَّ أن نعرف حكم القضاء والقدر، وأنَّ الإيمان بالقضاء والقدر واجب لنتعبَّد اللهَ بالاستسلام لهذا القضاء والقدر.

ثانيًا: إنَّ ذلك طريق للخلاص من الشِّرك، فالمجوس مثلًا ضلُّوا في باب القضاء والقدر، وكذلك أناس كُثر ضلُّوا، فلاجتناب الزَّيغ والبدعة والشِّرك في العملية هذه لابُدَّ أن نعرف ما هو المنهج السَّلفي الصَّحيح، وماهي عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة المذهب الحق في القضاء والقدر؟ فقد ضلَّ في هذا من قديم الزَّمان المجوسُ حيث زعموا أنَّ هناك خالقين: خالقٌ للشَّرِّ، وخالقٌ للخير، وجعلوا النَّور خالقَ الخير، والظلام خالقَ الشَّر، وأثبتوا خالقين مع الله وهذا شرك، ولذلك فإنَّ تبيان هذا الأمر ينقذ من هذه العقيدة الباطلة ومن غيرها.

ثالثًا: إنَّ الإيمان بالقضاء والقدر في الحقيقة يورث الشَّجاعة والإقدام، فالذي يؤمن بالقضاء والقدر يعلم أنَّه لن يموت قبل وقته، وأنَّه لن يناله إلَّا ما كتب الله عليه، ولذلك يُقدِم في المعركة غير هيَّابٍ ولا وجلٍ، وليس بالضَّرورة أنَّ الواحد إذا خرج في معركةٍ أنَّه سيموت فيها، بل كثير من المعارك الذين يرجعون وينجون أكثر من الذين يهلكون، وهذا معروف حتى معارك النَّبي صلى الله عليه وسلم كبدر وأحد والخندق ومكة وغيرها، فالذين رجعوا منها أكثر من الذين ماتوا فيها بأضعاف مضاعفة، فإذًا فما دام أنَّه يعلم أنَّ القدر الذي قُدِّر عليه مكتوبٌ، فقد يكون بحادث سيارة، أو في معركة، أو بسكتة ونحوه، إذًا لماذا لا يُقدِم في سبيل الله؟ فإن جاءت الشَّهادة جاءت، وإن ما جاءت فهو على خير، ولذلك كان سبب الاندفاع عند كثير من الشُّجعان من المسلمين عقيدتهم القوية بهذه القضية، فالقضاء والقدر يُرزَق العبد بسبب الإيمان به قوةٌ في إيمانه لا يتزعزع ولا يتضعضع، ثم كذلك يصبر ويحتسب ويواجه الأخطار والصِّعاب.

إنَّنا نرى -أيها الإخوة- أنَّ هؤلاء الكفرة والغربيين ومن تأثَّر بهم: بعضهم انتحروا، وبعضهم أصابهم الجنون، وبعضهم أصابتهم الوسوسة، وبعضهم لجأ للمخدرات فرارًا من الواقع، وبعضهم قتل نفسه، كما حدث في البلاد المتقدِّمة كأمريكا والسُّويد والنَّرويج وغير ذلك، أكبر بلدان العالم هي بسبب الانتحار، وعندهم مستشفيات خاصة للانتحار، وبعضهم بسببٍ تافهٍ: فهذا تركته عشيقته أو خطيبته، وهذا رسب في الامتحان، وهذا بسبب وفاة مطرب ونحو ذلك، وأحيانًا ما يكون من انتحار جماعي، كما حدث لعدد من هؤلاء الكُفَّار، أو رُبَّما يأمرهم به كاهن من الكهنة ويقول موعد القيامة، وإذا ما جت القيامة نموت، هم يذهبون إليها، والغريب أنَّ الانتحار يقع في تلك البلاد عند بعض الأطباء النَّفسانيين، الذين من المفترض أن يعالجوا قضية الانتحار، ولذلك أحدهم لما عمل أبحاثًا كثيرةً طويلةً وهو طبيب نفسي على قضايا الانتحار والأسباب ونحوه، ودرس دراسةً ميدانيةً، وجمع الشَّواهد وقابل الأشخاص وعالج أشياء، والنَّتيجة النِّهائية التي وصل إليها أنَّه هو نفسه انتحر، وأمَّا بالنُّسبة للهداية فإنَّ الله قد قال: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" [التغابن: 11].

وقد قال علقمة رحمه الله كلمةً مؤثرةً في هذه الآية، قال: "هو الرَّجل تصيبه المصيبة فيعلم أنَّها من عند الله فيرضى ويُسلِّم"[تفسير الطبري23/ 421].
فإذًا: "وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ"، فواضح أنَّ "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" [التغابن: 11].


إذًا لو آمنت بأنَّ الله هو الذي قدَّر وكتب يفتح لك باب هداية، بسبب الإيمان بالقضاء والقدر، وليس فقط الصَّبر على المصيبة، وكذلك الإنفاق، فالإنسان يتصدَّق بما عنده من المال متوكلًا على الله بأنَّ ما كُتِب له من الرِّزق سيأتيه، ويدفع أيضًا إلى الكرم من جهة أخرى فيُرزق العبد بسببه استسلامًا واعتمادًا "قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا" [التوبة: 51]. يرزَقون به إخلاصًا، فإنَّ النَّاس لا ينفعوك إلَّا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وهو القضاء والقدر، فالعبد يستمرُّ إذًا على الإخلاص غير مبالي بمدح النَّاس ولا بذمهم.

 

الإيمان القضاء والقدر يورث حُسن الظَّنِّ بالله

أيضًا الإيمان بهذه العقيدة المهمة يُرزَق العبد به إحسان الظَّنِّ بالله، وقوة الرجاء:

ما مسَّني قدرٌ بكرهٍ أو رضى    إلَّا اهتديت به إليك طريقا
فالمؤمن حسَنَ الظَّنِّ بالله يرجوا الله في كل أحواله، كذلك الإيمان بالقضاء والقدر يُرزَق به الإنسان  خوف من الله، وخوف من سوء الخاتمة، حيث يعلم أنَّ الله يقدِّر سوء خاتمة على أُناس فيخافها.

كذلك فإنَّ الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض مثل الحسد، فلماذا الناس يحسدون؟ "أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" [النساء: 54]، "نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [الزخرف: 32]، فإذا آمن بالقدر أنَّ الله كتب لهذا ولهذا كذا، وأنا مكتوب لي كذا: فلماذا أحسُد فلانًا على أنَّه فوقي، أو عنده أكثر منِّي، وهذه كُلُّها أشياء مكتوبة، وكُلُّها في اللوح المحفوظ، والله قسَّم الأرزاق بين العباد وهذا من شأنه ، فأنا أرضى وأقنع بما عندي، ولا أحسد غيري، ولا أتمنى أن تزول عنه النِّعمة.

ثم إنَّ الإيمان بهذه العقيدة أيضًا يُحارب الخُرافات؛ لأنَّ النَّاس يلجئون للدَّجَّالين والمشعوذين في أي شيء، وللكهان والمنجمين والعرافين في علم الغيب، فالإنسان يعلم أنَّ هذا الأشياء المكتوبة لا يُغيِّرها هؤلاء الكُهَّان والمنجِّمين والعرَّافين، وكذلك فلا يمكن أن يطلِّعوا على الغيب

لعمرك ما تدري الضَّوارب بالحصى    ولا زاجرات الطَّير ما الله صانع
سلوهنَّ إن كذبتموني متى الفتى    يذوق المنايا أو متى الغيث واقع

لا أحد يعرف، هذا شيءٌ قاله لبيد بن ربيعة، ولذلك فالمنحرفون كالصُّوفية نعوذ بالله من شرِّهم يقول أحدهم: ذهب شخص إلى شيخ صوفي، فقال: يا شيخ أريد أن أُسافر، فانظر هذا في مصلحتي أم لا؟ فقال: يا ولدي أرجع لي غدًا، فرجع له في اليوم التالي، قال: ها أنا غدت يا شيخ، قال الشيخ : لا تسافر، لماذا؟ قال: ستُقتَل ويؤخذ مالك في الطريق، قال: إن السَّفر ضروري، قال: هذا الذي رأيته لك، فقال: إذًا الحلُّ؟ قال: إذا أنت مُصرٌّ فاذهب إلى عبد القادر الجيلاني -وعبد القادر الجيلاني بريءٌ منهم ومن عملهم كُلُّه، الصُّوفية المنحرفون-  فذهب إليه، وقال: سألت شيخي فلانًا، فقال: السَّفر ليس في مصلحتك، وأنا مُصِرٌّ على السَّفر، فحولني عليك، فقال: هو كما قال لك شيخك، أنَّ هذا سفر غير جيد.

قال: فما الحل يا شيخ أنا لابد أسافر؟ قال: أأنت مُصرٌّ؟ قال: نعم، قال: نعم، قال: إذًا سافر، فسافر هذا الرجل ورجع ولم يصب بشيء، ذهب إلى الشَّيخ وقال: يا شيخ أنا سافرت ورجعت ولم يصير لي شيء، قال: بلا شكٌّ، قال: أنت قلت لي أنه سيصيبني كذا، قال: نعم، أنا قلت لك، لكن حولتك على عبد القادر، فغير مجريات الأمر، لما تدخل ومسح المصائب التي في الطَّريق، أنا أعرف الغيب وهذاك يغير في الغيب، فهذا عمل الصُّوفية، ولذلك من يوقن بعقيدة القضاء والقدر لا يمكن تنطلي عليه مثل هذه الخزعبلات، ويمشي في مثل هذه الطَّريق السَّخيفة.

وكذلك فإن القضاء والقدر يُرزق به العبد تواضعًا، فإذا رزقه الله مالًا أو جاهًا أو علمًا تواضع لله؛ لأنَّه علم أنَّ هذا من الله، شيءٌ مقدَّرٌ ومكتوب له أن يُصبح غنيًا، أو يُصبح مشهورًا، أو أن يُصبح ذا منصب فلماذا يتكبر.


 

المصدر:

https://almunajjid.com/courses/lessons/323

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإيمان-بالقدر
اقرأ أيضا
الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي


إننا نقبل العلم الطبيعي كوسيلة بحث ولا نقبله كفلسفة شاملة ننظر من خلالها للحياة worldview ﻷن تبني هذه النظرة يجعلك متبعا للمذهب الطبيعي متبعا لفلسفة تنظر بها للعالم وتفسره من خلالها وأنت في اتباعك هذه الفلسفة لا تبني اتباعك على طريقة العلم الطبيعي والتجريب بل تبني اتباعك على طريقة فلسفية

بقلم: د. حسام الدين حامد
329
الصين والمسلمون ودورة التاريخ | مرابط
فكر مقالات

الصين والمسلمون ودورة التاريخ


وقد كان التاريخ -دائما- شاهدا على هذا التداول فكان شاهدا على نفوذ وجبروت المصريين القدماء ثم نهايتهم على أيدي البطالمة كما شهد التاريخ علو الرومان وطغيانهم وتجبرهم في الأرض ومعاناة الناس من قسوتهم وجبروتهم كذلك شهد التاريخ نفس الأمر بالنسبة للدولة الفارسية حتى جاء الإسلام والمسلمون فأزالوا الطغيان الرومي والفارسي وأشرق نور العدل على البشرية وعرف البشر معنى المساواة وتذوقوا معاني جديدة لم يتذوقوها من قبل وطرقت أسماعهم ألفاظ لم يألفوها كالرحمة والعدل والحرية والشورى

بقلم: د راغب السرجاني
2131
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3 | مرابط
تفريغات

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3


لقد عزمنا على أن نقوم بعمل يقاوم جهود المنصرين واسترشدنا بمشورتكم وبآرائكم وباقتراحاتكم الكثيرة وتوصلنا إلى هذا المشروع وهذه هي فكرته ببساطه: هي أنه لا بد من عمل ما ونحن لا نستطيع أن نفتح مستشفيات أو مطارات أو جامعات لا نستطيع إلا في حدود ما أعطانا الله وهو أن ننشر العلم الصحيح والعقيدة الصحيحة ونرد شبه هؤلاء بالرد العلمي الذي هو مجالنا وبضاعتنا الوحيدة

بقلم: سفر الحوالي
662
النعمة في البرد والحر | مرابط
اقتباسات وقطوف

النعمة في البرد والحر


من النعم التي لا يلتفت إليها كثير من الناس: نعمة الوقاية من البرد والحر وفي هذا المقتطف الماتع لشيخ الإسلام ابن تيمية تعليق سريع حول هذه النعمة من وحي القرآن الكريم حتى يعلم المسلم قدر النعم التي أحاطه الله بها وهي لا تحصى

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
389
الساعة الخامسة والسابعة صباحا | مرابط
تعزيز اليقين

الساعة الخامسة والسابعة صباحا


في الساعة الخامسة صباحا والتي تسبق تقريبا خروج صلاة الفجر عن وقتها تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر إما تسبح وإما تستاك في طريقها بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصلون ويدعون فتيان المنزل وفتياته في سباتهم وما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والدوام إلا وتتحول الرياض وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار حركة موارة وطرقات تتدافع ومتاجر يرتطم الناس فيه...

بقلم: إبراهيم السكران
1763
هل طلب يوسف عليه السلام الرئاسة | مرابط
أباطيل وشبهات تفريغات

هل طلب يوسف عليه السلام الرئاسة


يقولون إن سيدنا يوسف عليه السلام سعى للوصول إلى الرئاسة وطلبها واجتهد لكي يصل إليها فلا مشكلة إذن أن نسعى نحن أيضا إلى المناصب والرئاسة والحقيقة أن نظرتهم لقصة سيدنا يوسف سطحية للغاية ولكنه الهوى إذا استحكم وسيطر على الإنسان لن يعجزه شيء عن خلق المبررات وإيجاد الأسباب وفي هذا المقال المختصر مناقشة لقصة الرئاسة وسيدنا يوسف

بقلم: محمد صالح المنجد
2218