حجاب المرأة ولباسها في الإسلام

حجاب المرأة ولباسها في الإسلام | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

810 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ما لا يُختلَفُ فيه مِن لباسِ المرأةِ:

لا يَخْتلِفُ العلماء في جميعِ المذاهبِ: أنَّ المرأةَ يجبُ عليها ألَّا تَلْبَسَ لباسًا ملتصِقًا يَصِفُ جسمَها، ولا أنْ تلبَسَ شَفَّافًا يُبْدِي لونَ أو هيئةَ ما يجبُ عليها سَتْرُه مِن بَدَنِها، وهُنَّ المقصوداتُ بقولِه صلى الله عليه وسلم في أحدِ الصنفَيْنِ مِن أهلِ النارِ: (نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ) (1)؛ يعني: لا هي كاسيةٌ ولا هي عارِيَةٌ؛ لشُفُوفِ لباسِها ووَصْفِه، وفي» المسنَد» عن أسامةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، قال: كَسَانِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً مما أهدَاها له دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ، فكَسَوْتُها امرأتي، فقال: ما لَكَ لم تَلْبَسِ القُبْطِيَّةَ؛ قلتُ: كسوتُها امرأتي، فقال: (مُرْها فلْتَجْعَلْ تحتَها غِلَالَةً؛ فإنِّي أخافُ أن تَصِفَ حجمَ عِظامِها) (2).

وقد أجمَعَ الصحابةُ والتابعونَ على النهيِ عنه؛ فقد جاءَ عن عمرَ رضي الله عنه مِن وجوهٍ؛ أنَّه كان ينهى النساءَ عن لُبْسِ ما يَصِفُ وَيشِفُّ؛ رواه جماعةٌ كعبدِ اللهِ بنِ خُبَيْبٍ الجُهَنِيِّ، وعبدِ الله بنِ أبي سَلَمَةَ، وأبي يزيدَ المُزَنِيِّ، وأبي صالِحٍ، ومسلمٍ البَطِينِ، وسُليمانَ بنِ مُسهِرٍ؛ كلُّهم يرويه عن عُمَرَ (3)، ورواه نافعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ (4)، وعكرمةُ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما (5).

وقد روى مالكٌ في «الموطَّأ»، عن علقمةَ بنِ أبي علقمةَ، عن أُمِّه؛ أنَّها قالَتْ: «دخلتْ حفصةُ بنتُ عبدِ الرحمنِ على عائشةَ أُمِّ المؤمِنِين، وعلى حفصةَ خمارٌ رقيقٌ، فشقَّقَتْهُ عائشةُ وكَسَتْها خمارًا كثيفًا» (6)؛ واللِّبَاسُ مالٌ مُحترَمٌ لا يُتلَفُ إلا للنهيِ عنه وتحريمِه.

وروى ابنُ أبي شيبةَ، عن ميمونِ بنِ مِهْرانَ، قال: «لا بأسَ بالحَرِيرِ والدِّيبَاجِ للنساءِ؛ إنما يُكْرَهُ لهنَّ ما يَصِفُ أو يَشِفُّ» (7).

ويجبُ ألَّا يكونَ لباسُ المرأةِ عندَ الرجالِ مطيَّبًا؛ ففي «الصحيح» عن زينبَ، قالتْ: قال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شَهِدَتْ إحداكُنَّ المسجِدَ، فلا تَمَسَّ طِيبًا) (8)؛ وهذا في قُرْبِها مِن الرجالِ في المساجِدِ؛ مواضِعِ العبادةِ، وخُلُوِّ القلبِ؛ فكيفَ بغيرِها؟!

ويحرُمُ أن يكونَ لباسُ المرأةِ مشابِهًا لِلِباسِ الرجالِ؛ ففي «الصحيح»، قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لَعَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِن الرجالِ بالنساءِ، والمتشَبِّهَاتِ مِن النساءِ بالرجالِ» (9).

ويجبُ ألَّا يكونَ لباسُ المرأةِ مختصًّا بلباسِ غيرِ المسلماتِ، فتُشابِهَهُنَّ؛ فإنَّ التشبُّهَ بالكفارِ في اللباسِ نُهِيَ عنه الرجالُ والنساءُ؛ ففي «الصحيح»، عنِ ابنِ عمرٍو، قال: رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: (إنَّ هذه مِن ثيابِ الكفارِ؛ فلا تَلْبَسْها)، قلتُ: أَغْسِلُها؟ قال: (لا؛ أَحْرِقْها) (10).

تحريرُ محلِّ النزاعِ فيما يجبُ أن يُستَرَ مِن بدنِ المرأةِ:

يَشرَعُ اللهُ في الدِّينِ عباداتٍ وأحكامًا، ويَحُدُّ حدودًا، تَخْتلِفُ مَنازلُها ومَوازينُها حتى في العبادةِ الواحدةِ؛ كالصلاةِ والصدقةِ والنُّسُكِ؛ فيها الفَرْضُ، وفيها النَّفْلُ، ومنها المُتَّفَقُ عليه، ومنها المختَلَفُ فيه.

ويجبُ قبلَ الكلامِ على تفصيلِ مسائلِ الحجابِ، وسَتْرِ المرأةِ بلباسِها، أنْ نذكُرَ ما أجمَعَ عليه العلماءُ مِن أحكامِ الحجابِ واللباسِ، حتى لا يتسلَّلَ أحدٌ إلى مواضعِ الخلافِ وهو لا يحترِمُ الإجماعَ، فالتسليمُ بالقطعيَّاتِ قبلَ بحثِ الظَّنِّيَّاتِ، ومِن هذا تأكَّدَتْ معرفةُ محلِّ النزاعِ في مسألةِ لباسِ المرأةِ وحجابِها عند الأجانبِ؛ فنقولُ:

أجمَعَ العلماءُ أنَّ حجابَ المرأةِ بمفهومِه العامِّ: شريعةٌ ودِينٌ، وأنَّه ثابتٌ قطعيٌّ متواترٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ، ومَن أنكَرَ شريعةَ لباسِ المرأةِ وحجابِها، وقال: إنَّ لباسَها عادةٌ تُبْدِي ما تشاءُ وتستُرُ ما تشاءُ، فهو منكِرٌ لقطعِيٍّ معلومٍ مِن الدينِ بالضرورةِ؛ كمنكِرِ الصلاةِ، والزكاةِ، والحَجِّ.

وأجمَعَ العلماءُ مِن جميعِ المذاهبِ الأربعةِ وغيرِها: أنَّ تغطيةَ وجهِ المرأةِ الحُرَّةِ الشابَّةِ عندَ خوفِ الفتنةِ بها، واجبٌ؛ خاصَّةً عندَ مَن يُطْلِقُونَ أبصارَهم إليها، ولا تَحْترِزُ منهم إلا بتغطيةِ وجهِها؛ حكى الإجماعَ على هذا جماعةٌ؛ كابنِ رَسْلانَ، وا لجُوَيْنِيِّ (11)، وغيرِهما، قال ابنُ رَسْلانَ الشافعيُّ: «ويدلُّ على تقييدِه بالحاجةِ -يعني: النظرَ- اتفاقُ المسلمينَ على منعِ النساءِ أنْ يَخْرُجْنَ سافراتِ الوجوهِ؛ لا سِيَّما عندَ كثرةِ الفُسَّاقِ» (12).

وأجمَعَ العلماءُ مِن جميعِ المذاهبِ الأربعةِ وغيرِها: أنَّ تغطيةَ المرأةِ الحرةِ الشابَّةِ لوجهِها شريعةٌ ربانيَّةٌ لذاتِه؛ وإنما خلافُهم في التاركةِ له- في غيرِ فتنةٍ -هل هي تاركةٌ لفرضٍ تأثَمُ به، أو لمستَحَبٍّ وفضيلةٍ؟

وأجمَعُوا: أنَّ المرأةَ العجوزَ لها أن تكشِفَ وجهَها؛ بشرطِ ألَّا تتبَرَّجَ بزينةٍ على وجهِها، وأنَّ تغطيةَ المرأةِ العجوزِ لوجهِها خيرٌ لها مِن كشفِه؛ لقولِه تعالى: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60].

وأجمَعَ العلماءُ: أنَّ عورةَ الأَمَةِ ليست كعورةِ الحُرَّةِ، وأنَّ ما يجبُ على الحرةِ مِن السَّتْرِ، لا يجبُ كُلُّه على الأمَةِ، حكى الإجماعَ جماعةٌ؛ كابنِ عبدِ البَرِّ، وغيرِه (13).

وأجمَعَ العلماءُ: على التفريقِ بين عورةِ السَّتْرِ وعورةِ النظرِ، وإنِ اختلَفُوا في حدودِ كلٍّ منهما، فعورةُ السترِ: عورةٌ في ذاتِها؛ ولذا تُسْتَرُ لذاتِها، وعورةُ النظرِ: تُسْتَرُ لأجلِ الناظرِ لها ولو لم تكن عورةً في ذاتِها.

ومَن لم يُفَرِّقْ بين عورةِ الأَمَةِ وعورةِ الحُرَّةِ، وبين عورةِ السترِ وعورةِ النظرِ، اختَلَّ أصلُه؛ فاختلَّتْ تفريعاتُه تبغًا، ولم يَحْمِلْ كلامَ الفقهاءِ على ما أرادُوه.


الإشارات المرجعية:

  1. أخرجه مسلم (2128)؛ من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
  2. أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 205 رقم 21786 و 21788).
  3. انظر: «مصنف عبد الرزاق» (9253 و 12142)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (25288 و 25289)، و «تاريخ المدينة» لابنِ شَبَّةَ (3/ 793)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (2/ 234).
  4. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (25291).
  5. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (25290).
  6. أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 913).
  7. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (25286).
  8. أخرجه مسلم (443)؛ مِن حديثِ زينبَ امرأةِ عبدِ الله.
  9. أخرجه البخاري (5885).
  10. أخرجه مسلم (2077)
  11. «نهاية المطلب» (12/ 31).
  12. نقله عن العظيم آبادي في «عون المعبود» (11/ 162).
  13. انظر: «الاستذكار» (27/ 290).

المصدر:
عبد العزيز الطريفي، الحجاب في الشرع والفطرة، ص75

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الطريفي #الحجاب #لباس-المرأة
اقرأ أيضا
القواعد العشر في الدعوة إلى الله | مرابط
مقالات

القواعد العشر في الدعوة إلى الله


اجعل الله غايتك على كل حال. واتخذه هدفا لدعوتك: تتعرف عليه وتعرف به تكن أحسن القائلين في الدين. اجعل تنظيمك أو جماعتك خادمة لله ولا تجعل الله خادما لتنظيمك أو جماعتك واحذر! فهذا منزلق قلما يسلم منه أحد من المتحزبين. فتدبر .. ! تلك لطيفة من لطائف قوله تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله فصلت:٣٣ وقد فصلنا الكلام في هذا المعنى بكتابنا البيان الدعوي معززا بأدلته الوافية هناك فارجع إليه إن شئت والله الهادي إلى الحق ولا حق سواه.

بقلم: فريد الأنصاري
319
الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط
الجندرية

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي


شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرا متكلفا فما الدافع ترى لهذا التزييف أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدمي مقبول أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار

بقلم: نزار محمد عثمان
3085
دين الأهوائية | مرابط
مقالات

دين الأهوائية


فمعظم الغربيين يمكن تعريفهم بأنهم نصارى الهوية لادينيون المنهج! وبينهما دين أو عقيدة أهوائية محضة فتجد الشخص يؤمن بالمتناقضات الصارخة لمجرد أن كلا منها توافق هواه في جانب من الجوانب

بقلم: الزبرقان
341
شبهات حول القرآن الكريم | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

شبهات حول القرآن الكريم


يناقش هذا المقال بعض الشبهات والأباطيل المثارة حول القرآن الكريم ومن أبرزها: ادعاء وجود أخطاء لغوية في نص القرآن الكريم وادعاء وجود أخطاء علمية أو آيات مخالفة لأمور علمية ثابتة والأخير هو ادعاء وقوع التناقض في نص القرآن والكاتب أحمد يوسف السيد يرد على هذه الشبهات الثلاث بالدليل الدامغ

بقلم: أحمد يوسف السيد
2712
أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب


لقد بلغت الأنانية وعبادة الذات وحب الاستمتاع بالشهوات والتمرد على الطبيعة ورفض المسؤولية والتهرب منها والانحراف عن الفطرة والتفسير السقيم بالحركة الأنثوية الراديكالية إلى درجة رفض الأمومة والإنجاب كخطوة لاحقة لرفض الأسرة والزواج زعيمة الأنثوية الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار تسمي هذا الواجب بعبودية التناسل وكأن الأولاد للأب فقط ولا علاقة لهم بالأم

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
3553
آثار قضية تحرير المرأة في المجال التعليمي | مرابط
النسوية

آثار قضية تحرير المرأة في المجال التعليمي


وفي بعض البلدان جعلوا الشخصيات التي جهرت بالتحرر ردحا من الزمن وعارضت قيم الهوية الإسلامية جعلوها نماذج تحتذى وخير مثال على تطور الفرد داخل مجتمعه وبلوغه حد الشهرة العالمية وأكثروا عنهم الكلام ليغرسوا في عقول الجيل الصاعد نماذج تتوافق مع التي يريدون لأفراد المجتمع أن ينشؤوا عليها

بقلم: د إيمان بنت محمد العسيري
497