لا سبيل إلى السَّعادة والفلاح لا في الدّنيا ولا في الآخرة إلّا على أيدي الرُّسل، ولا سبيل إلى معرفة الطّيّب والخبيث على التّفصيل إلّا من جهتهم، ولا ينالُ رضا الله البتّة إلّا على أيديهم.. فالطّيّب من الأعمال، والأقوال، والأخلاق ليسَ إلّا هديَهم وما جاؤوا به؛ فهمُ الميزانُ الرّاجحُ الّذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم تُوزنُ الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميّز أهل الهُدى من أهل الضّلال.
فالضّرورة إليهم أعظم من ضرورةِ البدنِ إلى روحه، والعين إلى نورها، والرّوح إلى حياتها، فأيُّ ضرورة وحاجةٍ فُرِضَت فضرورةُ العبد وحاجتهُ إلى الرّسلِ فوقَها بكثير، وما ظنّك بمن إذا غاب عنكَ هديه، وما جاء به طرفةَ عينٍ، فسدَ قلبكَ، وصار كالحوتِ إذا فارقَ الماءَ ووضعَ في المقلاةِ، فحالُ العبد عند مفارقة قلبه لِمَا جاء به الرُّسل كهذه الحالِ، بل أعظم، ولكن لا يحسُّ بهذا القلب إلّا قلبٌ حيٌّ، وما لجرحِ بميّتٍ إيلامُ.
وإذا كانت سعادةُ العبد في الدّارين معلّقةً بهديّ النّبيّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-فيجبُ على كلِّ من نصحَ نفسه، وأحبّ نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه وما يخرجُ به عن الجاهلين به، ويدخل في عداد أتباعه، وشيعته، وحزبه، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
المصدر:
ابن القيم، زاد المعاد