شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس

شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس | مرابط

الكاتب: محمد عمارة

1299 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشبهة

يعطى القرآن أسماء لبعض الشخصيات التاريخية مخالفة لأسمائهم حسب الكتاب المقدس الذى سبق القرآن بعدة قرون؛ فمثلًا والد إبراهم عليه السلام كان اسمه Teral أو (تارح)، ومع ذلك يسميه القرآن (آزر). واسم الذى كان يوسف عليه السلام فى بيته كان Potiphar، أما الاسم المعطى له فى القرآن فهو (عزيز) [12: 30].

 

الجواب:

أولًا: لا يصح أن نجعل من (الكتاب المقدس) حجة على القرآن ومرجعية له.. لأن الثابت -حتى فى الدراسات التى قام بها كثير من علماء اليهود والنصارى- أن هذا الكتاب المقدس قد أعيدت كتابته، وأصابه التحريف.. كما أن ترجماته قد أدخلت عليه تغييرات وتصحيفات، وخاصة فى أسماء الأماكن والأشخاص..

ثانيًا: لأن القرآن قد تمتع بمستوى من الحفظ والتوثيق والتواتر فى النقل جعله الوحى الوحيد الصحيح على ظهر هذا الكوكب الذى نعيش عليه.. فهو الحاكم والمرجع لكل ما عداه من النصوص الدينية الأخرى..

وفى هذا الإطار.. ومن هذا المنطلق نناقش الشبهات التى يثيرها هذا السؤال.. فنقول:

 

اسم والد إبراهيم عليه السلام

بالنسبة لاسم والد الخليل إبراهيم - عليه السلام - لا تختلف معظم المصادر الإسلامية - سواء منها تفاسير القرآن، أو قصص الأنبياء - على أن (آزر) ليس اسم والد إبراهيم.. وعلى أن اسمه (تارح)..

ومن العلماء من يرى أن (آزر) اسم صنم، وأن الآية خطاب استنكارى لعبادة والد إبراهيم لهذا الصنم، تقدم المفعول فى هذا الخطاب.. والمعنى أتتخذ آزر إلهًا ومعبودًا؟ ومن العلماء من يرى أن (آزر) لقب أطلق على (تارح) بعد أن عمل فى حاشية الملك الذى كان حاكمًا فى ذلك التاريخ..

ونحن نقرأ - حول هذه القضية - فى تفسير القرطبى:

" قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) تكلم العلماء فى هذا، فقال أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الجوينى الشافعى الأشعرى فى النكت من التفسير له: وليس بين الناس اختلاف فى أن اسم والد إبراهيم تارح. والذى فى القرآن يدل على أن اسمه آزر.. وقيل: آزر اسم صنم. كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلهًا، أتتخذ أصنامًا آلهة..

قلت - أى القرطبى -: ما ادعاه من الاتفاق ليس عليه وفاق. فقد قال محمد بن إسحاق والكلبى والضحاك: إن آزر أبو إبراهيم عليه السلام وهو تارح، مثل إسرائيل ويعقوب. قلت: فيكون له اسمان. وقال مقاتل: آزر لقب، وتارح اسم. وحكاه الثعلبى عن ابن إسحاق القشيرى. ويجوز أن يكون العكس.. وقال الجوهرى: آزر اسم أعجمى، وهو مشتق من آزر فلان فلانًا إذا عاونه، فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام.. وقال مجاهد ويمان: آزر اسم صنم، أى أتتخذ آزر إلهًا، أتتخذ أصنامًا.. وقال الثعلبى فى كتاب العرائس: إن اسم أبى إبراهيم الذى سماه به أبوه تارح، فلما صار مع النمروذ قيمًا على خزانة آلهته سماه آزر. وقال مجاهد: إن آزر ليس باسم أبيه، وإنما هو اسم صنم، وهو إبراهيم بن تارح بن ناخور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ". [القرطبى ج 7 ص 22، 23]

ونفس التفسيرات الموضحة لهذه الشبهة نجدها فى (قصص الأنبياء):

" قال السيد المرتضى الزبيدى، فى ص 12 ج 3 (تاج العروس): وروى عن مجاهد فى قوله تعلى: (آزر أتتخذ أصنامًا) قال: لم يكن بأبيه، ولكن اسم آزر اسم صنم، فموضعه نصب على إضمار الفعل والتلاوة كأنه قال: وإذ قال إبراهيم أتتخذ آزر إلهًا، أى أتتخذ أصنامًا آلهة.

وقال الصغانى: التقدير أتتخذ آزر إلهًا.

وقد نقل شيخ العروبة المرحوم أحمد زكى باشا عبارة (تاج العروس) السابقة فى أول كتابه (تكملة كتاب الأصنام لابن الكلبى).

وهذا القول الذى قاله مجاهد أولى الأقوال عندى بالقبول. وعلى ذلك يكون والد إبراهيم لم يذكر باسمه العَلَمى فى القرآن الكريم.

ومما يستأنس له - بأن (آزر) اسم إله - أننا نجد فى الآلهة القديمة عند المصريين الإله (أزوريس) ومعناه: الإله القوى المعين. وقد كانت الأمم السالفة يقلد بعضهم بعضًا فى أسماء الآلهة.. " [قصص الأنبياء ص 72]

فليست هناك مشكلة إذن حول هذا الموضوع..

 

اسم الذي اشترى وآوى يوسف عليه السلام

أما الشبهة الثانية فى هذا السؤال والخاصة باسم الذى اشترى وآوى يوسف عليه السلام فى بيته، والذى أطلق عليه القرآن الكريم اسم (عزيز) بينما سماه الكتاب المقدس Potiphar فإنها لا تمثل - هى الأخرى - مشكلة من المشكلات..

ذلك أن منصب هذا الذى آوى يوسف كان (رئاسة الشرطة) واسمه (فوطيفار).. ولقبه (العزيز).. فلا تناقض بين أسماء التعريف به هذه..

ولقد تناولت ذلك المصادر الإسلامية.. فى (قصص الأنبياء):

" وكان سيده رئيس شرطة المدينة، واسمه (فوطيفار)، ويعبر عن منصبه فى العبرية ب- (سرهاطباحيم)، أى رئيس الشرطة.. " [ص 122].

وفى تفسير القرطبى:

" قال الضحاك: هذا الذى اشتراه ملك مصر، ولقبه العزيز.. واسمه قطفير. وقال ابن إسحق: إطفير.. اشتراه لامرأته.. وقال ابن عباس: إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر.. وكان هذا العزيز الذى اشترى يوسف على خزائن الملك.... " [القرطبى ج 9 ص 158].

أما الخلافات والاختلافات الطفيفة فى نطق الاسم فهى واردة، بسبب النقل من لغة إلى لغة.. ومن لهجة إلى لهجة.. وبسبب النسخ للمخطوطات.. والتصحيف والتحريف.. فلا مشكلة إذن حول هذه الأسماء.

 


 

المصدر:

محمد عمارة، شبهات حول القرآن، ص7

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-حول-القرآن
اقرأ أيضا
الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج2 | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج2


الفردية هي السمة الأساسية الأولى لعصر النهضة وهي من أهم أسس وأعمدة الليبرالية وقد ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا فأصبحت الفردية تعني استقلال الفرد وحريته ولكن الفردية نفسها لها أكثر من مفهوم مثل المفهوم البراجماتي والمفهوم التقليدي وفي هذا المقال يستعرض لنا المؤلف المفهومين وكلام رواد الليبرالية حولهما

بقلم: د عبد الرحيم بن صمايل السلمي
2159
هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج1


يقول المشككون أهل الباطل أن القرآن منحول عن الكتاب المقدس في كثير من معارفه ونصوصه التي شابهت ما في الكتاب المقدس من أخبار السابقين وبين يديكم مقال تفصيلي في الرد على هذه الفرية يقف فيها الكاتب الدكتور منقذ السقار على حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة في الكتابين وكذلك الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس لندرك حقيقة الأمر وندرك الباطل الذي بنيت عليه هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
1456
أصول الأصول: مراجعة لكتاب غمرات الأصول | مرابط
مناقشات

أصول الأصول: مراجعة لكتاب غمرات الأصول


إذا كانت العروض قواعد تنظم الشعر وعلم أصول الفقه قواعد تنظم النظر في الفقه الشرعي فإن هذا الكتاب الصادر حديثا في معرض الكتاب 1435ه يطمح أن يكون مساهمة في بناء القواعد التي تنظم النظر في علم أصول الفقه ذاته فهو بمثابة بحث في علم أصول أصول الفقه ولذا وبغض النظر عن الترجيحات الداخلية للمؤلف التي قد يخالف بعضها القارئ إلا أن فكرة الكتاب والشواهد العزيزة التي وقع عليها المؤلف واستخرجها من بطون الموسوعات الأصولية ووظفها ببراعة تجعله كتابا نسيج وحده

بقلم: إبراهيم السكران
2181
هل كان أبو هريرة يدلس | مرابط
أباطيل وشبهات

هل كان أبو هريرة يدلس


تعرض الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه لكثير من الطعن وافترى عليه المشككون والجاهلون ووجهوا سهام النقد إليه ولم يكن ذلك لشيء إلا لأنه من أكثر الصحابة رواية للحديث فقد عرف هذا الصحابي بكثرة مروياته ومن هنا أصبح هدفا لكثير من المستشرقين والعلمانيين ومنكري السنة وبين يدينا شبهة ينقلها أحد الرافضة ويقول فيها أن أبا هريرة كان يدلس والمقال فيه رد ومناقشة لهذه الشبهة ولما استدل به هذا المشكك

بقلم: أبو عمر الباحث
1642
حول حديث: كمل من الرجال كثير.. | مرابط
المرأة

حول حديث: كمل من الرجال كثير..


حديث: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. هل هذا يعني أن من أتى بعدهم لا يمكن أن يكون كاملا كمالا بشريا سواء الرجال أو النساء واقتصر الكمال على السابقين؟ إليكم الجواب.

بقلم: قاسم اكحيلات
313
الإنسان والشيء | مرابط
فكر مقالات

الإنسان والشيء


نحن نعيش في عالم يحولنا إلى أشياء مادية ومساحات لا تتجاوز عالم الحواس الخمسة إذ تهيمن عليه رؤية مادية للكون ولنضرب مثلا بالتي شيرت t-shirt الذي يرتديه أي طفل أو رجل إن الرداء الذي كان يوظف في الماضي لستر عورة الإنسان ولوقايته من الحر والبرد وربما للتعبير عن الهوية قد وظف في حالة التي شيرت بحيث أصبح الإنسان مساحة لا خصوصية لها غير متجاوزة لعالم الحواس والطبيعة المادة ثم توظف هذه المساحة في خدمة شركة الكوكاكولا على سبيل المثال وهي عملية توظيف تفقد المرء هويته وتحيده بحيث يصبح منتجا وبائعا ومس...

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1702