شدة نفور الصحابة رضوان الله عليهم من البدع

شدة نفور الصحابة رضوان الله عليهم من البدع | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

930 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71]

أما بعد:

فقد كان إحساس الصحابة بالبدعة ونفورهم منها فوق كل تصور، وعندما نعرض بعض النماذج المبتدعة في زمن الصحابة نحن الآن نراها من المستحبات، وكانت عندهم من البدع؛ لأن الأمر كما قالت عائشة رضي الله عنها: يا ويح لبيد! كيف قال: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب فالذي عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى هذا النور، وعاش بعده الزمان الغدر يكون من أشد الناس غربة؛ لذلك فمحنة الصحابة في المعارك التي حدثت بينهم كانت شديدة، كان الواحد منهم مع أخيه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم إخوة متحابين، لا مشاكل بينهم على الإطلاق، ثم إذا بالزمان يدور.

فالأخ الذي كان يصلي بجانب أخيه والقدم بالقدم والكتف بالكتف وربما كان يخرج اللقمة من فمه ليعطيها أخاه، فأصبح هذا يقاتل هذا وصارت حرب نفسية، من تكون أنت؟ وكانت عائشة نفسها تخوض بينهم، وهذا من أبلغ الأقوال وأعظمها حين قالت: يا ويح لبيد! -قاتله الله- كلمة تعجب كيف استطاع أن يقول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب تتعجب عائشة من هذا الرجل، ومروان حدثه عروة فقال: يا ويح عائشة! لو عاشت زماننا قال هشام راوي الحديث عن أبيه عروة: يا ويح! عروة كيف لو عاش زماننا؟! ولا زال كل راوٍ يروي الحديث ويقول: يا ويح فلان كيف لو عاش زماننا؟! وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون سنوات خداعة، يخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل الفاسق يتكلم في أمر العامة) كل هذا حدث.

الناصحون كذبة الآن! إذا قلت له: هذا لا يجوز هذا حرام، لا يصدق، والأفَّاك الكذَّاب الذي نعلم من نفاقه الظاهر أنه منافق يعتبر ناصحًا، والذين يصدقونه يعلمون أنه منافق، وهذه مشكلة! سنون خداعة! فالبدعة من أكثر ما يواجه المسلمين وأخطرها، ومما يدل على خطورة البدعة أنه يفعلها الغبي ويظن أنها سنة، وهي كما قال القائل: احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة لا يضرك إلا الذي أعطيته بطنك وكرشك، ولو غضب عليك أصبحت مفضوحًا، ومن المعلوم أن عدوك أنت محتاط منه دائمًا، أما صديقك فلربما انقلب وهو عالم بالمضرة، فالمبتدع يلدغ في لباس الدين.

فمنظر المبتدع ما غر الصحابة الأوائل؛ لأنهم كانوا فقهاء، والمبتدع اليوم تراه يخرج ماله، وعنده بر وسخاء ليدافع عن البدعة، فعندما تقول لأبنائك احذروا هذا الرجل، يقوم أحدهم فيقول: لا هذا قائم ومتدين ومصلٍ ومتصدق بماله لماذا تنتقده اتق الله؟ ماذا تريدون أكثر من هذا؟ هذا عابد زاهد! هذا ما كان يغر الصحابة الأوائل؛ لأنهم تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم العلم تلقي الرجل الواعي.

استدار الزمان فكان أول من قال بالبدعة في القدر -وهي بدعة قبيحة جدًا، والحمد لله الآن انقرضت هذه البدعة من المسلمين- معبد الجهني كان يقول: إن الأمر أُنف، وإن الله لا يعلم بالحدث إلا بعد وقوعه.

هذا ملخص بدعته، أن علم الله ليس متقدمًا على أفعال العباد، فإن الله عز وجل يكافئ بالفعل، فإذا عصاه شخص لا يعلم أنه سيعصيه إلا بعد وقوع الفعل من الفاعل، هذا هو معنى: الأمر أُنف.

معبد قرأ القرآن وتعلم العلم، أي: نزل إلى قعره، وكان زاهدًا عابدًا.

يقول يحيى بن يعمر: خرجت أنا حميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين -وكان من أهل البصرة، ومعبد الجهني كان بصريًا، وهذه البدعة خرجت من البصرة، في آخر زمن الصحابة- قال: (فخرجنا حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول معبد في القدر؟ قال: فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلًا المسجد، فاكتنفناه، قلت: أبا عبد الرحمن -وهذه كنية عبد الله بن عمر - إنه ظهر في زماننا أناس قرءوا القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم ما ذكر وأنهم يقولون: لا قدر وأن الأمر أُنف، فقال عبد الله بن عمر: إذا لقيتهم فأخبرهم أنني منهم براء، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن أحدهم جاء بأُحد ذهبًا ما قبل الله منه إلا أن يؤمن بالقدر).

ثم استأنف وساق حديث الإيمان والإحسان والإسلام.

هذا عبد الله بن عمر الفقيه لا يضره أن يقال: زاهد عابد تقي ورع ليس لهذا علاقة، هذا شيء واتباع النبي صلى الله عليه وسلم شيء آخر، عبد الله بن عمر تلقى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة
اقرأ أيضا
صدق المرسلين | مرابط
اقتباسات وقطوف

صدق المرسلين


مقتطف من كتاب درء تعارض العقل مع النقل لشيخ الإسلام ابن تيمية يشير فيه إلى استحالة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أي شيء من أهل الكتاب ولكن التشابه فيما أخبر به الرسول وأي رسول قبله يوحي بأن المرسل واحد ويدل على صدق المرسلين وهذا ما ينكره أهل الكتاب

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2501
التحذير من الاختلاف | مرابط
اقتباسات وقطوف

التحذير من الاختلاف


مقتطف لابن قيم الجوزية من كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين يدور حول الاختلاف وقد أخبرنا الرسول أنه سيقع اختلاف كبير في هذه الأمة كما ذم الشرع سلوك المختلفين وحذر من اتباع سبيلهم وأرشدنا الحق تبارك وتعالى إلى مآلات هذا الأمر من الفرقة والشتات وفي هذا الاقتباس يقدم لنا ابن القيم خلاصة الأمر

بقلم: ابن القيم
1198
إثبات الحجة لا يستلزم الإقرار | مرابط
اقتباسات وقطوف

إثبات الحجة لا يستلزم الإقرار


إن إلقاء الحجة مع بيان ووضوح يفهمها المجادل والسامع لو أرادا الفهم - كاف في قيام التكليف عليه لذا لما كان أعظم تكليف - وهو الإسلام - يكفي في ثبوته الإسماع على وجه ولغة يفهمها المخاطب قال - تعالى -: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله التوبة:6

بقلم: عبد العزيز الطريفي
905
تحريم الخمر بين وازع السلطان ووازع الإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

تحريم الخمر بين وازع السلطان ووازع الإيمان


مقتطف من كتاب لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة للأستاذ محمد قطب يقارن فيه بين المجتمع المسلم الأول والدول المعاصرة فيما يخص تحريم الخمر والفارق الشاسع بين الاستناد إلى الوازع الإيماني داخل الناس وبين اللجوء فقط إلى وازع السلطان والقانون في التحريم والتحليل

بقلم: محمد قطب
513
المرأة بين الماضي والحاضر | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

المرأة بين الماضي والحاضر


عاشت المرأة حقبة من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشها ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها أو وقفة تقفها بين يدي ربها أو عطفة تعطفها على ولدها أو جلسة تجلسها إلى جارتها وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام فتحب زوجها كما تحب ولدها لأنه ولدها فإن رأى النساء أن الحب أساس الزواج رأت أن الزواج أساس الحب

بقلم: مصطفى لطفى المنفلوطي
731
لماذا تؤمن بالإسلام وأنت لم تدرس كل الأديان؟ | مرابط
أباطيل وشبهات فكر

لماذا تؤمن بالإسلام وأنت لم تدرس كل الأديان؟


عايز تفهمني إنك درست كل الأديان والعقائد وفضلت تبحث وتقارن بينهم لحد ما وصلت لإن دينك هو بس الصح؟ هذه الشبهة يواجهها كثير من المسلمين عندما يأتي الحديث عن الإسلام وبقية الأديان فيقولون لماذا تقول بأن الأديان الأخرى باطلة؟ طالما أنك لم تدرسها.. وبين يديكم الرد

بقلم: ماهر أمير
453