طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة

طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة | مرابط

الكاتب: البيهقي

216 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

قال ابن خلدون في المقدمة:

«اعلم أن الله -سبحانه- اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم وسائل بينه وبين عباده: يعرفونهم بمصالحهم، ويحرضونهم على هدايتهم، ويأخذون بحجزاتهم عن النار، ويدلّونهم على طريق النجاة.

وكان فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والأخبار الكائنات، المغيبة عن البشر التي لا سبيل الى معرفتها، إلا من على ألسنتهم من الله بوساطتهم، ولا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم..

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: «ألّا وإنّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِيَ الله».

واعلم أن خبرهم في ذلك، من خاصيّته وضرورته الصدق، لما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة.

وعلامة هذا الصنف من البشر: أن توجد لهم -في حال الوحي- غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين، وليست منهما في شيء، وإنما هي -في الحقيقة- استغراق في لقاء الملك الروحاني:

بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل الى المدارك البشرية: إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ الله.

ثم تنجلي عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقي عليه.

الوحي

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم، وقد سئل عن الوحي: «أحيانا يأتيني مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ. وأحيانا يتمثّل إليّ الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول».

ويدركه أثناء ذلك، من الشدة والغطّ ما لا يعبّر عنه. ففي الحديث: «كان مما يعالج من التنزيل شدة».

وقالت عائشة: كان يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عرقا» وقال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا.

ولأجل هذه الحالة في تنزّل الوحي، كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون له رئي، أو تابع من الجن.. وإنما لبّس عليهم، بما شاهدوه من مظاهر تلك الأحوال: “وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ”.

خلق ما قبل الوحي

ومن علاماتهم أيضا: أنه يوجد لهم -قبل الوحي- خلق الخير والزكاة، ومجانبة المذمومات والرجس أجمع. وهذا هو معنى العصمة. وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها. وكأنها منافية لجبلّته.

وفي الصحيح: أنه حمل الحجارة وهو غلام، مع عمه العباس، لبناء الكعبة، فجعلها في إزاره، فانكشف، فسقط مغشيا عليه، حتى استتر بإزاره، ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب. فأصابه غشي النوم إلى أن طلعت الشمس، ولم يحضر شيئا من شأنهم، بل نزّهه الله عن ذلك كله، حتى إنه -بجبلّته- يتنزه عن المطعومات المستكرهة.

فقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، لا يقرب البصل والثوم، فقيل له في ذلك، فقال: «إني أناجي من لا تناجون».

وانظر، لمّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، بحال الوحي أول ما فجأه وأراد اختباره.

فقالت: اجعلني بينك وبين ثوبك، فلما فعل ذلك، ذهب عنه.
فقالت: إنه ملك، وليس بشيطان، ومعناه: أنه لا يقرب النساء.

وكذلك سألته عن أحبّ الثياب إليه أن يأتيه فيها.
فقال البياض والخضرة.
فقالت: إنه الملك.
يعني: أن البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة. والسواد من ألوان الشر والشياطين، وأمثال ذلك.

الدعوة إلى العبادة

ومن علاماتهم أيضا: دعاؤهم إلى الدين والعبادة من: الصلاة والصدقة والعفاف.

وقد استدلت خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، على صدقه صلى الله عليه وسلم بذلك، وكذلك أبو بكر، ولم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلقه.

وفي الصحيح أن هرقل -حين جاءه كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إِلَى الإسلام- أحضر من وجد ببلده من قريش، وفيهم أبو سفيان، ليسألهم عن حاله. فكان -فيما سأل- أن قال:

بم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ، إلى آخر ما سأل. فأجابه فقال: إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ حقا فهو نبي، وسيملك مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ».

والعفاف الذي أشار إليه أبو سفيان، هو العصمة.

فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة نبوته، ولم يحتج إلى معجزة، فدل على أن ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ!! ومن علاماتهم أيضا: أن يكونوا ذوي حسب في قومهم.

وفي الصحيح: «ما بعث الله نبيا، إلا فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ».

وفي رواية أخرى: «في ثروة من قومه».
استدركه الحاكم على الصحيحين.

وفي مساءلة هرقل لأبي سفيان كما هو في الصحيح قال: «كيف هو فيكم» ؟

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «هُوَ فينا ذو حسب».

فقال هرقل: «والرسل تبعث في أحساب قومها».

ومعناه: أن تكون له عصبة وشوكة تمنعه عن أذى الكفار، حتى يبلغ رسالة ربه، ويتم مراد الله من إكمال دينه وملته


المصدر:
دلائل النبوة، للبيهقي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إثبات-النبوة #البيهقي #ابن-خلدون
اقرأ أيضا
نشأة علم النحو وأهميته | مرابط
إنفوجرافيك لسانيات

نشأة علم النحو وأهميته


يأتي علم النحو على رأس علوم اللغة العربية فهو مفتاح كل شيء تقريبا ولن تستطيع أن تفهم المراد من العبارات والجمل إلا إذا كنت مدركا لأساسيات النحو العربي على الأقل فتغيير التشكيل وأواخر الكلمات قد يغير المعنى تماما أو يحرف المراد منه وبين يديكم تبسيط لنشأة النحو وأهميته من كلام العلماء

بقلم: أكاديمية زاد
577
لماذا الاحتفال بغير أعيادنا ليس أمرا شكليا؟ | مرابط
مقالات

لماذا الاحتفال بغير أعيادنا ليس أمرا شكليا؟


انظر كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على قطع عادات الجاهلية ووجه عنايته لها.. فالقصد لم يكن مجرد إحداث قطيعة مع شعائر الماضي بل بناء نظام اجتماعي جديد للأمة وما كان هذا ليحدث لولا القطيعة مع شعائر الماضي وعاداته وأعرافه! قطعا هذا الأمر ثقيل على النفس لضغط الداعي الاجتماعي لذلك لا تملك زمامه إلا النفوس القوية

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
267
علامتان جعلهما الله لأهل محبته | مرابط
اقتباسات وقطوف

علامتان جعلهما الله لأهل محبته


وقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول والجهاد في سبيله وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح وفي دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان وقد قال تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم إلى قوله: حتى يأتي الله بأمره فتوعد من كان أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله بهذا الوعيد الشديد

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2016
بين المتقدمين والمتأخرين | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين المتقدمين والمتأخرين


وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله! ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين

بقلم: ابن رجب
299
محاسن الإسلام: وجود النموذج العملي المطبق للحقائق النظرية | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

محاسن الإسلام: وجود النموذج العملي المطبق للحقائق النظرية


إن من محاسن الإسلام أنه دين جاء بالمعرفة وبتطبيقها وأوصى بالأخلاق وفرض الشرائع وقدم النموذج الذي التزمها وطبقها وذلك كله متمثل في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- العملية وسيرته التي نجد فيها الامتثال التام والالتزام الكامل لما أمر الله به في القرآن ولذلك قالت عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان خلقه القرآن1

بقلم: أحمد يوسف السيد
783
الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج2 | مرابط
الجندرية

الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج2


هذا الدين الذي نؤمن به رجالا ونساء جعل العلاقة بينهما علاقة مودة ورحمة وسكن تبنى فيه الأسرة التي هي النواة الأولى في بناء الفرد والمجتمع والدولة والأمة ونؤمن بأن كل ما جاء به هذا الدين هو حق وإن لم يكن لنا فيه نفع ظاهر فإن الله - سبحانه وتعالى - له فيه حكمة قد لا ندركها كبشر في مكان ما وزمان ما قال - سبحانه وتعالى -: الرجال قوامون على النساء النساء: 34 فهم قوامون على النساء ولكن بضوابط وضعها الشرع حفاظا على هذه المرأة التي هي مخلوقة من مخلوقات رب العالمين حالها كحال الرجل فكيف يظلم الله مخل...

بقلم: حسن حسين الوالي
696