طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة

طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة | مرابط

الكاتب: البيهقي

490 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

قال ابن خلدون في المقدمة:

«اعلم أن الله -سبحانه- اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم وسائل بينه وبين عباده: يعرفونهم بمصالحهم، ويحرضونهم على هدايتهم، ويأخذون بحجزاتهم عن النار، ويدلّونهم على طريق النجاة.

وكان فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والأخبار الكائنات، المغيبة عن البشر التي لا سبيل الى معرفتها، إلا من على ألسنتهم من الله بوساطتهم، ولا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم..

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: «ألّا وإنّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِيَ الله».

واعلم أن خبرهم في ذلك، من خاصيّته وضرورته الصدق، لما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة.

وعلامة هذا الصنف من البشر: أن توجد لهم -في حال الوحي- غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين، وليست منهما في شيء، وإنما هي -في الحقيقة- استغراق في لقاء الملك الروحاني:

بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل الى المدارك البشرية: إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ الله.

ثم تنجلي عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقي عليه.

الوحي

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم، وقد سئل عن الوحي: «أحيانا يأتيني مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ. وأحيانا يتمثّل إليّ الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول».

ويدركه أثناء ذلك، من الشدة والغطّ ما لا يعبّر عنه. ففي الحديث: «كان مما يعالج من التنزيل شدة».

وقالت عائشة: كان يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عرقا» وقال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا.

ولأجل هذه الحالة في تنزّل الوحي، كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون له رئي، أو تابع من الجن.. وإنما لبّس عليهم، بما شاهدوه من مظاهر تلك الأحوال: “وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ”.

خلق ما قبل الوحي

ومن علاماتهم أيضا: أنه يوجد لهم -قبل الوحي- خلق الخير والزكاة، ومجانبة المذمومات والرجس أجمع. وهذا هو معنى العصمة. وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها. وكأنها منافية لجبلّته.

وفي الصحيح: أنه حمل الحجارة وهو غلام، مع عمه العباس، لبناء الكعبة، فجعلها في إزاره، فانكشف، فسقط مغشيا عليه، حتى استتر بإزاره، ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب. فأصابه غشي النوم إلى أن طلعت الشمس، ولم يحضر شيئا من شأنهم، بل نزّهه الله عن ذلك كله، حتى إنه -بجبلّته- يتنزه عن المطعومات المستكرهة.

فقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، لا يقرب البصل والثوم، فقيل له في ذلك، فقال: «إني أناجي من لا تناجون».

وانظر، لمّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، بحال الوحي أول ما فجأه وأراد اختباره.

فقالت: اجعلني بينك وبين ثوبك، فلما فعل ذلك، ذهب عنه.
فقالت: إنه ملك، وليس بشيطان، ومعناه: أنه لا يقرب النساء.

وكذلك سألته عن أحبّ الثياب إليه أن يأتيه فيها.
فقال البياض والخضرة.
فقالت: إنه الملك.
يعني: أن البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة. والسواد من ألوان الشر والشياطين، وأمثال ذلك.

الدعوة إلى العبادة

ومن علاماتهم أيضا: دعاؤهم إلى الدين والعبادة من: الصلاة والصدقة والعفاف.

وقد استدلت خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، على صدقه صلى الله عليه وسلم بذلك، وكذلك أبو بكر، ولم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلقه.

وفي الصحيح أن هرقل -حين جاءه كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إِلَى الإسلام- أحضر من وجد ببلده من قريش، وفيهم أبو سفيان، ليسألهم عن حاله. فكان -فيما سأل- أن قال:

بم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ، إلى آخر ما سأل. فأجابه فقال: إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ حقا فهو نبي، وسيملك مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ».

والعفاف الذي أشار إليه أبو سفيان، هو العصمة.

فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة نبوته، ولم يحتج إلى معجزة، فدل على أن ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ!! ومن علاماتهم أيضا: أن يكونوا ذوي حسب في قومهم.

وفي الصحيح: «ما بعث الله نبيا، إلا فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ».

وفي رواية أخرى: «في ثروة من قومه».
استدركه الحاكم على الصحيحين.

وفي مساءلة هرقل لأبي سفيان كما هو في الصحيح قال: «كيف هو فيكم» ؟

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «هُوَ فينا ذو حسب».

فقال هرقل: «والرسل تبعث في أحساب قومها».

ومعناه: أن تكون له عصبة وشوكة تمنعه عن أذى الكفار، حتى يبلغ رسالة ربه، ويتم مراد الله من إكمال دينه وملته


المصدر:
دلائل النبوة، للبيهقي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إثبات-النبوة #البيهقي #ابن-خلدون
اقرأ أيضا
شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية 2 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية 2


كثيرا ما طرق آذان المسلمات قول صارخ منتفش ودعوى فجة مغرورة أن مطالبة المرأة العربية بارتداء الحجاب في القرن الواحد والعشرين حيث تطور العالم وبلغ في ابتكاراته العلمية الذروة وتطور المجتمع وأصبح أكثر انفتاحا ونضجا لهو دعوة صريحة إلى الانتكاس والعودة إلى القرون الوسطى عصور الظلام

بقلم: سامي عامري
1073
ما هي مرتبة الحضارة في الوحي الإلهي؟ | مرابط
فكر مقالات

ما هي مرتبة الحضارة في الوحي الإلهي؟


إننا يجب أن نكسب انتماء الناس إلى الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما هم في ذاتهم أي كما كانوا فعلا لا كما جعلناهم نحن عبر عمليات إعادة التصنيع والتشكيل طبقا لميول المستهلك الإسلام في نسخته الحقيقية الصادقة لا الإسلام الذي يميل إلى سماعه المخاطبون النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما عاش فعلا بين حرات طابة لا صورة النبي المصممة للذوق الفرانكفوني.

بقلم: إبراهيم السكران
1290
الوحشة العظيمة في قلب العاصي | مرابط
اقتباسات وقطوف

الوحشة العظيمة في قلب العاصي


والطاعة توجب القرب من الرب سبحانه فكلما اشتد القرب قوي الأنس والمعصية توجب البعد من الرب وكلما ازداد البعد قويت الوحشة ولهذا يجد العبد وحشة بينه وبين عدوه للبعد الذي بينهما وإن كان ملابسا له قريبا منه

بقلم: ابن القيم
515
أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم | مرابط
تفريغات

أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم


إن المشكلة ليست مشكلة دولة أو مجتمع أو فرد وإنما هي مشكلة أمة كاملة أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها اليوم تقاد أمة رفعت رأسها قرونا فإذا هي اليوم تطأطئ رأسها للشرق وللغرب أمة ظلت دهرا تعلم الناس الخير وتضرب لهم الأمثال في الأخلاق وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل فإذا بها بعد أن عرفت طريق الهدى وعرفت به تتبع هذا وذاك وهذه مشكلة خطيرة

بقلم: د راغب السرجاني
971
براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الثالث | مرابط
فكر مقالات

براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الثالث


شكل المذهب الأشعري منهجا جديدا مختلفا عما كان عليه السلف المتقدمون منذ أول لحظة من ظهوره حيث إن الأشعري اعتمد طريقة ابن كلاب ومنهجه في تأسيس العقائد ومن حين أن ظهر المذهب الأشعري باعتباره مذهبا عقديا له أصول وعقائد خاصة اتخذ منه أئمة أهل السنة والجماعة الذين هم أخبر بمذهب الأئمة المتقدمين وأعلم بمدلولاتها موقفا واضحا وعدوه من الفرق الخارجة عن السنة التي كان عليها الصحابة وتلاميذهم ومن جاء بعدهم من الأئمة المتبوعين نتيجة لما تلبس به من أخطاء منهجية وعقدية وفي هذا المقال يضع الكاتب أمامنا أهم...

بقلم: سلطان العميري
1923
أعذار أهل العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

أعذار أهل العلم


ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد إشاعة عثراتهم والقدح فيهم وفي غلطاتهم وأقبح من هذا إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك. وربما يكون -وهو الواقع كثيرا- أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ ولهم اجتهاد هم فيه معذورون والقادح فيهم غير معذور.

بقلم: عبد الرحمن السعدي
597