علمنة العلاج النفسي

علمنة العلاج النفسي | مرابط

الكاتب: د. إياد قنيبي

522 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المسلم له تميزه في تناول القضايا كلها، لأن الإسلام (صبغة الله) كما وصفه ربنا، فسيصبغ حياتك كلها بلونه الخاص. من ذلك موضوع العلاج النفسي، سواء الدوائي منه أو اللادوائي. والإسلام في هذا الموضوع متوازن، بخلاف تَوَجُّهَين متطرفين:

1. توجُّهٍ يقول: الأدوية والجلسات العلاجية كلام فارغ ! أقبِل على القرآن والدعاء والطاعات وسوف تتعافى من الأمراض النفسية.

2. وفي المقابل توجُّهٍ يركز على الأدوية والجلسات العلاجية مع إهمال الرسائل الإلهية في الابتلاء بالأمراض النفسية.

(وكان بين ذلك قَوامًا)...فالأدوية هي من الأخذ المشروع بالأسباب، وكذلك الجلسات العلاجية اللادوائية إذا حسُن استخدامها كما وضحت في كلمة (فكرة عن العلاج النفسي اللادوائي)، ولم يكن المعالِج متأثرًا بنظرةٍ للنفس مخالفة للنظرة الإسلامية، وهو أمرٌ ليس بالسهل 

لكن في مقابل إنكار الأخذ بالأسباب المشروعة، يقع كثير منا لا شعوريًا فيما يمكن وصفه بـ"عَلْمَنة العلاج النفسي"، بحيث تصبح هذه العلاجات "مُخَدِّرات" عن رسائل الله في أقداره.

الأمراض النفسية ابتلاءات، والكروب النفسية التي قد لا تصل إلى حد تشخيصها بالأمراض هي ابتلاءات كذلك. وهذا لا يتعارض مع وجود أسباب عضوية ومشاكل في التنشئة والتربية وكل ما يذكره النفسيون وتدل عليه الدراسات من عوامل لهذه الأمراض، كما بينتُ في كلمة (الغم والاكتئاب: ابتلاء أم اضطرابات فسيولوجية؟).

فهي في النهاية من أقدار الله، والله يحب لعباده أن يفهموا مُرادَه من أقداره، وأن يتفاعلوا معها بالعبوديات المناسبة لها: (لعلهم يضَّرَّعون)..فيريد الله من العبد أن يلجأ إليه ويتضرع ويراجع حساباته ويتخلص من ذنوبه ويتذكر الغاية من حياته ويعمل لآخرته.

هذا المعنى يغيب عادة في عملية العلاج النفسي، ويكون الهدف في العلاج إعادة المريض إلى "دنياه"، ليؤدي أدواره فيها، أو ما يُعَرِّفونه بالـ (Functionality)، أي أنْ يكون قائمًا بوظائفه "الدنيوية" أبًا كان أو أُمًا أو موظفًا أو طالبًا…

لكن تقع الغفلة عن أن يفقه المريض رسائل الله إليه من أقداره، لينفعه هذا البلاء في العمل لآخرته.
المعالج يريد أن يُخَلص المريض من المشاعر السلبية، وأن يوجد لديه الدافعية ويُحَسِّن إنتاجيته وانسجامه مع المجتمع، والمقياس في هذا كله عادة: الدنيا...أن نعيد المريض إلى "دنياه".
هذا كله مطلوب، لكن إذا غاب البعد الأخروي في الموضوع، فالعلاج يصبح مخدرًا ! بحيث يمر البلاء ولا تُفهم الرسالة الربانية !

حتى المعالج المحب لدينه قد يَذْكُر للمريض آيات وأحاديث لرفع معنوياته وإزالة كآبته، لكن المعنى المسيطر عنده وعند المريض  هو تسخير ذلك كله لـ"دنيا" المريض فحسب. بينما النظرة المتوازنة تتطلب أن يُجعل هذا البلاء مُسَخرًا لنفع المريض في دينه وآخرته مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تخليصه من مرضه.

إذا فهمنا ما تقدم فإنا نستطيع أن نفصل في النزاع القائم بين التوجُّهين المتطرفين:

التوجُّه المسخف للأدوية والعلاجات، والتوجُّهٍ الذي يعيد المريض إلى "دنياه" ويخدره عن أن يفقه رسائل ربه إليه من البلاء.
التعارض ليس موجودًا ابتداء حتى نختار أحد الطرفين ونهمل الآخر.

- وجهنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى التضرع والدعاء والطاعة لكشف الكربات كالأمراض، وإلى الاعتبار بموت من مات، وفي الوقت ذاته كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تأمر بالتلبين للمريض والمحزون على الميت، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن التلبينة تُجمُّ المريض (أي: تريح قلبه)، وتذهب ببعض الحُزن) (البخاري). والتلبينة سبب مادي، ومع ذلك فلا يتعارض مع الدعاء والعظة والاعتبار.

- عامة هذه الأفكار هي أخي المشتغل بالطب النفسي، الدكتور آدم الصقور، حيث أرسلها لي بعد كلمة ألقيتها بعنوان: (فكرة عن العلاح النفسي اللادوائي) لتكتمل الصورة. فجزاه الله خيرا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلمانية #العلاج-النفسي
اقرأ أيضا
دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني | مرابط
النسوية الجندرية

دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني


إن الموجة الجندرية المتصاعدة في هذه الأيام والتي تدعو إلى عدم اعتبار الهوية الجنسية البيولوجية الذكر والأنثى وإنما تدعو إلى هوية جندرية جديدة مصنوعة قد يرى فيها الرجل أنه امرأة والعكس قد تشعر فيها المرأة أنها تريد أن تصبح رجلا وتؤدي دوره الاجتماعي كاملا أي أن الجنس لا دلالة له ومن حق الرجل والمرأة اختيار الدور الاجتماعي المفضل وفقا للهوية الجندرية وهذه الموجة التي تدعو إلى تقنين الشذوذ واللوطية وإطلاق الحريات الجنسية لم تصعد إلا على أكتاف الحركة النسوية ومبادئها وأفكارها التي آلت إلى الفلسف...

بقلم: عمرو عبد العزيز
2234
البحث عن مصدر القرآن الكريم ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات تعزيز اليقين

البحث عن مصدر القرآن الكريم ج1


نعم إنها لعجيبة حقا: رجل أمي بين أظهر قوم أميين يحضر مشاهدهم -في غير الباطل والفجور- ويعيش معيشتهم مشغولا برزق نفسه وزوجه وأولاده راعيا بالأجر أو تاجرا بالأجر لا صلة له بالعلم والعلماء يقضي في هذا المستوى أكثر من أربعين سنة من عمره ثم يطلع علينا فيما بين عشية وضحاها فيكلمنا بما لا عهد له به في سالف حياته وربما لم يتحدث إلى أحد بحرف واحد منه قبل ذلك ويبدي لنا من أخبار تلك القرون الأولى مما أخفاه أهل العلم في دفاترهم وقماطرهم.

بقلم: محمد عبد الله دراز
376
الموقف من آيات الصفات | مرابط
تعزيز اليقين

الموقف من آيات الصفات


وأما ما ورد من آيات الصفات وأحاديثها فالذي يفهم منها هو أن لله جل ذكره مطلق يد ووجه ونحو ذلك مما ورد أما أن يدل على ماهية أو كيفية ونحوها فلا بل لو قيل: إن ملكا من الملائكة له رأس لما فهم منه إلا أن له رأسا فحسب فأما تفصيله فكلا

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
408
التوبة والندم | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوبة والندم


مقتطف من كتاب التوبة لابن أبي الدنيا يعرض لنا بعض الأحاديث والآثار أو الأخبار فيما يخص التوبة وهل الندم يدخل في معنى التوبة أم لا وهل التوبة تخلص العبد من عقوبة الله عز وجل أم لا وهل التوبة تكفي للتخلص من آثار الذنوب

بقلم: ابن أبي الدنيا
709
أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج1 | مرابط
تفريغات

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج1


وما يذكره العلماء من النصوص في الأسانيد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة وأماراتها إنما هو شيء يسير من أشراط الساعة وذلك أن الإنسان إذا توفرت لديه جميع الشروط التي بتحققها يتحقق المشروط يعلم حينئذ أن الإنسان قد توفر فيه العلم اليقين في معرفة وقوع قيام الساعة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
600
في معاني تفضيل عشر ذي الحجة | مرابط
تفريغات

في معاني تفضيل عشر ذي الحجة


من مقتضيات ومعاني التفضيل لهذه العشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها محترزات ومنهيات في بعض الأعمال فالزمن والمكان الذي يقع فيه نهي بفعل من الأفعال آكد من غيره لأن هذا تعظيم له ومكة أعظم من غيرها لأنها حرم فيحرم أن ينفر الصيد وكذلك أن يعضد الشوك ونحو ذلك.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
349