علمنة العلاج النفسي

علمنة العلاج النفسي | مرابط

الكاتب: د. إياد قنيبي

442 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المسلم له تميزه في تناول القضايا كلها، لأن الإسلام (صبغة الله) كما وصفه ربنا، فسيصبغ حياتك كلها بلونه الخاص. من ذلك موضوع العلاج النفسي، سواء الدوائي منه أو اللادوائي. والإسلام في هذا الموضوع متوازن، بخلاف تَوَجُّهَين متطرفين:

1. توجُّهٍ يقول: الأدوية والجلسات العلاجية كلام فارغ ! أقبِل على القرآن والدعاء والطاعات وسوف تتعافى من الأمراض النفسية.

2. وفي المقابل توجُّهٍ يركز على الأدوية والجلسات العلاجية مع إهمال الرسائل الإلهية في الابتلاء بالأمراض النفسية.

(وكان بين ذلك قَوامًا)...فالأدوية هي من الأخذ المشروع بالأسباب، وكذلك الجلسات العلاجية اللادوائية إذا حسُن استخدامها كما وضحت في كلمة (فكرة عن العلاج النفسي اللادوائي)، ولم يكن المعالِج متأثرًا بنظرةٍ للنفس مخالفة للنظرة الإسلامية، وهو أمرٌ ليس بالسهل 

لكن في مقابل إنكار الأخذ بالأسباب المشروعة، يقع كثير منا لا شعوريًا فيما يمكن وصفه بـ"عَلْمَنة العلاج النفسي"، بحيث تصبح هذه العلاجات "مُخَدِّرات" عن رسائل الله في أقداره.

الأمراض النفسية ابتلاءات، والكروب النفسية التي قد لا تصل إلى حد تشخيصها بالأمراض هي ابتلاءات كذلك. وهذا لا يتعارض مع وجود أسباب عضوية ومشاكل في التنشئة والتربية وكل ما يذكره النفسيون وتدل عليه الدراسات من عوامل لهذه الأمراض، كما بينتُ في كلمة (الغم والاكتئاب: ابتلاء أم اضطرابات فسيولوجية؟).

فهي في النهاية من أقدار الله، والله يحب لعباده أن يفهموا مُرادَه من أقداره، وأن يتفاعلوا معها بالعبوديات المناسبة لها: (لعلهم يضَّرَّعون)..فيريد الله من العبد أن يلجأ إليه ويتضرع ويراجع حساباته ويتخلص من ذنوبه ويتذكر الغاية من حياته ويعمل لآخرته.

هذا المعنى يغيب عادة في عملية العلاج النفسي، ويكون الهدف في العلاج إعادة المريض إلى "دنياه"، ليؤدي أدواره فيها، أو ما يُعَرِّفونه بالـ (Functionality)، أي أنْ يكون قائمًا بوظائفه "الدنيوية" أبًا كان أو أُمًا أو موظفًا أو طالبًا…

لكن تقع الغفلة عن أن يفقه المريض رسائل الله إليه من أقداره، لينفعه هذا البلاء في العمل لآخرته.
المعالج يريد أن يُخَلص المريض من المشاعر السلبية، وأن يوجد لديه الدافعية ويُحَسِّن إنتاجيته وانسجامه مع المجتمع، والمقياس في هذا كله عادة: الدنيا...أن نعيد المريض إلى "دنياه".
هذا كله مطلوب، لكن إذا غاب البعد الأخروي في الموضوع، فالعلاج يصبح مخدرًا ! بحيث يمر البلاء ولا تُفهم الرسالة الربانية !

حتى المعالج المحب لدينه قد يَذْكُر للمريض آيات وأحاديث لرفع معنوياته وإزالة كآبته، لكن المعنى المسيطر عنده وعند المريض  هو تسخير ذلك كله لـ"دنيا" المريض فحسب. بينما النظرة المتوازنة تتطلب أن يُجعل هذا البلاء مُسَخرًا لنفع المريض في دينه وآخرته مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تخليصه من مرضه.

إذا فهمنا ما تقدم فإنا نستطيع أن نفصل في النزاع القائم بين التوجُّهين المتطرفين:

التوجُّه المسخف للأدوية والعلاجات، والتوجُّهٍ الذي يعيد المريض إلى "دنياه" ويخدره عن أن يفقه رسائل ربه إليه من البلاء.
التعارض ليس موجودًا ابتداء حتى نختار أحد الطرفين ونهمل الآخر.

- وجهنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى التضرع والدعاء والطاعة لكشف الكربات كالأمراض، وإلى الاعتبار بموت من مات، وفي الوقت ذاته كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تأمر بالتلبين للمريض والمحزون على الميت، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن التلبينة تُجمُّ المريض (أي: تريح قلبه)، وتذهب ببعض الحُزن) (البخاري). والتلبينة سبب مادي، ومع ذلك فلا يتعارض مع الدعاء والعظة والاعتبار.

- عامة هذه الأفكار هي أخي المشتغل بالطب النفسي، الدكتور آدم الصقور، حيث أرسلها لي بعد كلمة ألقيتها بعنوان: (فكرة عن العلاح النفسي اللادوائي) لتكتمل الصورة. فجزاه الله خيرا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلمانية #العلاج-النفسي
اقرأ أيضا
كلمة جامعة عن أهمية المحافظة على صلاة الفجر | مرابط
تفريغات

كلمة جامعة عن أهمية المحافظة على صلاة الفجر


في صلاة الفجر تقابلون صفوة المجتمع صلاة الفجر مقياس لمستوى الأمة وقيمتها فالأمة التي تفرط في الفجر في جماعة أمة لا تستحق القيام بل تستحق الاستبدال وعلى الجانب الآخر الأمة التي تحرص على صلاة الفجر في جماعة أمة اقترب ميعاد تمكينها في الأرض

بقلم: د راغب السرجاني
756
الراضون | مرابط
اقتباسات وقطوف

الراضون


سبحان من جعل النفوس ترتوي بالرضا من ينابيع التسبيح وكم نحن مغبونون في أيام وليالي وسنين تصرمت دون أن نعمر آناء الليل وأطراف النهار بالتسبيحات ياخسارة تلك السنوات فسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته اللهم اجعلنا لك من المسبحين

بقلم: إبراهيم السكران
491
من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله | مرابط
تفريغات

من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله


التعلق بغير الله له عدة نواح والكلام فيه من عدة فروع فمن التعلق بغير الله: التعلق بالدنيا وقد مثله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود تمثيل في قوله عليه الصلاة والسلام: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش هذا الرجل المتعلق بغير الله فمن الناس من يتعلق بالأموال فيعمل لها كل همه فيخرج من الصباح ويسعى ويعمل ويكدح إلى الليل

بقلم: محمد صالح المنجد
696
موضوعات رسالة العبودية لابن تيمية | مرابط
تفريغات

موضوعات رسالة العبودية لابن تيمية


يلاحظ أن ابن تيمية في جوابه على السؤال المتعلق بالعبودية بدأ في بيان حقيقة العبودية الشرعية ثم انتقل إلى موقف الصوفية من العبودية وبالذات في موضوع الإرادة الكونية والإرادة الشرعية والعبودية الاضطرارية والعبودية الاختيارية ثم رجع مرة أخرى إلى موضوع العبودية الشرعية ثم انتهى إلى قوله: فصل ولما بدأ بفصل بدأ في العبودية لغير الله وأخذ يتحدث عن العبودية لغير الله وذكر دقائق في التعبد لغير الله حتى في أمور مكروهة

بقلم: عبد الرحيم السلمي
422
دلالة آيات العتاب على مصدرية القرآن | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

دلالة آيات العتاب على مصدرية القرآن


آيات العتاب الواردة في القرآن الكريم وتحليلها يثبت بشكل قاطع أن القرآن الكريم ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم كما ادعى أولياء الشيطان وإنما هو وحي من عند الله وفي هذا المقال المقتطف للأستاذ محمد عبد الله دراز تحليل وتفصيل لآيات العتاب ودلالتها على مصدرية القرآن

بقلم: محمد عبد الله دراز
2374
لا يدري ولا يدري | مرابط
مقالات

لا يدري ولا يدري


من الناس من لا يدري ويدري أنه لا يدري وهذا جاهل ويعلم أنه جاهل ويسمى جهله بالجهل البسيط. أما قسيمه فهو الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فيكون جاهلا بجهله ويسمى جهله بالجهل المركب.

بقلم: د. جمال الباشا
309