مما صدّ أكثر هذه الأمة عن تفهّم القرآن ظنهم أن الذي فيه من قصص الأولين وأخبار المثابين والمعاقبين، من أهل الأديان أجمعين، أن ذلك إنما مقصوده الأخبار والقصص فقط، كلا، وليس كذلك، إن ذلك إنما مقصوده الاعتبار والتنبيه بمشابهة متكررة في هذه الأمة، من نظائر جميع أولئك الأعداد وتلك الأحوال والآثار، حتى يسمع السامع جميع القرآن من أوله إلى خاتمته منطبقًا على هذه الأمة وأيمتها، هداتها وضلالها، فحينئذ ينفتح له باب الفهم، ويضيء له نور العلم، وتتجه له حال الخشية، ويرى في أصناف هذه الأمة ما سمع من أحوال القرون الماضية، وإنه كما قيل في المثل السائر "إياك أعنى، واسمعي ياجارة". ثم إذا شهد انطباق القرآن على كلية الأمة، فكان بذلك عالمًا، ينفتح له باب ترقٍّ، فيترقّى سمعه إلى أن يجد جميع كلية القرآن المنطبق على كلية الأمة منطبقًا على ذاته، في أحوال نفسه وتقلباته، وتصرفات أفعاله وازدحام خواطره، حتى يسمع القرآن منطبقًا عليه، فينتفع بسماع جميعه، ويعتبر بأي آية سمعها منه، فيطلب موقعها في نفسه، فيجدها بوجهٍ ما، رغبة كانت أو رهبة، تقريبًا كانت أو تبعيدًا، إلى أرفع الغايات، أو إلى أنزل الدركات، فيكون بذلك عارفًا