موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول | مرابط

الكاتب: الشبكة الإسلامية

1387 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مقدمة

من أعظم الانحرافات المنهجية عن دين الإسلام الاغترارُ بالعقل والإعلاء من شأنه وإنزاله منزلةً لا يبلُغها بحيث يكون حَكَمًا على نصوص الوحيين، ولقد كانت أمة الإسلام حتى وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم – وصدرٍ من عصر خلفائه الراشدين على منهج واحد من التسليم للقرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم التقدُّم بين يدَيهما، فلم يحرِّفوا نصًا ولم يعارضوه، ولم يقبلوا قول أحدٍ - كائنٍ من كان - إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حق بعض التابعين لما وجد منهم نوع معارضة لِما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ثبت عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما: "أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ؛ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟!" رواه الإمام أحمد.

ولما طال الأمد نبتت في المسلمين نابتةٌ من أهل الأهواء ممن لم يستضئ بنور الوحي وتبنّت أقوالًا شاذة في أصول الدين كالكلام في القدر، والكلام في صفات الله تعالى، والوعد والوعيد، والموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المقالات، ونصروها وتعصبوا لها، فتكوّنت الفِرَق، واحتدم النزاع والخلاف بينها، ولاذت كل فرقة بكتاب الله تعضِد به أقوالها، ولما عجزوا تأولوا آياته وحرفوها عن ظاهرها!!

ثم كرُّوا على السنة النبوية، فلما وجدوها على خلاف ما يعتقدون، قالوا ما نقبل منها إلا ما وافق عقولنا!! وانخدع بتلك الدعوى بعض المغفَّلين من المنتسبين للإسلام إحسانًا للظن بمن رفع لواءها.

 

منزلة السنة النبوية في دين الإسلام

 

السنة النبوية هي وحي من الله تعالى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى،  وعلى هذا فهي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، والاستسلام لمضمونها هو مقتضى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه رسول من عند الله تعالى مبلغ عنه دينه، قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}[النور:63]، وقال أيضًا: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا} [النساء:65].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" [رواه أصحاب السنن إلا النسائي]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لم أسمع أحدًا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"ا.ه.

 

العلاقة بين الشرع والعقل في دين الإسلام

 

لما كانت مصالح الدنيا والدين مبنية على المحافظة على العقل فقد اهتم الإسلام به اهتمامًا بالغًا، وجعله أحد الضروريات الخمس التي تجب المحافظة عليها ورعايتها، وجعله مناط التكليف؛ فإذا فُقد العقلُ فلا تكليف، وعُد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه!

 

ولقد ضمّن الله تعالى كتابه الكريم كثيرًا من الحجج والبراهين العقلية البيِّنة الباهرة والأمثال المضروبة والأقيسة الواضحة لكل ذي عقل، وخاطب بهذه الأدلة والبراهين أصحاب العقول والنهى والحِجى ومن يعقل ويسمع.

 

ومع هذا التكريم وتلك الرعاية التي أولاها الإسلام للعقل فقد جعله الإسلام تابعًا للشرع، وقَصَرَ مهمته على النظر فيما يَرِدُ إليه منه؛ فيقوم بفحصه وترتيبه وإيجاد النِّسَب والعلاقات بين أفراد ذلك الوارد وَفقًا للقواعد المأخوذة من الشرع الكريم واستنادًا إلى ما رُكِّب في ذلك العقل من العلم الضروري فيستنتج العلوم والحقائق.

 

العقل الصريح يوافق النقل الصحيح:

 

وعليه فلا يمكن أن يتعارض الشرع والعقل؛ فالشرع أمر الله والعقل خلق الله، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}[الأعراف:54]، وإذا ظن المكلَّف أن ثَمة تعارضٌ فإن الواجب تقديم الشرع؛ وذلك لأن العقل المؤمن مصدق للشرع في كل ما أخبر به، بينما الشرع ليس مصدقًا للعقل في كل ما أخبر به.

 

وتأسيسًا على ما سبق بيانه فيجب انقياد العقل للشرع واستسلامه له؛ فالله تعالى قد أغلق جميع الطرق الموصلة إلى رضوانه إلا طريقًا واحدًا هو صراطه المستقيم الذي أرشد إليه الشرع الحكيم، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام:153]. من هنا وجب على كل مسلم كمال التسليم لشرع الله تعالى، والانقياد والإذعان لأمره سبحانه، وتلقي خبره بالقبول والتصديق؛ لأن العقل الصريح – كما سبق - لا يمكن أن يتعارض مع ما نُقل إلينا من الشرع بطريق صحيح.

 

بداية الانحراف عن الصراط المستقيم والاغترار بالعقل وتقديمه على الشرع

 

كانت البداية على يد فرقة من أهل الكلام والجدل هي المعتزلة، وكانت بداية ظهورها في زمن التابعين على يد رجل يُدعى واصل بن عطاء، كان من تلامذة الحسن البصري رحمه الله تعالى ثم انحرف عن طريقته وأسس لهذه الفرقة منهجًا له أصول، وتفصيل ذلك يجده القارئ الكريم في كُتب الفِرَق.

 

وقد مجَّد المعتزلةُ العقلَ وجعلوه أدلَّ الأدلة، وجعلوه حجةً، وقدموه على الكتاب والسنة، وأوقفوا معرفة الله تعالى عليه!! والذي أوقعهم في هذا البلاء هو نظرهم في الفلسفة اليونانية ومحاولة صبغها صبغة إسلامية!!

 

موقف المعتزلة من السنة النبوية:

 

قلل المعتزلة من فائدة تعلم الحديث، وحذروا من تعلمه وذموا أهله، وذهبوا إلى جواز وقوع الكذب في الخبر المتواتر! [والخبر المتواتر مقطوع بصحته عند أهل السنة وجماعة لأنه يجمع شروطًا لا يمكن معها احتمال عدم الصحة]، كما اعتقد المعتزلة أن الحجة العقلية كفيلة بنسخ الأخبار!

 

وأما حديث الآحاد [وهو ما لم يجمع شروط الحديث المتواتر] فإنهم لا يعلمون كونه صدقًا أو كذبًا [ولو كان في أعلى درجات الصحة، ولو اتفق على تصحيحه البخاري ومسلم!!]، فمنهم من لا يحتج به مطلقًا في أمور الدين، ومنهم من لا يحتج به إذا خالف العقل، ومنهم من لا يحتج به في باب الاعتقاد خاصة. ومن الأبواب التي ردَّ فيها المعتزلة أحاديث الآحاد: صفات الله تعالى، ورؤيته سبحانه في الآخرة، وخلق أفعال العباد، وحكم مرتكب الكبيرة، والشفاعة، وعذاب القبر، وغير ذلك.

 


 

المصدر:

موقع إسلام ويب

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السنة-النبوية #شبهات-حول-السنة
اقرأ أيضا
لماذا الهجوم على الحجاب ج1 | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات المرأة

لماذا الهجوم على الحجاب ج1


إن الله يريده مجتمعا إسلاميا طاهرا نقيا فيه الفضائل وتحارب فيه الرذائل فليس لها مكان في ظل مجتمع يؤمن بالله ورسوله ويسعى لتنفيذ حكم الله ورسوله والله عز وجل خلق العباد وهو أبصر بهم ويعلم ما في نفوسهم وما يصلح لهم ولذلك حرم الزنا وحرم الخلوة بين الذكر والأنثى الأجنبيين وأوجب الحجاب وفرض حد القذف وحد الزنا وشرع الزواج وأكد عليه ففتحت الشريعة طرق العفاف وسدت طرق الشر والرذيلة

بقلم: محمد صالح المنجد
2500
ليست السنة كلها تشريعا ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ليست السنة كلها تشريعا ج1


إن تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية يمكن قبوله كإجراء فني اصطلاحي لفرز طبائع التصرفات النبوية وما يتصل بها من أحكام لكن المشكلة هو في تحقيق طبيعة الحدود الفاصلة بينهما وتحريك تلك الحدود ليخرج بعض ما كان محلا للتشريع عن أن يكون كذلك فليس صحيحا أن تخرج تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم من إطار الشريعة بذريعة صدور الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بتعدد أدواره الحياتية وإنما المحكم في تحديد ما يدخل في إطار التشريع منها وما يخرج هو الشريعة نفسها والتي كشفت عن هذه المسألة بدقة ووضوح

بقلم: عبد الله العجيري وفهد بن صالح العجلان
698
درء تعارض العلم التجريبي والنقل | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر

درء تعارض العلم التجريبي والنقل


من المجالات التي تحتاج إلى قدر من التأصيل العقدي والمنهجي تحرير الصلة والعلاقة بين المعارف الشرعية والمعارف العلمية الطبيعية وذلك أن ثمة قدر من التقاطع أحيانا بين هذين المجالين بما يستدعي ضبط العلاقة بينهما والواقع يشهد أننا أمام طرفين في هذه القضية ووسط طرف يحصل له قدر من المغالاة في الاستمساك بما يتوهم أنه ظواهر النصوص فيطرح معارف علمية قطعية لما يتوهم أنه ظاهر الشرع وطرف يطرح بعض القواطع الشرعية لصالح المعارف الطبيعية

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري
1477
لماذا تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت؟


الحضانة مثلها مثل أي حكم شرعي في نظام الشريعة لها فلسفة اجتماعية مهمة مرتبطة بزيادة التماسك الاجتماعي في الأمة.. بل في أمور الزواج والطلاق والنفقة والحضانة هذه العلة أوفر وتأكيد التماسك أظهر.. الحضانة مبنية على الشفقة والصبر على تربية الصغير ولذلك يقدم في الحضانة الأقرب فالأقرب لوفور شفقته كلما قرب من الطفل فمن تدلي من النساء للطفل عن طريق الأبوين تقدم على من تدلي عن طريق أحدهما ومن تدلي له عن طريق الأم تقدم على من تدلي عن طريق الأب..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
435
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: فضائلهن وخصائصهن | مرابط
تفريغات

أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: فضائلهن وخصائصهن


كما أن في الرجال رجالا أفاضل سبقوا إلى الإسلام وأفنوا أعمارهم في العلم والدعوة والجهاد فكذلك في نساء الأمة فضليات كن شامات في هذه الأمة المباركة وكن عونا لرجالهن على مهامهم في خدمة دين الله تعالى وفي مقدمتهن أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن إذ عشن في بيت النبوة وخدمن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلن عنه أقواله وأفعاله وأحواله في خاصة بيته وأهله

بقلم: د إبراهيم بن محمد الحقيل
1936
خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام


كان يقين موسى بوعد الله وكرمه كفيل بنجاة قومه. فأنجى الله جماعة من الناس بسبب يقين شخص واحد. فكذلك الأمر في حالتك فقد تكون حالة واحدة منك فيها يقين بوعد الله وكرمه يصلح الله بها كل حياتك وينجيك من كل همومك.

بقلم: د. سلطان العميري
317