موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول | مرابط

الكاتب: الشبكة الإسلامية

1461 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مقدمة

من أعظم الانحرافات المنهجية عن دين الإسلام الاغترارُ بالعقل والإعلاء من شأنه وإنزاله منزلةً لا يبلُغها بحيث يكون حَكَمًا على نصوص الوحيين، ولقد كانت أمة الإسلام حتى وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم – وصدرٍ من عصر خلفائه الراشدين على منهج واحد من التسليم للقرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم التقدُّم بين يدَيهما، فلم يحرِّفوا نصًا ولم يعارضوه، ولم يقبلوا قول أحدٍ - كائنٍ من كان - إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حق بعض التابعين لما وجد منهم نوع معارضة لِما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ثبت عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما: "أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ؛ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟!" رواه الإمام أحمد.

ولما طال الأمد نبتت في المسلمين نابتةٌ من أهل الأهواء ممن لم يستضئ بنور الوحي وتبنّت أقوالًا شاذة في أصول الدين كالكلام في القدر، والكلام في صفات الله تعالى، والوعد والوعيد، والموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المقالات، ونصروها وتعصبوا لها، فتكوّنت الفِرَق، واحتدم النزاع والخلاف بينها، ولاذت كل فرقة بكتاب الله تعضِد به أقوالها، ولما عجزوا تأولوا آياته وحرفوها عن ظاهرها!!

ثم كرُّوا على السنة النبوية، فلما وجدوها على خلاف ما يعتقدون، قالوا ما نقبل منها إلا ما وافق عقولنا!! وانخدع بتلك الدعوى بعض المغفَّلين من المنتسبين للإسلام إحسانًا للظن بمن رفع لواءها.

 

منزلة السنة النبوية في دين الإسلام

 

السنة النبوية هي وحي من الله تعالى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى،  وعلى هذا فهي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، والاستسلام لمضمونها هو مقتضى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه رسول من عند الله تعالى مبلغ عنه دينه، قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}[النور:63]، وقال أيضًا: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا} [النساء:65].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" [رواه أصحاب السنن إلا النسائي]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لم أسمع أحدًا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"ا.ه.

 

العلاقة بين الشرع والعقل في دين الإسلام

 

لما كانت مصالح الدنيا والدين مبنية على المحافظة على العقل فقد اهتم الإسلام به اهتمامًا بالغًا، وجعله أحد الضروريات الخمس التي تجب المحافظة عليها ورعايتها، وجعله مناط التكليف؛ فإذا فُقد العقلُ فلا تكليف، وعُد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه!

 

ولقد ضمّن الله تعالى كتابه الكريم كثيرًا من الحجج والبراهين العقلية البيِّنة الباهرة والأمثال المضروبة والأقيسة الواضحة لكل ذي عقل، وخاطب بهذه الأدلة والبراهين أصحاب العقول والنهى والحِجى ومن يعقل ويسمع.

 

ومع هذا التكريم وتلك الرعاية التي أولاها الإسلام للعقل فقد جعله الإسلام تابعًا للشرع، وقَصَرَ مهمته على النظر فيما يَرِدُ إليه منه؛ فيقوم بفحصه وترتيبه وإيجاد النِّسَب والعلاقات بين أفراد ذلك الوارد وَفقًا للقواعد المأخوذة من الشرع الكريم واستنادًا إلى ما رُكِّب في ذلك العقل من العلم الضروري فيستنتج العلوم والحقائق.

 

العقل الصريح يوافق النقل الصحيح:

 

وعليه فلا يمكن أن يتعارض الشرع والعقل؛ فالشرع أمر الله والعقل خلق الله، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}[الأعراف:54]، وإذا ظن المكلَّف أن ثَمة تعارضٌ فإن الواجب تقديم الشرع؛ وذلك لأن العقل المؤمن مصدق للشرع في كل ما أخبر به، بينما الشرع ليس مصدقًا للعقل في كل ما أخبر به.

 

وتأسيسًا على ما سبق بيانه فيجب انقياد العقل للشرع واستسلامه له؛ فالله تعالى قد أغلق جميع الطرق الموصلة إلى رضوانه إلا طريقًا واحدًا هو صراطه المستقيم الذي أرشد إليه الشرع الحكيم، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام:153]. من هنا وجب على كل مسلم كمال التسليم لشرع الله تعالى، والانقياد والإذعان لأمره سبحانه، وتلقي خبره بالقبول والتصديق؛ لأن العقل الصريح – كما سبق - لا يمكن أن يتعارض مع ما نُقل إلينا من الشرع بطريق صحيح.

 

بداية الانحراف عن الصراط المستقيم والاغترار بالعقل وتقديمه على الشرع

 

كانت البداية على يد فرقة من أهل الكلام والجدل هي المعتزلة، وكانت بداية ظهورها في زمن التابعين على يد رجل يُدعى واصل بن عطاء، كان من تلامذة الحسن البصري رحمه الله تعالى ثم انحرف عن طريقته وأسس لهذه الفرقة منهجًا له أصول، وتفصيل ذلك يجده القارئ الكريم في كُتب الفِرَق.

 

وقد مجَّد المعتزلةُ العقلَ وجعلوه أدلَّ الأدلة، وجعلوه حجةً، وقدموه على الكتاب والسنة، وأوقفوا معرفة الله تعالى عليه!! والذي أوقعهم في هذا البلاء هو نظرهم في الفلسفة اليونانية ومحاولة صبغها صبغة إسلامية!!

 

موقف المعتزلة من السنة النبوية:

 

قلل المعتزلة من فائدة تعلم الحديث، وحذروا من تعلمه وذموا أهله، وذهبوا إلى جواز وقوع الكذب في الخبر المتواتر! [والخبر المتواتر مقطوع بصحته عند أهل السنة وجماعة لأنه يجمع شروطًا لا يمكن معها احتمال عدم الصحة]، كما اعتقد المعتزلة أن الحجة العقلية كفيلة بنسخ الأخبار!

 

وأما حديث الآحاد [وهو ما لم يجمع شروط الحديث المتواتر] فإنهم لا يعلمون كونه صدقًا أو كذبًا [ولو كان في أعلى درجات الصحة، ولو اتفق على تصحيحه البخاري ومسلم!!]، فمنهم من لا يحتج به مطلقًا في أمور الدين، ومنهم من لا يحتج به إذا خالف العقل، ومنهم من لا يحتج به في باب الاعتقاد خاصة. ومن الأبواب التي ردَّ فيها المعتزلة أحاديث الآحاد: صفات الله تعالى، ورؤيته سبحانه في الآخرة، وخلق أفعال العباد، وحكم مرتكب الكبيرة، والشفاعة، وعذاب القبر، وغير ذلك.

 


 

المصدر:

موقع إسلام ويب

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السنة-النبوية #شبهات-حول-السنة
اقرأ أيضا
الموقف من آيات الصفات | مرابط
تعزيز اليقين

الموقف من آيات الصفات


وأما ما ورد من آيات الصفات وأحاديثها فالذي يفهم منها هو أن لله جل ذكره مطلق يد ووجه ونحو ذلك مما ورد أما أن يدل على ماهية أو كيفية ونحوها فلا بل لو قيل: إن ملكا من الملائكة له رأس لما فهم منه إلا أن له رأسا فحسب فأما تفصيله فكلا

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
409
بين المتقاعسين والسباقين | مرابط
تفريغات

بين المتقاعسين والسباقين


وحتى تنجلي صورة الذين يعيشون خارج العصر على الوجه المطلوب فإني سأعرض لمقارنة بين أشخاص يعيشون عصرهم بوعي وكفاءة وسميتهم: السباقين وبين الذين يعيشون خارج العصر وسميتهم: بالمتقاعسين وبعض هذه المعاني قد يتكرر في موضع آخر لكني سأذكرها في سياق هذه المقارنة حتى تترسخ في العقول والنفوس

بقلم: د عبد الكريم بكار
370
تأثير استخدام الأدوات والتقنيات على المخ | مرابط
ثقافة

تأثير استخدام الأدوات والتقنيات على المخ


مخنا فيه قدرة مهمة جدا اسمها المرونة العصبية المرونة العصبية هي قدرة المخ على التغير والتشكل على مدار حياتك نتيجة الخبرات التي تتعرض لها البيئة التي تعيش فيها أو التقنيات والأدوات التي تستخدمها المرونة العصبية ممكن ينتج عنها تقويض دوائر عصبية خاصة بوظيفة معينةلو كنت تقول بهذه الوظيفة لو كنت تقوم بها في شكل دوري وينتج عنها أيضا ضعف في الدوائر العصبية الخاصة بأي وظيفة أنت توقفت عن القيام بها

بقلم: علي محمد علي
397
فضل تعلم اللغة العربية | مرابط
تفريغات لسانيات

فضل تعلم اللغة العربية


الناس يرتفعون لفهمهم كلام الله جل في علاه ومراد الله في كتابه وهذا لا يكون إلا باللغة العربية ولذلك فإن عمر بن الخطاب كان يضرب بالدرة على ذلك ويقول: تعلموا العربية فإنها لغة القرآن ونحن أعاجم لسنا بعرب فكثير من كلمات المصنفين لا نستطيع أن نعرف معانيها إلا بالرجوع إلى المعاجم اللغوية فاللغة العربية لها أهمية قصوى لأنها من علوم الآلة التي بها استقامة اللسان واستقامة اللسان ممدحة في الشرع وكذلك العقل عن الله جل في علاه وفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

بقلم: محمد حسن عبد الغفار
452
الإسلام الوسطي المعتدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الإسلام الوسطي المعتدل


يتردد على ألسنة كثير من الناس في عصرنا مصطلح الإسلام الوسطي أو الإسلام المعتدل ويقصدون به أننا نتمسك بالإسلام وفق رؤية معتدلة لا غلو فيها ولا تطرف وهذا المعنى من حيث هو ليس محل إشكال فالتمسك بالإسلام باعتدال ونبذ الغلو والتطرف أو التحلل والتفريط مسلك حسن ولا يختلف عليه أحد لكن التعامل مع هذه المقولة لا ينبغي أن يكون بهذه السهولة وأنها مجرد تعبير عن ضرورة التمسك بالإسلام ونبذ الانحراف عنه بالغلو أو الجفاء بل نحن أمام سياقات ومضمرات تتضمنها هذه المقولة لا بد من فحصها وإظهار ما فيها من مشكلات

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2266
حاضر العالم الإسلامي | مرابط
فكر مقالات مناقشات

حاضر العالم الإسلامي


رغم التطورات التكنولوجية الجديدة في عالمنا المعاصر إلا أن الأمة الإسلامية تزداد بعدا وتفرقا وتشتتا ويزداد المسلمون شقاقا وخلافا فيما بينهم وقلما تجد مسلما يعرف شيئا كبيرا من أخبار إخوانه وجيرانه المسلمين وهذا بجانب ما ضربته وفرضته الحدود من شقاق فوق الشقاق القائم فصار المسلمون متشرذمون متباعدون لا يجمعهم الدين كما كان سابقا وفي المقال يتحدث العلامة محمود شاكر عن هذا الأمر من وحي كتاب حاضر العالم الإسلامي

بقلم: محمود شاكر
2466