هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه

هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه | مرابط

الكاتب: د منقذ بن محمود السقار

1865 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قالوا: اختلف الصحابة في قرآنية أهم سور القرآن، وهي سورة الفاتحة، فلم يكتبها ابن مسعود من مصحفه، كما نقل عنه ذلك التابعي ابن سيرين بقوله: "إن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن" (1).


والجواب: ثبوتية الفاتحة - كغيرها من سور القرآن - ثابتة بنقل جموع المسلمين وتواترهم على قراءتها جيلًا بعد جيل، بل أثبت القرآن نفسه قرانية سورة الفاتحة، أعظم سوره، بقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر: 87)، فالسبع المثاني هي سورة الفاتحة التي تثنى وتقرأ في كل صلاة، وقد سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - أم القرآن: «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» (2)، فهي أم القرآن وأصله وفاتحته التي: «ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني» (3).


وهذا المنسوب إلى ابن مسعود لا يفيد عدم اعتقاده بقرآنية سورة الفاتحة، فهذا يخالف الصحيح المتواتر عند المسلمين جميعًا، بل هو مخالف أيضًا لما بيناه سابقًا من صحة القراءات المسندة إلى ابن مسعود - رضي الله عنه -، فقد قرأها - رضي الله عنه - وأقرأها التابعين كما صح عنه في قراءة عاصم وحمزة والكسائي، ولا يظن مسلم أن ابن مسعود يجهل قرآنيتها، وهو الذي يقرأها في كل صلاة، ويقول عنها فيما نقله عنه ابن سيرين (راوي الأثر المشكِل عنه): (السبع المثاني فاتحة الكتاب) (4).

ولو تأملنا المنقول عنه لما وجدنا فيه إنكارًا لقرآنية الفاتحة، بل غاية ما فيه أن ابن مسعود لم يكتب الفاتحة في مصحفه، وصدق ابن قتيبة بقوله: "وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه، فليس لظنه أنها ليست من القرآن (معاذ الله)، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين، مخافة الشك، والنسيان، والزيادة، والنقصان، ورأى ذلك لا يجوز على سورة الحمد لقصرها، فلما أمن عليها العلة التي من أجلها كتب المصحف؛ ترك كتابتها، وهو يعلم أنها من القرآن" (5)، فقد أغفل - رضي الله عنه - كتابتها في مصحفه لإطباق الناس على قراءتها، لذا نقل إبراهيم النخعي أنه قيل لابن مسعودٍ: لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: (لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة) (6).


قال أبو بكر الأنباري: "يعني أن كلَّ ركعةٍ سبيلُها أن تفتتح بأم القرآن، قبل السورة المتلوَّة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لَهَا، ولم أثبتها في موضعٍ، فيلزمني أن أكتبها مع كل سورةٍ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة" (7).

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. عزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 10) إلى عبد بن حميد، ولم أجده في مسنده، ولعله في تفسيره المفقود، كما عزاه إلى المروزي في تعظيم قدر الصلاة، ولم أجده فيه، ولكن الأثر أخرجه ابن سلام في فضائل القرآن ح (575).
  2. أخرجه البخاري ح (4704).
  3. أخرجه الترمذي ح (3125)، والنسائي ح (914)، وأحمد ح (20591).
  4. انظر: المطالب العالية في زوائد الكتب الثمانية، ابن حجر ح (3610).
  5. مناهل العرفان، الزرقاني (1/ 192).
  6. عزاه السيوطي أيضًا في الدر المنثور (1/ 10) إلى عبد بن حميد، ولم أجده في مسنده، ولعله أيضًا في تفسيره المفقود، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 103)، وكلام أبي بكر الأنباري ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (1/ 115).
  7. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (1/ 115).

 

المصدر:

منقذ بن محمود السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص112

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تنزيه-القرآن-الكريم
اقرأ أيضا
مشكلة إطلاق البصر | مرابط
مقالات

مشكلة إطلاق البصر


كم من امرأة أطلقت نظرها وقلبها وخيالها على رجال فأفسدت حياتها مع زوجها وإن لم تكن متزوجة فهو ضرر عظيم أيضا حيث يشغل تفكيرها بما لا ينفع ويشتت عقلها وربما أدخلها في مشاهدة الحرام ويجعلها تطلب صورة مثالية متخيلة لزوج المستقبل تفسد عليها اختيارها لمن يتقدم لها وهذا حصل كثيرا

بقلم: حسين عبد الرازق
229
النفس لا تخلو عن الشعور والإرادة | مرابط
اقتباسات وقطوف

النفس لا تخلو عن الشعور والإرادة


النفس لها مطلوب مراد بضرورة فطرتها وكونها مريدة من لوازم ذاتها لا يتصور أن تكون نفس الإنسان غير مريدة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أصدق الأسماء: الحارث وهمام وهي حيوان وكل حيوان متحرك بالإرادة فلا بد لها من حركة إرادية وإذا كان كذلك فلا بد لكل مريد من مراد

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
663
القياس والاجتهاد عند الصحابة | مرابط
اقتباسات وقطوف

القياس والاجتهاد عند الصحابة


الصحابة - رضي الله عنهم - مثلوا الوقائع بنظائرها وشبهوها بأمثالها وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد ونهجوا لهم طريقه وبينوا لهم سبيله وهل يستريب عاقل في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان

بقلم: ابن القيم
519
المسلم وشارة دعم اللوطية | مرابط
فكر الجندرية

المسلم وشارة دعم اللوطية


أي شيء في الدنيا.. أي مصلحة تلك التي تجعل مسلما يلبس إشارة دعم لمن يعملون عمل قوم لوط! أو يداهن في مثل ذلك أو يعتذر عن إغضابه لأهل القرية التي تعمل الخبائث. وكيف لمسلم أن يشاهد ويتابع ويعلق على مبارايات تروج لاستحلال الفواحش والمجاهرة بها .. الله الغني عن الكورة واللي جاب الكورة!

بقلم: حسين عبد الرازق
374
تسميم الفكر الأوروبي ضد الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

تسميم الفكر الأوروبي ضد الإسلام


يبدو أن العداء الصريح للإسلام كان هو السمة التي ترسخت في الشخصية الجمعية الغربية وجاء ذلك نتاج الحروب الصليبية التي لم تتوقف على الصدام العسكري المسلح فقط وإنما نتج عنها الكثير من التشوهات الفكرية والثقافية التي ظلت باقية في المخيلة والعقلية الأوروبية فيما بعد

بقلم: محمد أسد
2068
الساعة الخامسة والسابعة صباحا | مرابط
تعزيز اليقين

الساعة الخامسة والسابعة صباحا


في الساعة الخامسة صباحا والتي تسبق تقريبا خروج صلاة الفجر عن وقتها تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر إما تسبح وإما تستاك في طريقها بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصلون ويدعون فتيان المنزل وفتياته في سباتهم وما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والدوام إلا وتتحول الرياض وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار حركة موارة وطرقات تتدافع ومتاجر يرتطم الناس فيه...

بقلم: إبراهيم السكران
1768