هل الخلاف شر كله؟

هل الخلاف شر كله؟ | مرابط

الكاتب: أحمد عبد السلام

393 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

إشكالية تربى عليها جيل كامل وهي أن الخلاف شر كله وفي نفس الوقت تعلم أن من الخلاف ما هو معتبر وسائغ! فلذلك تراه منظرا لأدب الخلاف لكن عند التطبيق تراه يشتد على كل من خالفه، ويود لو أنه حمل الناس على قوله ودفن كل قول مخالف. 

وذلك راجع لأصلين:

  • عدم فهم نظرية القطع والظن على وجهها، وهذه لابد من إفراد منشورات لها. 
  • واعتقاد أن الخلاف شر كله. 

وسبب ذلك عدم فهم أثر ابن مسعود رضي الله عنه على وجهه الصحيح.. قال قتادة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته كانوا يصلون بمكة وبمنى ركعتين، ثم إن عثمان صلاها أربعا فبلغ ذلك ابن مسعودفاسترجع ثم قام فصلى أربعا! 
فقيل له: استرجعت ثم صليت أربعا؟! 
فقال: الخلاف شر وبتأمل الخبر وطرقه يتبين لنا أمرين:
الأول: أن ابن مسعود أفتى بخلاف فعل عثمان، إذن فقد خالف عثمان فقهيا وعلميا بالقول. 
الثاني: أنه لم يخالفه في العمل. 

الخلاف العلمي في مواطن الاجتهاد

لماذا لم يخالفه في الفعل بالرغم من أنه يخالفه فقهيا؟
لأن عثمان كان إماما للمسلمين وإماما في الصلاة وفي موطن الحج الذي يجمع الناس على اختلاف أفهامهم ودرجاتهم ومنهم من هو ناقم على عثمان أصلا ويتربص به ظلما وعدوانا فلو خالف ابن مسعود عثمانا في هذا الموقف لأثار الناس وفرق كلمتهم وربما ترك بعضهم الائتمام بالخليفة فتقع الفتنة ويقع الشر الذي يحذره ابن مسعود وهذا هو نوع الخلاف الذي وصفه ابن مسعود بأنه شر. 

أما مجرد ذكر الخلاف وبيان العالم ما يدين الله به فليس بشر قطعا ولذلك فعله ابن مسعود في نفس الموطن في الحج الذي يجمع عامة الناس، ولو كان ذلك هو الشر لما فعله ابن مسعود. 

إذن الخلاف العلمي في مواطن الاجتهاد ليس شرا وهذا ما ذكره العلماء بعبارات كثيرة، من ذلك قول ابن تيمية رحمه الله:
(والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتابا سماه كتاب الاختلاف فقال أحمد سمه كتاب السعة! 
وأن الحق في نفس الأمر واحد وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه لما في ظهوره من الشدة عليهم ويكون من باب قوله تعالى (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)). 

وقال رحمه الله في شرح عمدة الفقه: (فإن إلزام العامة بقول واحد بعينه في جميع الأحكام فيه عسر وحرج عظيم منفي بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقد جعل اختلاف العلماء رحمة وسعة)).

إذن الخلاف ليس شرا كما تعتقد ولكن الشر يأتي من سوء التعامل مع الخلاف، إما بتفريط وإما بإفراط. 
أما التفريط فكفعل من يسوغ الأخذ بكل قول قيل وإن كان شاذا، أو كفعل من يذكر كل الأقوال للمستفتي ويخيره في الأخذ بأي قول منها، أو كفعل من يتخير هو للمستفتي القول الذي يريد أن يسمعه، وكفعل من يخالف خلافا تترتب عليه فتنة كالاختلاف على الأئمة أو أمراء الحروب بحجة أن الخلاف في المسألة معتبر، فهذا كله تساهل مذموم. 

وأما الإفراط فكفعل من يقطع بصجته قوله في مسألة اجتهادية ليس فيها نص ولا إجماع ولا قياس جلي، وكفعل من يحمل الناس على قوله في مسألة اجتهادية ويكتم عنهم بقية الأقوال على الدوام حتى ينشأ جيل لا يعرف شيئا عن هذه الأقوال أو يسفهها أو ينكر على معتقديها، وكفعل من يسفه أو يفسق أو يبدع مخالفه في مسألة اجتهادية. 

كيف نتعامل مع الخلاف؟

سؤال مهم: كيف نتعامل مع الخلاف بطريقة صحيحة؟

إذا كنت عاميا لا قدرة لك على النظر في المسائل والترجيح بين أقوال العلماء فالواجب عليك أن تستفتي من تثق فيه من أهل العلم لقوله تعالى (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وتعمل بما يفتيك به. 

واعلم أنه يحرم عليك النظر في اختلاف العلماء وأدلتهم على سبيل والترجيح بينها إذا لم تكن أهلا لذلك لقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) وأن اختيارك بين أقوال أهل العلم بالتشهي مخالف لمراد الشرع وحكمته من شرع الأحكام بل مناقض للحكمة من أنزال الكتب وبعثة الرسل التي جاءت لتخرج المكلفين من داعية الهوى إلى اتباع الهدى والبحث عن الحق لا عن مراد النفس وشهواتها.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الخلاف-الفقهي
اقرأ أيضا
تبريرات عدنانية | مرابط
فكر مقالات مناقشات

تبريرات عدنانية


ويدفع عدنان كل نص يعارض كلامه الذي يرى أنه يعلو فوق كل اجتهاد تارة بالتضعيف وأخرى بالتأويل وفي هذا المقال سنقف على بعض محاولاته التبريرية والتي يلجأ فيها إلى الأسلوبين ويظهر فيها تناقضه الكبير وعدم اتساقه مع ما يقوله في مواضع مختلفة من رسالة الدكتوراه الخاصة به

بقلم: يوسف سمرين
1271
ليست السنة كلها تشريعا ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ليست السنة كلها تشريعا ج1


إن تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية يمكن قبوله كإجراء فني اصطلاحي لفرز طبائع التصرفات النبوية وما يتصل بها من أحكام لكن المشكلة هو في تحقيق طبيعة الحدود الفاصلة بينهما وتحريك تلك الحدود ليخرج بعض ما كان محلا للتشريع عن أن يكون كذلك فليس صحيحا أن تخرج تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم من إطار الشريعة بذريعة صدور الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بتعدد أدواره الحياتية وإنما المحكم في تحديد ما يدخل في إطار التشريع منها وما يخرج هو الشريعة نفسها والتي كشفت عن هذه المسألة بدقة ووضوح

بقلم: عبد الله العجيري وفهد بن صالح العجلان
769
البيئة قرارك | مرابط
مقالات

البيئة قرارك


لقد قدر الله سبحانه على العباد أحولا قهرية لم يجعل لهم فيها الخيار وذلك لكمال ربوبيته وقدرته ومشيئته فليس للعبد أن يختار هيئته وملامح وجهه ولا انتقاء والديه ونسبه ولا أرض ولادته ونشأته لكن في المقابل منحه الله تعالى حرية الاختيار بين سبيل الرشد وسبيل الغي

بقلم: د. جمال الباشا
459
عين الخصم! | مرابط
مقالات

عين الخصم!


عندما تحاور من يستشكل أو يشكك في أحكام الإسلام فلا يفوتنك شيء مهم وهو أن لدى بعض من تحاورهم خللا منهجيا يجب أن تسلط الضوء عليه لتظهر قوة موقفك فمثلا قد يسألونك عن سبب التحريم للحم الخنزير وفي خلفية سؤالهم أنهم يطلبون مصدرا معينا من المعارف وهو المصدر الحسي والتجريبي والواقع أن اختزال المعرفة في الحس والتجريب خلل منهجي سائد في الغرب

بقلم: د. طارق عنقاوي
418
رحمة الله ليست في يد أحد من خلقه | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

رحمة الله ليست في يد أحد من خلقه


هذه المقولة من المقولات الرائجة على ألسنة الناس وهي في الأصل لا إشكال فيها فرحمة الله تعالى ليست في يد أحد من خلقه وليس لأحد أن يتألى على الله تعالى فيها بل هو مقام خطر جدا صح فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك فهي إذن مقولة صحيحة لا غبار عليها إنما الإشكال في بعض السياقات المعينة التي يستعان فيها بهذه المقولة وتتكرر بتكرارها وكم من سياق جعل كلمة حق توهم باطلا ورضي ا...

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
1677
الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم | مرابط
مقالات

الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم


إن بلغه أن أحدا من العلماء أخطأ وأصاب هو فرح بخطأ غيره وكان حكمه أن يسوءه ذلك. إن مات أحد من العلماء سره موته ليحتاج الناس إلى علمه إن سئل عما لا يعلم أنف أن يقول: لا أعلم حتى يتكلف مالا يسعه في الجواب إن علم أن غيره أنفع للمسلمين منه كره حياته ولم يرشد الناس إليه إن علم أنه قال قولا فتوبع عليه وصارت له به رتبة عند من جهله ثم علم أنه أخطأ أنف أن يرجع عن خطئه فيثبت بنصر الخطأ لئلا تسقط رتبته عند المخلوقين.

بقلم: الآجري
392