الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة

الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة | مرابط

الكاتب: د وضحى بنت مسفر القحطاني

2619 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

يُعد الحديث عن الفكر النسوي من أكثر الأمور تعقيدًا، وذلك لتعدد مشارب هذا الفكر ولاختلاف زاوية الرؤية التي يتطرق إليه منها، فالمجتمع الغربي بطبيعته ينتمي إلى أيديولوجيات مختلفة، لذا تنوعت الأفكار والموضوعات التي يطرحها ما بين: نقد التعصب الديني والعرقي واللغوي ومعارضة الاستعمار ومحاربة الفقر والمرض ومناصرة شؤون المرأة والأسرة والطفل.
 
والمطالع للفكر النسوي برغم منطلقاته المختلفة يجده يدور في فلك قضايا رئيسة، وهي: الجنوسة، والبطريركية، ومواجهة المرأة للقمع الذي يفرضه المذكر، وحقوق المرأة. وما سبق يدخل ضمن هذه الدوائر الكلية تبعا وإن كانت تتغذى بمشارب عدة، فكل عنصر من هذه العناصر تناولته الليبرالية والماركسية والريديكالتية، وفق رؤيتها الخاصة، ومركز الدائرة في ذلك كله هو مناصرة المرأة واستقواؤها.

 

أولًا: الجنوسة Gender

 

أصل الكلمة لاتيني Genus وتعني النوع أو الأصل، ثم تنامى إلى أن أصبح في الفرنسية Gender وظل بنفس معناه الأصل أو النوع فانسحب هذا المعنى إلى أن انتقل إلى الأنواع الأدبية وسميت بالأجناس الأدبية، وسعت الدراسات النسوية لتوظيف هذا المعنى النحوى اللغوي لأهدافها؛ فقد ترجمت مجلة البلاغة المقارنة Gender إلى الجنوسة وفق مفهوم تمحورت حوله الدراسات النسوية في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيلوجية الطبية والنفسية والعلوم الطبيعية والقانونية والدينية والتعليمية والأدبية.. وكان تشبث النسوية بمصطلح الجنوسة أو Gender باعتبار أن التوظيف النحوي له دور في المفاهيم الثقافية والاجتماعية.
 
فالجنوسة بالتالي ليست فروقًا بيلوجية، فالتكوين الجنسي ليس معيارا للقيم الثقافية، فالجنوسة أو النوع يقصد منه تركيبة اجتماعية ثقافية لا علاقة لها بالتكوين الجنسي البشري، فالفروق بين الرجل والمرأة فرضها المجتمع بثقافاته المختلفة بقوة القانون والسلاح، فالضغط الاجتماعي والثقافي يؤسس بنية الجنوسة. ولذلك يحارب النسويات مصطلح Sex ويصررن على Gender لأنهم يرون أن sex فرضه الذكر وليس الهدف منه تمايز الذكر من الأنثى وإنما القصد هيمنة الرجل ودونية المرأة.
 
تقول سيمون دي بوفوار والتي تعد عرّابة النسويات، وكتابها (الجنس الآخر) إنجيلهم: "ليس المجتمع نوعًا من الأنواع ففي المجتمع يحقق النوع نفسه كوجود ويجاوز ذاته نحو العالم والمستقبل، وإن أخلاق المجتمع لا تستنتج من البيلوجيا والأشخاص ليسوا متروكين لطبيعتهم بل يخضعون لطبيعة ثانية هي العُرف والتي تنعكس فيها رغبات ومخاوف تعبر عن وضعهم البشري"
 
ويبدو أن بعض مفكرات النسوية وجدن صعوبة في قبول التمييز الحاصل بين المفهومين، ووجدن أن هذا مما يحضر في الذهن فقط، بينما ترى أخريات وجوده وضرورة التفاعل معه رغم اعترافهن أن عوامل القومية والطبقية لها دورها في تشكيل الإنسان وليس الجنس فقط.
 
ولكن الارتكاز على مصطلح الجندر أو النوع الاجتماعي يعد العصا التي يتخلخل بها كثير من المفاهيم، وبالتالي للنسوية الحق بالمطالبة بالفرص المتكافئة وبالعدالة التامة دون النظر لأي فروق واعتبارات، فالجنس يتحدد بيلوجيًًا في حين أن الهوية الجنسية مفهوم ثقافي مكتسب، فالصفات التي تنسب للمرأة بإمكان الرجل أن يتصف بها والعكس بالنسبة للمرأة، فتصبح المرأة محبة للحرب والرجل محب للسلام.
 
وبماذا يُعلل الحرص على الجندر؟ يعود النفع على المجتمع وليس المرأة عند التسليم بمصطلح الجندر، حيث يصبح هناك تبادل للأدوار بين الرجل والمرأة من مفهوم الشراكة ويكون هناك نفع باكتشاف مواهب جديدة لدى النوعين.
 
 

مفهوم الجندر في العالم العربي

 

وبهذا المفهوم للجندر هل يمكننا أن نقول أنه وصل للعالم العربي وتقبله؟ نعم، لقد وصل الجندر وبهذا المفهوم لعالمنا العربي بل إن حضوره كان مدعوما من جهات مانحة، وكما تشير الباحثة ملاك الجهني فإن الجندر بالمفهوم الغربي وصل إلى الباحثات العربيات النسويات وارتفع تسييس الجندر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وما تلاها من حرب على الإرهاب.
 
وذكرت الباحثة نماذجا لباحثات نسويات كانت مطالباتهن بالجندر وفق المفهوم الغربي، فالوضع البيلوجي ليس بإرادة الإنسان لكن بينما الأدوار المنوطة بالأنواع شديدة الصلة بالثقافة السائدة، واستخدم النسويات الجنوسة في دراستهن للإسلام، بل بلغ ببعضهم التمادي إلى تصنيف عملهن بجهاد الجندر، والادعاء أن القرآن لم يصرح ويتناول الذكورة والأنوثة كخصائص خلقية فطرية وإنما المفسرون هم من بالغوا في ذلك.
 
ومن أشد النسويات العربيات حماسا للجنوسة أو الجندر الناقدة (د. رجاء بن سلامة) ولعلي أشير لها لسببين:
1- تخصصها الأكاديمي هو النقد الأدبي.
2- أنها حاصة على ماجستير في علم النفس.
 
لذا تناولت في كتابها "بنيان الفحولة" مفهوم الذكورة والأنوثة بالتركيز على نصوص تراثية -مما تضج به كتب الأدب- تركز على الجنس الثالث أو ما يسمى بالمخنثين، وبالتالي انساقت في حديثها عن الشذوذ وتناولت آراء الفقهاء على تفاوت في عقوبة الواقع في جريمة قوم لوط حتى وصلت لرأي ابن حزم الذي يوصلها لعشر جلدات، وشنعت على الدول التي توقع بفاعلها  عقوبة الإعدام! وقد جاء كتابها "بنيان الفحولة" ملغمًا بالفاحش من الألفاظ مما تقطر معه العبارات حياء، ويتعذر الفسوق عنه.
 
وأشير إلى رأيها الصريح في الجندر والذي يظهر في تعليقها على تعامل النسويات العربيات مع الجندر، فمنهن من رأينه يفضي للمساواة الإنسانية بلا تفاضل بين الذكر والأنثى، والصنف الثاني منهن يرون تفضيل المرأة على الرجل، وترى رجاء بأن الأولى تبني الرأي الأول وهو المساواة لأنه رأي سيمون دي بوفوار الذي تبنته في كتابها الجنس الثاني، وعليهن بالتالي الإيعاز في المجتمع ألا ينشأ الطفل على مقولة ذكر وأنثى وإنما يقال له هذا إنسان.
 
ولا يعني هذا أن كل النسويات العرب تقبلن مصطلح الجندر بهذا الطرح الذي يقصي الفروق البيلوجية، فهذه أميمة أبو بكر، تقول: وحين أتحدث عن الجندر، فأنا أدرك أن الجندر له تعريفات كثيرة ومنها تعريف تحييد الجنس أو إلغاء الذكورة والأنوثة، وفي الحقيقة لم يتبن أحد في مصر أو .من النسويات العربيات هذه المدرسة مطلقًا، ولكننا دائمًا نتعامل مع فكرة الأدوار الاجتماعية بالتركيز على نشأتها وتطورها والنشأة الاجتماعية والحقوق والواجبات
 
وكلام د. أميمة هذا ينقضه ما أشرنا إليه آنفًا وهو مؤشر على التناقض الذي تقع فيه النسويات عند التنظير والتأصيل لفكرة حتى وإن شاعت وانتشرت على المستوى الغربي والعربي. وقبل أن أشير للرؤية الإسلامية لمثل هذه الأفكار أعرج على رفض د. الصادق النيهوم للجندر الرفض القاطع وفق المفاهيم البيلوجية، والمفاهيم والأيديولوجيات العلمانية.  
 
وعلق تعليقًا جميلًا بأن المرأة الأوربية أخطأت الطريق الذي تريد عبوره فبدلا من أن تمشي بطريق تحدده، سارت بجنب  الرجل على طريقه القديم، فأبرزت المساواة على أنها مطلب عام للحركة وهذا يوضح أن الحركة افتقدت الفلسفة، فالمشي بجوار الرجل لا يمكن تحقيقه عمليا فالحياة تأباه.

 


 

المصدر:

  1. د. وضحى بنت مسفر القحطاني، النسوية في ضوء منهج النقد الإسلامي، ص25
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية
اقرأ أيضا
الإنسانية في أصدق معانيها | مرابط
فكر

الإنسانية في أصدق معانيها


فالعالم العالم بحجة الشرع والقوي قوي بالله والمرحوم مرحوم بالتسليم والطاعة والغني غني بالافتقار إلى الله والواصل واصل بتدبير الله.. فمن جعل الإنسانية دينا جعل الإنسان إلها على الحقيقة! أي إنسانية يدعون إليها؟!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
409
العقل وإدراك الحقائق | مرابط
فكر تفريغات

العقل وإدراك الحقائق


إن الروح التي تسري في نفس الإنسان هي أقرب الأشياء إليه لأنها نفسه ومع ذلك فإن الإنسان يشتد جهله بها كل ما زاد بحثه عنها فالروح ليست من جنس الأشياء المشهودة التي يمكن للعقل الإنساني البحث فيها فليس لها وزن ولا لون ولا حجم ولا تدخل تحت المقاييس الإنسانية فأنى للعقل أن يعرف كنهها وحقيقتها

بقلم: عمر الأشقر
410
بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس | مرابط
فكر مقالات

بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس


نحن بحاجة إلى إعادة النظر في هذا الحكم حسب المقاصد الشرعية ولا بد من مراعاة المقاصد الشرعية عندما نتحدث عن هذه القضية وعبارات أخرى مختلفة ستراها ولا بد عند أي رؤية منحرفة تتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية فعامة الانحراف المعاصر حين يتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية الجزئية فإنه لا بد في سياق تجاوزه لأي حكم وإنكاره له أن يرفع لافتة المقاصد الشرعية كتصريح شرعي للمارسات غير الشرعية

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2106
هم يوسف عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات

هم يوسف عليه السلام


من الشبهات التي يروجها أعداء الإسلام أن القرآن قد نسب إلى الصديق يوسف عليه السلام الهم في الخطيئة مع زوجة العزيز وزعموا أن كتب التفسير مليئة بصور مشينة لهذا الهم الفاسد الذي لا يليق بنبي كريم وبين يديكم الرد المفصل على هذه الشبهة

بقلم: منقذ السقار
708
الأمة الوسط الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الأمة الوسط الجزء الأول


من المتفق عليه أن الخصيصة الأولى والمقوم الأساسي للأمة الوسط هو كونها أمة ربانية وهذه الخصيصة خاصة بهذه الأمة لا تشاركها فيها الأمم الأخرى فالأمة الإسلامية أمة ربانية في عقيدتها وتصورها وتشريعها وأخلاقها وقيمها لأن هذا كله منزل من عند الله تبارك وتعالى

بقلم: عمر الأشقر
946
فتح الأندلس يغير خريطة الحضارة والثقافة في العالم | مرابط
تاريخ مقالات

فتح الأندلس يغير خريطة الحضارة والثقافة في العالم


إن فتح الأندلس من الأحداث العظيمة التي حملت للعالم الكثير من المظاهر الاجتماعية والسلوكية والعلمية فقد نشطت حركة العلوم بشكل عام في الأندلس وانتقلت منها إلى أوروبا وتعلم الأوروبيون السلوك الإسلامي القويم من المسلمين في الأندلس وحتى ملامح النظافة الشخصية والرقي المدني والتنظيم الاجتماعي كل هذا انتقل إلى أوروبا بعد فتح الأندلس وفي هذا المقال يستعرض الكاتب راغب السرجاني بعض هذه الظواهر التي أفادت العالم بعد فتح الأندلس

بقلم: راغب السرجاني
2187