الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة

الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة | مرابط

الكاتب: د وضحى بنت مسفر القحطاني

2433 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يُعد الحديث عن الفكر النسوي من أكثر الأمور تعقيدًا، وذلك لتعدد مشارب هذا الفكر ولاختلاف زاوية الرؤية التي يتطرق إليه منها، فالمجتمع الغربي بطبيعته ينتمي إلى أيديولوجيات مختلفة، لذا تنوعت الأفكار والموضوعات التي يطرحها ما بين: نقد التعصب الديني والعرقي واللغوي ومعارضة الاستعمار ومحاربة الفقر والمرض ومناصرة شؤون المرأة والأسرة والطفل.
 
والمطالع للفكر النسوي برغم منطلقاته المختلفة يجده يدور في فلك قضايا رئيسة، وهي: الجنوسة، والبطريركية، ومواجهة المرأة للقمع الذي يفرضه المذكر، وحقوق المرأة. وما سبق يدخل ضمن هذه الدوائر الكلية تبعا وإن كانت تتغذى بمشارب عدة، فكل عنصر من هذه العناصر تناولته الليبرالية والماركسية والريديكالتية، وفق رؤيتها الخاصة، ومركز الدائرة في ذلك كله هو مناصرة المرأة واستقواؤها.

 

أولًا: الجنوسة Gender

 

أصل الكلمة لاتيني Genus وتعني النوع أو الأصل، ثم تنامى إلى أن أصبح في الفرنسية Gender وظل بنفس معناه الأصل أو النوع فانسحب هذا المعنى إلى أن انتقل إلى الأنواع الأدبية وسميت بالأجناس الأدبية، وسعت الدراسات النسوية لتوظيف هذا المعنى النحوى اللغوي لأهدافها؛ فقد ترجمت مجلة البلاغة المقارنة Gender إلى الجنوسة وفق مفهوم تمحورت حوله الدراسات النسوية في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيلوجية الطبية والنفسية والعلوم الطبيعية والقانونية والدينية والتعليمية والأدبية.. وكان تشبث النسوية بمصطلح الجنوسة أو Gender باعتبار أن التوظيف النحوي له دور في المفاهيم الثقافية والاجتماعية.
 
فالجنوسة بالتالي ليست فروقًا بيلوجية، فالتكوين الجنسي ليس معيارا للقيم الثقافية، فالجنوسة أو النوع يقصد منه تركيبة اجتماعية ثقافية لا علاقة لها بالتكوين الجنسي البشري، فالفروق بين الرجل والمرأة فرضها المجتمع بثقافاته المختلفة بقوة القانون والسلاح، فالضغط الاجتماعي والثقافي يؤسس بنية الجنوسة. ولذلك يحارب النسويات مصطلح Sex ويصررن على Gender لأنهم يرون أن sex فرضه الذكر وليس الهدف منه تمايز الذكر من الأنثى وإنما القصد هيمنة الرجل ودونية المرأة.
 
تقول سيمون دي بوفوار والتي تعد عرّابة النسويات، وكتابها (الجنس الآخر) إنجيلهم: "ليس المجتمع نوعًا من الأنواع ففي المجتمع يحقق النوع نفسه كوجود ويجاوز ذاته نحو العالم والمستقبل، وإن أخلاق المجتمع لا تستنتج من البيلوجيا والأشخاص ليسوا متروكين لطبيعتهم بل يخضعون لطبيعة ثانية هي العُرف والتي تنعكس فيها رغبات ومخاوف تعبر عن وضعهم البشري"
 
ويبدو أن بعض مفكرات النسوية وجدن صعوبة في قبول التمييز الحاصل بين المفهومين، ووجدن أن هذا مما يحضر في الذهن فقط، بينما ترى أخريات وجوده وضرورة التفاعل معه رغم اعترافهن أن عوامل القومية والطبقية لها دورها في تشكيل الإنسان وليس الجنس فقط.
 
ولكن الارتكاز على مصطلح الجندر أو النوع الاجتماعي يعد العصا التي يتخلخل بها كثير من المفاهيم، وبالتالي للنسوية الحق بالمطالبة بالفرص المتكافئة وبالعدالة التامة دون النظر لأي فروق واعتبارات، فالجنس يتحدد بيلوجيًًا في حين أن الهوية الجنسية مفهوم ثقافي مكتسب، فالصفات التي تنسب للمرأة بإمكان الرجل أن يتصف بها والعكس بالنسبة للمرأة، فتصبح المرأة محبة للحرب والرجل محب للسلام.
 
وبماذا يُعلل الحرص على الجندر؟ يعود النفع على المجتمع وليس المرأة عند التسليم بمصطلح الجندر، حيث يصبح هناك تبادل للأدوار بين الرجل والمرأة من مفهوم الشراكة ويكون هناك نفع باكتشاف مواهب جديدة لدى النوعين.
 
 

مفهوم الجندر في العالم العربي

 

وبهذا المفهوم للجندر هل يمكننا أن نقول أنه وصل للعالم العربي وتقبله؟ نعم، لقد وصل الجندر وبهذا المفهوم لعالمنا العربي بل إن حضوره كان مدعوما من جهات مانحة، وكما تشير الباحثة ملاك الجهني فإن الجندر بالمفهوم الغربي وصل إلى الباحثات العربيات النسويات وارتفع تسييس الجندر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وما تلاها من حرب على الإرهاب.
 
وذكرت الباحثة نماذجا لباحثات نسويات كانت مطالباتهن بالجندر وفق المفهوم الغربي، فالوضع البيلوجي ليس بإرادة الإنسان لكن بينما الأدوار المنوطة بالأنواع شديدة الصلة بالثقافة السائدة، واستخدم النسويات الجنوسة في دراستهن للإسلام، بل بلغ ببعضهم التمادي إلى تصنيف عملهن بجهاد الجندر، والادعاء أن القرآن لم يصرح ويتناول الذكورة والأنوثة كخصائص خلقية فطرية وإنما المفسرون هم من بالغوا في ذلك.
 
ومن أشد النسويات العربيات حماسا للجنوسة أو الجندر الناقدة (د. رجاء بن سلامة) ولعلي أشير لها لسببين:
1- تخصصها الأكاديمي هو النقد الأدبي.
2- أنها حاصة على ماجستير في علم النفس.
 
لذا تناولت في كتابها "بنيان الفحولة" مفهوم الذكورة والأنوثة بالتركيز على نصوص تراثية -مما تضج به كتب الأدب- تركز على الجنس الثالث أو ما يسمى بالمخنثين، وبالتالي انساقت في حديثها عن الشذوذ وتناولت آراء الفقهاء على تفاوت في عقوبة الواقع في جريمة قوم لوط حتى وصلت لرأي ابن حزم الذي يوصلها لعشر جلدات، وشنعت على الدول التي توقع بفاعلها  عقوبة الإعدام! وقد جاء كتابها "بنيان الفحولة" ملغمًا بالفاحش من الألفاظ مما تقطر معه العبارات حياء، ويتعذر الفسوق عنه.
 
وأشير إلى رأيها الصريح في الجندر والذي يظهر في تعليقها على تعامل النسويات العربيات مع الجندر، فمنهن من رأينه يفضي للمساواة الإنسانية بلا تفاضل بين الذكر والأنثى، والصنف الثاني منهن يرون تفضيل المرأة على الرجل، وترى رجاء بأن الأولى تبني الرأي الأول وهو المساواة لأنه رأي سيمون دي بوفوار الذي تبنته في كتابها الجنس الثاني، وعليهن بالتالي الإيعاز في المجتمع ألا ينشأ الطفل على مقولة ذكر وأنثى وإنما يقال له هذا إنسان.
 
ولا يعني هذا أن كل النسويات العرب تقبلن مصطلح الجندر بهذا الطرح الذي يقصي الفروق البيلوجية، فهذه أميمة أبو بكر، تقول: وحين أتحدث عن الجندر، فأنا أدرك أن الجندر له تعريفات كثيرة ومنها تعريف تحييد الجنس أو إلغاء الذكورة والأنوثة، وفي الحقيقة لم يتبن أحد في مصر أو .من النسويات العربيات هذه المدرسة مطلقًا، ولكننا دائمًا نتعامل مع فكرة الأدوار الاجتماعية بالتركيز على نشأتها وتطورها والنشأة الاجتماعية والحقوق والواجبات
 
وكلام د. أميمة هذا ينقضه ما أشرنا إليه آنفًا وهو مؤشر على التناقض الذي تقع فيه النسويات عند التنظير والتأصيل لفكرة حتى وإن شاعت وانتشرت على المستوى الغربي والعربي. وقبل أن أشير للرؤية الإسلامية لمثل هذه الأفكار أعرج على رفض د. الصادق النيهوم للجندر الرفض القاطع وفق المفاهيم البيلوجية، والمفاهيم والأيديولوجيات العلمانية.  
 
وعلق تعليقًا جميلًا بأن المرأة الأوربية أخطأت الطريق الذي تريد عبوره فبدلا من أن تمشي بطريق تحدده، سارت بجنب  الرجل على طريقه القديم، فأبرزت المساواة على أنها مطلب عام للحركة وهذا يوضح أن الحركة افتقدت الفلسفة، فالمشي بجوار الرجل لا يمكن تحقيقه عمليا فالحياة تأباه.

 


 

المصدر:

  1. د. وضحى بنت مسفر القحطاني، النسوية في ضوء منهج النقد الإسلامي، ص25
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية
اقرأ أيضا
النفس لا تخلو عن الشعور والإرادة | مرابط
اقتباسات وقطوف

النفس لا تخلو عن الشعور والإرادة


النفس لها مطلوب مراد بضرورة فطرتها وكونها مريدة من لوازم ذاتها لا يتصور أن تكون نفس الإنسان غير مريدة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أصدق الأسماء: الحارث وهمام وهي حيوان وكل حيوان متحرك بالإرادة فلا بد لها من حركة إرادية وإذا كان كذلك فلا بد لكل مريد من مراد

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
623
إبراهيم عليه السلام يحاجج النمرود | مرابط
اقتباسات وقطوف

إبراهيم عليه السلام يحاجج النمرود


لم يكن إبراهيم بذلك الرجل يناقش الضعفاء والعامة ويترك الأقوياء والكبراء وإنما كان يثبت الحق عند الجميع لم يكن ليخاف في الله لومة لائم ولذلك لما وصلت القضية إلى النمرود قام إبراهيم لله بالحجة بين يديه فأمره ونهاه وقام لله بالحجة على هذا الطاغية

بقلم: محمد المنجد
579
في معاني تفضيل عشر ذي الحجة | مرابط
تفريغات

في معاني تفضيل عشر ذي الحجة


من مقتضيات ومعاني التفضيل لهذه العشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها محترزات ومنهيات في بعض الأعمال فالزمن والمكان الذي يقع فيه نهي بفعل من الأفعال آكد من غيره لأن هذا تعظيم له ومكة أعظم من غيرها لأنها حرم فيحرم أن ينفر الصيد وكذلك أن يعضد الشوك ونحو ذلك.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
238
القلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن | مرابط
اقتباسات وقطوف

القلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن


وهذا القلب إنما يستمد مادة حياته من المحن ومن العوارض ومن المتاعب فالجوارح تستمد حياتها من الراحة أما القلب فهو يستمد حياته من المحن ففيها سلامة القلب فالقلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن ولذلك اختار الله عز وجل البلاء فجعله من نصيب أوليائه

بقلم: أبو إسحق الحويني
422
فن أصول التفسير ج4 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج4


في قضية مصادر التفسير ممكن نقسمها إلى: المصادر النقلية البحتة والمصادر النقلية النسبية ومصادر الاجتهاد الآن من هو المفسر الأول للقرآن أو قل: ما هو المصدر الأول لتفسير القرآن القرآن نفسه ثم المصدر الثاني السنة ثم المصدر الثالث: الصحابة

بقلم: مساعد الطيار
603
أعمال القلب وأعمال الجوارح | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

أعمال القلب وأعمال الجوارح


إن الله تعالى رب القلوب والألسن وليس رب القلوب فقط والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وهذا الحديث يفسد كل دعوى يدعيها بعض الناس إذا نصحته في أمر من الأمور مما أتى الله به قال لك: التقوى هاهنا وهي كلمة حق أريد بها باطل والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلا

بقلم: ابن عثيمين
413