الإنسان في تصوير الإسلام هو ذلك الكائن المزدوج الطبيعة، المكون من قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله، ممتزجتين مترابطتين غير منفصلتين. ومن ثم لا يكون قبضة طين خالصة فيهبط كالجماد أو الحيوان، ولا نفخة روح خالصة فيؤله أو يتأله! إنما هو مزاج من الطين ونفخة الروح، يكونان هذا الكيان المتفرد في كل الخلق، المتميز عن كل الخلق.. كيان ((الإنسان)).
وهذا الكيان المتفرد قادر على الارتفاع قدرته على الهبوط.
((ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)).
((وهديناه النجدين)).
((إنا هديناه السبيل، إما شاكرًا وإما كفورًا)).
وفي هذه الخاصية يكمن الابتلاء والجزاء.. فبمقتضى قدرته على الهبوط والرفعة، والإرادة الممنوحة له ليختار بها – في كل لحظة وفي كل حالة – بين الهبوط والرفعة، بمقتضى ذلك يترك في الأرض ليعمل، ثم يجازى على عمله يوم الجزاء.
…والإنسان في نظر الإسلام – كما هو في حقيقة فطرته – كائن مترابط؛ فلا انفصال بين عنصر الطين وعنصر الروح فيه.. ليس جسدًا خالصًا ولا روحًا خالصة، ولا انفصال بين شعوره وسلوكه، ولا عمله وأخلاقه، ولا مثله وواقعه، ولا عقيدته وشريعته، ولا دنياه وآخرته..
كلها مزاج واحد، وحسبة واحدة !
جسمه وروحه وحدة: جسمية روحية في آن.
وشعوره وسلوكه وحدة: شعورية سلوكية معًا في ذات الوقت.
وعمله وأخلاقه وحدة: عملية خلقية بلا انفصال.
وعقيدته وشريعته شىء واحد هو ((الدين)).
ودنياه وآخرته جزآن متكاملان من حياة واحدة متصلة ليس في داخلها انقطاع.
وهو كائن متوازن – أو ينبغى أن يتوازن.
لا الجسد يغلب فيه على الروح..
لا الواقع على الخيال..
لا نزعته الفردية على نزعته الجماعية..
لا نزعته السلبية على نزعته الإيجابية..
لا ثقلته نحو الأرض ولا رفرفته للسماء..
ومن هذا الكيان المتوازن يتوازن الفرد والمجتمع، والتصور والسلوك
المصدر:
- محمد قطب، جاهلية القرن العشرين